أعترف بأنني خرجت من السجن بفضل اتفاقية أوسلو، وأعترف أنني كنت من أشد المؤيدين للسلام، بل كنت مقتنعاً في تلك الفترة بأهمية التعايش مع الإسرائيليين، وأهمية بناء المجتمع الفلسطيني بعيداً عن الحروب، مع ضرورة الارتقاء بثقافة السلام الهادف إلى نزع الأحقاد، وترسيخ نهج الحوار، والتقدم بالديمقراطية وحرية الرأي، والشفافية السياسية، وقد عبرت عن ذلك بالمقال واللقاء، وجسدت ذلك بالفعل، حين رشحت نفسي للانتخابات التشريعية سنة 1996، ولكن دون جدوى، فكل ما سبق من نشاط لم يبيض صفحتي لدى المخابرات الإسرائيلية، التي رفضت إعطائي تصريحاً لعبور الحواجز الإسرائيلية، والوصول إلى الضفة الغربية.
ففي سنة 1995 تقدمت بطلب للحصول على تصريح لدخول الضفة الغربية بمساعدة وزير التخطيط والتعاون الدولي الدكتور نبيل شعث، وكان رد المخابرات الإسرائيلية هذا الرجل (מסוכן) خطير، وكان زملائي المدراء يذهبون إلى مكاتبهم في الضفة، ويرجعون، أما أنا فلا!!
سنة 1996 حاولت الحصول على تصريح لدخول الضفة الغربية عن طريق رئاسة المجلس الوطني، وبصفتي عضو مجلس وطني، وأمين سر لجنة اللاجئين، وكان الرد الذي تسلمه رئيس المجلس السيد سليم الزعنون: لا، إنه (מסוכן) خطير
سنة 1997 حاولت الحصول على تصريح عن طريق رئيس جهاز الأمن الوقائي، وحاولت مرة أخرى عن طريق رئيس جهاز المخابرات العامة، وكان الرد الإسرائيلي نفسه (מסוכן) خطير.
سنة 2004، تواصلت مع عشرات الشعراء اليهود والشاعرات، وأرسلوا لي قصائدهم ودواوين أشعارهم، كي أنجز رسالة دكتوراة في نقد الشعر العبري، حتى أن الشاعرة اليهودية "تال نتسان كيرن" نشرت ديوان شعرها الذي يتضمن قصيدة عن الفلسطيني فايز أبو شمالة، الذي أمضى عشر سنوات في سجون الاحتلال، ويطلق الجيش الإسرائيلي النار على بيته كل يوم، وأخيراً تم احتجازه في بيته، هو وأفراد أسرته لعدة أيام، ومع ذلك يواصل دراسة الشعر العبري.
ذلك الإطراء من الشعراء اليهود لم يساعدني في الحصول على تصريح، أثناء عقد جلسة المجلس الوطني الفلسطيني الطارئة في رام الله سنة 2009، حيث رفضت المخابرات الإسرائيلية منحي تصريح دخول الضفة الغربية، لأشارك في جلسة المجلس الوطني.
اليوم، سنة 2018، وبعد مئات المقالات المحرضة على المقاومة، وبعد استشهاد ابني حازم، وابن أخي محمد، وبعد استشهاد خمسة عشر من أبناء عائلة أبو شمالة، في السنوات الأخيرة فقط، صرت حمامة سلام من وجهة نظر المخابرات الإسرائيلية، فرفرف قلبها حناناً ومحبة، ووافقت على إعطائي تصريحاً لدخول الضفة الغربية، والمشاركة في جلسة المجلس الوطني!!
ما الذي تغير منذ الأمس وحتى اليوم؟ وهل حقاً انطفأت ناري، وتغير حالي، وصرت وديعاً قانعاً قانطاً راضياً أنيقاً مؤمناً بالتنسيق الأمني المقدس، لتمنحني المخابرات الإسرائيلية تصريحاً؟
لماذا أعطتني المخابرات الإسرائيلية تصريحاً بدخول الضفة الغربية هذه الأيام؟؟؟ لماذا؟
ترى، لو كنت مريضاً، وبحاجة إلى علاج، كبقية المرضى في قطاع غزة، هل كانت المخابرات الإسرائيلية ستسمح لي بالعلاج في الضفة الغربية بهذه السهولة والسرعة والتودد؟؟؟
قاتلكم الله يا أعداء الشعب الفلسطيني!.
قاتلكم الله يا من رضيتم المشاركة في جلسة مجلس وطني لا تمر إلا من تحت الراية الإسرائيلية الزرقاء، والغارقة بدم الفلسطينيين الأبرياء منهم والشرفاء.
د. فايز أبو شمالة