الفلسطينيون في أزمة لا يحسدون عليها، أحوالهم ليست علي ما يرام وأحوال المنطقة لم تعد علي ما يرام.
الفلسطينيون وحالة الفزع الشديد التي تنتشر بين ظهرانيهم وتزداد رقعتها إتساعا بسبب رؤية وطريقة وصفقة ترامب لحل الصراع مع دولة الإحتلال ورغم ما مر علي شعبنا وقياداته المتعاقبة من تحديات وحالات عدم التوازن أو الإتزان والقلق والحيرة كان أكبرها النكبة والهجرة وضياع الأرض رويدا رويدا بعد أن إكتمل الإحتلال علي كل فلسطين في العام 1967 وتسارع الاستيطان ومصادرة الأراضي من قبل الإحتلال بدون رجعة ،، كل هذا والذي نواجهه الآن أصعب.
المعاناة فوق العادة التي يمر فيها الفلسطينيون وغير المسبوقة منذ النكبة ووصولا للإنقسام الحاد بين أكبر فصيلين يتربع كل منهما علي عرش السلطة في غزة وفي رام الله دون مقدرة علي إستعادة وحدة النظام السياسي وتلك وحدها معضلة فما بالك حين يقفون أمام تحدي من أكبر التحديات التي واجهت قضيتهم منذ العام 1948 وهذا التحدي مع إدارة الحكم في الولايات المتحدة أكبر دولة فاعلة في العالم وفي القضية الفلسطينية حول رؤية الحل المطروح أو الصفقة وظلمها الكبير.
الفلسطينيون تفاجأوا بمصادرة حقهم كطرف أصيل وصاحب الأرض فيما فعلته الولايات المتحدة بقرار نقل السفارة من تل أبيب إلي القدس التي هي علي الأقل لهم ومن حقهم في قرار التقسيم وكانت تحت إدارة العرب الأردنيين قبل الخامس من حزيران للعام 1967 ولم تكن إسرائيلية بالمعني التاريخي وبمعني التقسيم والقرارات الصادرة بالآلاف عن الأمم المتحدة بأن القدس أراضي محتلة وما يجري بعدها من تقويض لحق العودة والبدء في إزالة أكبر وأقدم مؤسسة للأمم المتحدة للاجئين وهي الآنروا كشاهد وثابت علي حق العودة غير الملكية الخاصة والعامة وتسجيلات الطابو التي يحتفظ بها الفلسطينيون كأفراد وعائلات وتحتفظ بها الدولة العثمانية تركيا حاليا.
هذه الطريقة التي تصرف بها الرئيس ترامب وإدارته والتي واكبت وتواكب الضعف العربي والإنقسام الفلسطيني الآن وتواكب بعض مصالح دول عربية في حل الصراع مع إسرائيل حتي لو ظلم الشعب الفلسطيني،هذه الحالة بكل أبعادها ترعب الشعب الفلسطيني وتقلقه علي مستقبله ولذلك هو في حالة فوبيا phobia إن لم تكن حالة فزع panic أو لنقل وقوف شعر الرأس hair -raisng مع تعدد الروايات عن السيناريوهات المطروحة بالحرب أو التهجير أو نقل السكان أو أقلها في فرض الحل بالقوة وبموافقة العرب الصريحة أو السلبية في عدم الرغبة في المواجهة أو عدم القدرة علي المواجهة وأقلها عدم الدعم بكل الامكانيات للفلسطينيين للمواجهة إذا ما فرضت الصفقة.
لنترك هذا جانبا ونري ما هي حالتنا التي تسارعنا لإعلانها وهو الرفض الشامل وبقوة من كل الشعب وفصائله ومفكريه وسياسييه وما تبع أو يتبع مثل هكذا مواقف تطبق علي العقل حتي لا يترك هامش للتفكير وهي حالة معروفة في مثل هذه المنعطفات التي تمس الوطن والمصير عند الشعوب وحتي مجردأن يصبح التفكير بغير الرأي الجامع الشامل وليس أغلبية مثلا أو إحتمال المخالفة بوعي أو دون وعي لتطبق علي العقول حيث تهمة الخيانة تصبح جاهزة لدي الجمهور والسياسيين وهنا الخيانة أحيانا تكون الخروج عن الصف أو سمها الخروج عن العقل الجماعي المحاصر لأي خروج عنه أو سبق وعي وإدراك وإستشراف للمستقبل.
لا أدري إن كان هذا هو الذي يدعو الجميع لتخويف الجميع فتصبح ظاهرة مانعة من مجرد الفحص والتمحيص فيما يقال وفيما يطرح أو فيما يعرض وخاصة أن ما يعرض منها يعرض علي السياسيين فقط والسياسبين لهم حسابات قد تخطيء وقد تصيب وما نحن فيه من مآسي وضياع وفقدان الوطن هي بالتأكيد ليس سببها عدم التوازن الاستراتيجي فقط مع إسرائيل بل بها كثير من أخطاء السياسيين والقادة وعدم أهليتهم لإتخاذ قرار وخطأ حساباتهم ومن الأرجح ومن الأفضل في مثل هذه الحالات أن يصارح السياسيين شعبنا بالتفصيل ما الذي طرح عليهم حقيقة ومن المصدر وليس نقلا عن وعن ونحن الفلسطينيون جميعا ناضجون ومدركون للسياسة بحكم التجربة المريرة التي صقلت خبرات الشارع قبل السياسيين ولذلك لابد من جعل الوطن عبارة عن ورشة عمل كاملة ومستمرة لتوضيح المعروض علي القيادة بحرفيته ليتبلور لدي شعبنا موقفا حقيقيا وسليما كي لا نقول يا ريتهم قسموا بعد أن لم ندرك حجم جاهزيتنا وخداعنا أو خداع السياسيين إما بعدم عرض الذي كان مطروحا علي الناس في قضية تتعلق بمصيرهم أو عدم مصارحتنا بقدرتنا علي الرفض من عدمه وعلي قدرتنا علي التصدي من عدمه ومضاعفات ومكاسب أي موقف سيتخذ والشعب عبر التاريخ بوصلته لا تخطيء وليس له أجندات وعلاقات خاصة وليس واقعا تحت تأثير السلطة والحزب والعلاقات مع الآخرين وخاصة ونحن نري بأم أعيننا مدي الخداع والكذب وعدم الحكمة لدي السياسيبن الذي أحدث تخريبا شاملا في دول كاملة مستقلة وكان لها قيادات راسخة كنا نحسبها شمشون الجبار فأضاعت شعوبها وأوطانها ولازال العرض مستمرا في ليبيا سوريا العراق اليمن التي لم تعد دولا قابلة للإستقلال والعودة لما كان.
قولوا لشعبنا الحقيقة وما لديكم من قدرة في كل الإتجاهات. ويا سادة القادة في كل الفصائل ويا سيادة الرئيس لا تكن واقعا بين فوبيا القرار وفوبيا التخوين فإن كان القرار لصالح الشعب الفلسطيني فلا تقعوا تحت رعب التخوين فكثير من القادة إتخذوا قرارات لم يستوعبها الناس في الحال وبعد سنوات أصبح صاحب القرار بطلا قوميا بلا منازع وتلك ليست دعوة للخيانة بل هي دعوة للإنقاذ من الضياع والتيه والإنقراض ولكي لا يكون عدم اتخاذ القرار في موضعه أقرب للخيانة. هذه دعوة لتكونوا علي قدر المسؤولية عن شعب وقضية وليست دعوة للتفريط والخيانة والانبطاح للصفقة ولكن لم يطلع أحد الشعب علي ما يعرفه من الصفقة وما لا نعرفه يجب أن نعرفه ونفكر فيه مليا فهو مصير وطن وشعب وحقوق ولشعبنا حق الرأي في كل خطوة تتخذ نحو الصفقة سلبا أو إيجابا ونحو ما يطرح من حلول ولا نريد أن يأتي زمن يقول فيه الناس يا ريتهم فكروا !!
أردنا أن نقول إفحصوا وفكروا وشاوروا شعبكم ولا نقول إقبلوا وتنازلوا أو إرفضوا وديروا ظهركم لأننا جميعا في dilemma يعني ورطة.
د. طلال الشريف