اليوم في العالم بأسره 24 ساعة، إلا في قطاع غزة جنوب فلسطين المحتلة، فهو أربع ساعات فقط، هي مقدار برنامج الكهرباء المعتمد في أزمة خانقة تدحرجت من برنامج الثماني ساعات الى أربع ساعات يوميا فقط.
الحياة العصرية تعتمد بشكل شبه تام على الطاقة في أغلب مكوناتها الأساسية. لتبسيط الصورة وتوضيح جوانبها، فإن حصة الأسرة من برنامج الكهرباء في غزة هي حوالي أربع ساعات وصل، حسب درجة الأزمة وشدتها.
طبعا، هذه السويعات يمكن أن تأتي في ساعة متأخرة من الليل أو في ساعات الصباح الأولى أو في منتصف اليوم. ساعات محدودة تتكدس فيها قائمة كبيرة من الاحتياجات المنزلية التي تعتمد على الكهرباء العزيزة، من غسيل أو ساعات التلفزيون للأطفال أو إعداد الخبز أو الطعام أو شحن الهواتف النقالة وأجهزة الحاسوب أو التمتع بهواء منعش للمروحة وكل الاستعمالات الأخرى، وأهمها توفير المياه.
حكاية المياه لا تقل بؤسا عن برنامج الكهرباء؛ فبرنامج المياه كل أربعة أيام لمدة أربع ساعات يجب أن يتزامن مع برنامج الكهرباء، وذلك حتى تتمكن الأسرة من تشغيل مولدات سحب المياه لجمع أكبر كمية تكفي لأربعة أيام قادمة في دورة من القهر بلا أفق سوى الوعود.
لك عزيزي القارئ أن تتوقع أن برنامج المياه المتزامن بالضرورة مع الكهرباء يمكن أن يكون ليلا أو في ساعات الصباح الباكر، مما يتطلب تفرغ اثنين من أفراد الأسرة في هذا الوقت وعلى مدار الساعات المقررة، لضمان تعبئة خزانات المياه؛ وذلك تفاديا لوقوع الأسرة فريسة شراء الماء عبر تعبئة ألف لتر بـ 7 دولارات.
طالب المدرسة والجامعة ينتظر الساعات الموعودة لمراجعة دروسه. بل أن الزيارات الاجتماعية مرتبطة بالكهرباء، حيث يفضل أن تتم زيارة الأقارب أو الضيوف خلال ساعات وصل الكهرباء. أما بالنسبة لسكان العمارات والأبراج التي تحتاج مصعدا، فهي حكاية مؤلمة لكبار السن والأطفال، خاصة بعد الطابق الثالث. لذلك، فمعرفة جدول الكهرباء توفر عليك عناء صعود الدرج أو العودة خائبا.
طبعا، البنايات السكنية درجات في سلم اقتصادي – اجتماعي جديد؛ فهناك أبراج قليلة تعمل فيها المولدات لتشغيل المصعد طوال اليوم تقريبا، مقابل دفع اشتراكات شهرية مكلفة، وعمارات من الدرجة الثانية تشغل مصاعدها على رأس كل ساعة لمدة 5 أو 10 دقائق. أما العمارات والأبراج من الفئة الفقيرة الثالثة، فتعتمد على جدول 4 ساعات.
المواطن في غزة الذي يتحمل هذه الازمة منذ عام 2006 بشكل متقطع يتساءل: لماذا هذه المعاناة؟ مقابل ماذا تتوقف الحياة 20 ساعة يوميا؟ ولماذا تتحول الشوارع والمدن والحارات ليلا الى مقابر مظلمة بلا نور؟ من أجل أي مقابل يُدفع هذا الثمن من الأعمار القصيرة؟ هل من أجل شعارات سياسية تبيع الوهم، ووعود يغمرها التراب بمرور الوقت؟ ورغم ذلك، لم يتغير شيء من مفردات احتلال، حصار، انقسام (…).
ما سبق هو صورة مصغرة لشكل من أشكال معاناة قرابة 2 مليون شخص، يعيشون في أكبر سجن في العالم حسب توصيف الأمم المتحدة. تتعدد الصور عبر المستشفيات والمدارس والبحر الملوث، المياه النادرة. والأخطر أن لا أمل يلوح في الأفق.
عامر أبو شباب