الاستيطان في القدس الجزء الأول

بقلم: عبد الحميد الهمشري

الاستيطان في القدس ابتدأ منذ بداية الهجرات اليهودية إلى فلسطين حيث أن الأحياء اليهودية في منتصف القرن التاسع عشر بدأت في الظهور فأقيمت أولى المستوطات خارج أسوارها ورسمت الحدود السياسية لها لهدف أيديولوجي تمثل في حي (يمين موشية) عام 1850 في منطقة جورة العناب الذي كان نواة الأحياء اليهودية التي تقام خارج أسوارها باتجاه الجنوب الغربي والشمال الغربي والغرب ثم أقيم حي (مئة شعاريم) في منطقة المصرارة و(ماقور حاييم) المسكوبية في عام (ً1858). ونتيجة للزعم الصهيوني بأن القدس كانت دائماً ذات أغلبية يهودية مع أن مساحة الحي اليهودي فيها لم يكن يتجاوز الــ (خمس دونمات ) تقطنه تسعين أسرة ، فان حكومة الانتداب البريطاني وقادة الصهيونية اتفقوا على رسم حدود البلدية بطريقة ترتبط بالوجود اليهودي مع أنه ليس موجوداً وكأنه موجود على أرض الواقع حيث امتد الخط من الجهة الغربية عدة كيلو مترات (جبعات شاؤول، سكنات مونتفيورى، بيت هاكيرم، سكنات هبو عليم، بيت فجان) التي تبعد 7 كم عن أسوار المدينة بينما اقتصر الامتداد من الجوانب الجنوبية والشرقية على بضع مئات من الأمتار وقفت حدود البلدية أمام مداخل القرى العربية المجاورة للمدينة ومنها قرى عربية كبيرة خارج الحدود (الطور، شعفاط، لفتا، ديير ياسين، سلوان، العيسوية، عين كارم، المالحة، بيت صفافا) رغم أن هذه القرى تتاخم المدينة حتى تكاد تكون كل منها ضاحية من ضواحيها.
ثم جرى ترسيم الحدود البلدية عام 1921 حيث ضمت حدود البلدة القديمة وقطاعاً عرضياً بعرض 400م على طول الجانب الشرقي لسور المدينة بالإضافة إلى أحياء باب الساهرة، وادي الجوز، الشيخ جراح من الناحية الشمالية، من الناحية الجنوبية انتهى خط الحدود إلى سور المدينة فقط أما الناحية الغربية والتي تعادل مساحتها أضعاف القسم الشرقي ، فقد شملتها الحدود لاحتوائها تجمعات يهودية كبيرة بالإضافة إلى بعض التجمعات العربية (القطمون، البقعة الفوقا والتحتا، الطالبية، الوعرية، الشيخ بدر، ومأمن الله) أما المخطط الثاني لحدود البلدية فقد وضع عام 1946 بقصد توسيع منطقة خدماتها غير أن التوسيع تركز أيضاً على القسم الغربي حتى يمكن استيعاب وضم الأحياء اليهودية الجديدة آلتي بقيت خارج منطقة التنظيم عام 1931 ، وفي الجزء الشرقي أضيفت قرية سلوان من الناحية الجنوبية ووادي الجوز وبلغت مساحة المخطط 20.199 دونما ، 40% أملاك عربية ، 26% أملاك يهودية ،14 % تقريباً أملاك مسيحية ، 3% أملاك حكومية وبلدية ، %17طرق سكك حديدية .
وتوسعت المساحة المبنية من 4130 دونماً عام 1918إلى 7230 دونما عام 1948 ، وجاء قرار التقسيم والتدويل (1947-1949) لأن فكرة تقسيم وتدويل القدس لم تكن جديدة فقد طرحتها (لجنة بيل) حيث اقترحت إبقاء القدس وبيت لحم إضافة إلى اللد والرملة ويافا خارج حدود الدولتين اليهودية والعربية مع وجود معايير حرة وآمنة وجاء قرار التقسيم ليوصي مرة أخرى بتدويل القدس وقد نص القرار على إن القدس ستكون منطقة منفصلة تقع بين الدولتين العربية واليهودية وتخضع لنظام دولي خاص وتدار من قبل الأمم المتحدة بواسطة مجلس وصاية يقام لهذا الخصوص وقد حدد القرار المذكور حدود القدس الخاضعة للتدويل بحيث شملت إضافة إلى المدينة ذاتها (أبو ديس شرقاً ـ بيت لحم جنوباً ـ عين كارم ـ موتسا ـ قالونيا غرباً ـ وشعفاط في الشمال) ولكن حرب عام 1948 وتصاعد المعارك الحربية التي أعقبت التقسيم أدت إلى تقسيم المدينة إلى قسمين وتوزعت حدودها نتيجة لخط وقف النار إلى:مناطق فلسطينية تحت السيطرة الأردنية 2.220 دونما 11.48% ومناطق فلسطينية محتلة الغربية 16.261 دونما 48.13 % ومناطق حرام ومناطق للأمم المتحدة 850 دونما 4.39% .
وبعد احتلال القدس الشرقية عام 1967 ضمتها للقدس الغربية وأصبحتا مدينة موحدة وذات بلدية واحدة و أعلنتها الحكومة الإسرائيلية عاصمة لها في العام 1980 بقرار من الكنيست الصهيوني رغم عدم الاعتراف الدولي بهذا الإجراء منفذين لمقولة بن غوريون أول رئيس لحكومة صهيونية أن لا معنى لوجود إسرائيل بدون القدس ولا معنى للقدس بدون الهيكل فأجرت منذ احتلالها للمدينة المقدسة تغييرات واسعة في طبيعة المدينة وتركيبتها السكانية، فصادرت أكثر من 18 ألف دونم، وأقامت تسع عشرة مستوطنة تزيد مساحاتها على 13 ألف دونم، تضم حوالي 57 ألف وحدة سكنية، ويقيم فيها ما يزيد عن 152 ألف مستوطن.
وعلى هذا الأساس تتعامل حكومات الاحتلال المتعاقبة مع وضع المدينة حيث بدئ في الاستيطان الإسرائيلي في شرقي القدس منذُ بداية احتلال المدينة في الخامس من يونيو عام 1967 ، حيث بُنيت أولى البؤر الاستيطانية في حي المغاربة بالبلدة القديمة ، ومع مرور الوقت انتشرت المستوطنات الصهيونية في جميع أنحاء المدينة، ويمكن تصنيف مستوطنات شرقي القدس من الناحية الإدارية إلى قسمين: الأول ويضم المستوطنات التي تقع داخل حدود البلدية، ويبلغ عددها 18مستوطنة، ومساحتها الإجمالية 19،834دونماً، بها حوالي 195000 مستوطن، والعديد من هذه المستوطنات تم بناؤها داخل الأحياء العربية و الثاني يضم المستوطنات الإسرائيلية التي تقع خارج حدود البلدية، وداخل المحافظة، وفق تقسيم ما قبل عام 1967، حيث يبلغ عددها 17مستوطنة تحتل مساحة مقدارها 24090دونماً، يقطنها حوالي 84000 مستوطن ، هذا بالإضافة إلى 18بؤرة استيطانية تم بناؤها في الفترة بين 1996- 2007 هدفت إلى خلق كيان يهودي في قلب الأحياء العربية . وجميع حكومات بني صهيون تُنفذ ما قاله تيودور هرتزل (1865-1905) أن برنامجه في المقام الأول هو برنامج استعماري لفلسطين، فبالاستيطان تمكنت إسرائيل من وضع جسم غريب في قلب القدس بهدف تقطيع أوصالها وتكاملها الديموغرافي ..


* عبدالحميد الهمشري - كاتب وباحث في الشأن الفلسطيني
Aabuzaher_2006 @yahoo .com