يزداد الجدل حول حرب اكتوبر كما هو الحال في كل الأمور المصرية بل والعربية، هل هي حرب حقيقية هدفها تحرير الأراضي العربية أم هي تمثيلية صهيونية ساداتيه؟
والحديث في ذلك يستلزم العودة لحرب 1967، والهزيمة التي تلقاها المشروع التحرري القومي والذي وبأعتراف الأعداء كان المشروع الملهم للثورة العربية الشاملة التي كان لابد من إجهاضها، كما هو الحال في مواجهة قوى الرجعية لكل الثورات من عرابي لمصدق للربيع العربي فمشروع النهضة التركي...
انتهت حرب 1967 بهزيمة عسكرية قاسية، بل وحققت ولو بشكل جزئي هدف أعداء الأمة من إنحصار المشروع القومي، ولكن لم يقضي عليه، فقد رفضت الشعوب العربية ذلك الواقع وأصرت على تغيره، فشهدت شوارع الخرطوم أقوى نداء تحدي من أمة مهزومة، وبعد أن صدم الجميع بحقيقة سوء الادارة أستيقظوا على استشهاد الفريق عبد المنعم رياض وسط جنوده في أشرف الحروب المنسية، حرب الاستنزاف والتي مثلت بداية الانطلاق لحرب تحرير حقيقية.
وقد اعتبر العديد من المحللين أن إنتصار المشروع الاستعماري في 1967 كان إنتصار بطعم الهزيمة حيث رفض العرب الاستسلام وأصروا على الثأر، ولا ننسى قول دانيال بايبس مؤسس ومدير منتدى الشرق الأوسط، والذي يعتبر من ألد أعداء العرب والاسلام، وكان من المقربين من صناعة القرار في مصر في عهد السادات وصديق لمبارك، حيث ردد اكثر من مرة قوله "أنه رغم كامب دافيد مازال العرب رافضين الاعتراف بالهزيمة، وليعلم الجميع ان السلام لن يتحقق في الشرق الاوسط مالم يعترف العرب والمسلمون بالهزيمة ويقبلوا بشروط اسرائيل للتعايش..."
مع تسلم السادات لمقاليد الحكم كانت خطة العبورقد أكتملت وما كان على الادارة السياسية إلا أن تحدد ساعة الصفر، ومع إنطلاق شرارة الحرب في اكتوبر 1973 تفجر الخلاف القديم الذي تعمد السادات الابقاء عليه لاستخدامة حين يشاء، فلقد كان من المعلوم أن الفريق سعد الشاذلي بقي في الخدمة باتفاق مع عبد الناصرعلى تقاسم السلطات مع احمد اسماعيل، ومن المعلوم عسكريا أن رئيس الاركان هو المسئول عن تحريك القوات، إلا انه عقب نجاح المرحلة الأولى من حرب اكتوبر والوصول إلى الممرات رفض السادات تنفيذ المرحلة الثانية وهي تطوير الهجوم، وبدأ السادات يجهز المسرح لتوقف المعارك، ومجرد أن عبرت وحدات عسكرية معادية محدودة للضفة الغربية، استكمل السادات تطبيق خطته التي خفيت عن الجميع فبعد رفضه تطوير الهجوم كان رفضه تصفية الثغرة، وكان الخلاف قد أشتد مع قائد الاركان الذي منعه السادات من قيادة المعارك لتحقيق ما كان محتمل ان يكون انتصار حقيقي.
ومع سرعة البدء في مباحثات الكيلو 101، وخطاب السادات الذي أعلن فيه الاستسلام لأمريكا وسحب القوات من شرق القناة وتعجله في فتح قتاة السويس في 1975، ثم زيارة القدس في 1977، والتي أتضح معها الموقف للجميع. فبذلك أُهدرت دماء الشهداء، وتنازلت القيادة السياسية عن الأنتصار العسكري الأول في تاريخ الصراع، وإن كان من المعروف أن رفض الشعب العربي لهزيمة 1967 أفرزت نصر سياسي، فإن تفريط السادات في إنتصار 1973 الذي أهدر معه دماء الشهداء كان بداية الهزائم السياسية المتوالية التي لم تفيق منها امتنا حتى يومنا هذا.
وهذا لا يعني أن حرب 1973 في حد ذاتها كانت تمثيلية، لأننا حتى مع إقرارنا بخيانة السادات، فلم يكن الشاذلي ولا احمد اسماعيل شركاء في هذه الخيانة، ولم يكن الكيان الصهيوني ليقبل بالهزيمة، لقد انتصرالمقاتل المصري والذي قاده رياض والشاذلي ومعاونيهم وليس السادات ومبارك، لقد انتصرالمقاتل المصري ببطولته وتضحياته التي شهد بها العالم، ولذا فهو من غيرالمقبول أن تكون دمائهم مسرح للمزايدة.
إن التلاعب بالتاريخ وإعتبار ان حرب اكتوبرمسرحية هو استهتار بدماء الشهداء وتضحيات كل بيت مصري، لا فارق بين ذلك ومن يدعي ان 25 يناير كانت مسرحية رتبت للخلاص من مبارك رغم انها استغلت لتحقيق ذلك.
لقد تعجل السادات في تمثيل دور المنتصر مما أدى لاهدار كل التضحيات ووقوعة فريسة في أيد مدرسة بايبس ومشروعات الكيان الصهيوني وأعوانه، ولذا فحرب اكتوبر لم تكن تمثيلية بل كانت حرب تحريك لم يسمح لها ان تستثمر نتائجها على المستوى العسكري أو السياسي، فلم يستفد منها إلا المنهزم ولو ظاهريا، ومن هنا كانت خيانة السادات التي قد نعلم أو لا نعلم هل هي مع سبق ىالاصرار أم كانت الخطوة خطوة!
لقد ذكرتني حرب اكتوبر وإستسلام السادات وإهداره للدم العربي، بما وقعت فيه ثورة 2011 بالتسرع في التناحر على السلطة حتى أنتج ذلك التصارع أسوأ انقلاب في العصر الحديث، وكذلك ما نعيشه من مشروعات وهمية تهل علينا بين الحين والأخر تحت شعارتحريك المياه الراكده تحت عرش ديكتاتور العصر، المسمى السيسي.
إن الدرس من حرب اكتوبر التحريكيه، هو أنه من تعجل النتائج خسر كل شيئ، لقد تعجل السادات فاستسلم وتسبب في بداية الانكسار والهزيمة الحقيقية، فلم يحقق إلا أهداف العدو، فلا تتعجلوا الانتصار فتهزموا الارادة الشعبية ويتمكن منا العدو.
محمد شريف كامل