السادة الرؤساء ورؤساء الوفود ....
لقد جئتم جميعاً من دولكم وعبر مطاراتكم وأنا كان علي أن أمر عن معبر حدود وطني الذي يتحكم به الاحتلال لأسافر عبر دولة أخرى ومطار دولة أخرى لأكون معكم وألقي خطابي هنا، وهكذا يفعل كل أبناء شعبي الذين يمرون يومياً من حواجز الاحتلال، أولئك الحالمون بالحرية كما شعوبكم الحرة التي قاتلت ضد المحتلين إلى أن تحققت عدالة التاريخ ببلوغ الهدف الأسمى بأن تقرر مصيرها بأيديها ولكن هذه العدالة أصيبت بالعطب عندما وطئت أرض فلسطين أرض السلام والأنبياء.. كنتم ولا زلتم شهوداً صامتين على كل انتهاكات مواثيق هذه المؤسسة المحترمة.
منذ سنوات وأنا آتي إلى هنا وفي حضرتكم أتلو عليكم خطاب الضحية الدائم والذي لا يتغير، وأنتم تسمعون وتعرفون ما يحدث عندنا، وسلفي الراحل ياسر عرفات منذ أربعة وأربعين عاماً جاء إلى هنا حاملاً غصن الزيتون مستنجداً بكم ألا تسمحوا بهزيمة السلام، ألا تسمحوا للقيم الإنسانية التي كانت خلاصة التجربة الأكثر إيلاماً في التاريخ البشري من الحروب والدم والدموع أن تُسحق تحت غطرسة القوة، لكنكم لعقود طويلة تركتم الاحتلال والظلم يتربع فوق أعناق شعبي ويستمد القوة من صمتكم وحيادكم الجارح.
سلفي الراحل قال ما قلته منذ تسلمي مسؤولية هذا الشعب المصاب بالخذلان والإحباط من ضعف العدل وقوة الظلم إلى هذه الدرجة، وأنا مثله وأخشى أن يأتي وريثي ليعيد الرواية والحكاية على ورثتكم ويطالبهم بموقف أكثر حزماً ضد الاحتلال الإسرائيلي، ويطلب مساعدتهم في انهائه، وأن يأتي ليطالبكم بالدفاع عن هذه المؤسسة وقيمها تماماً مثلما أفعل. وليس من العدل أن يبقى شعبي وحيداً في الدفاع عن القيم الانسانية التي قررتموها أنتم دون فعل حقيقي منكم، آن الأوان أن يتغير العالم وأن تسمع إسرائيل بصرامة أن عليها أن تنهي احتلالها أو أن تصبح دولة منبوذة مرفوضة معزولة طالما تستمر بالسيطرة على شعب آخر، ودون ذلك سيستمر المجرم في تحميل الضحية مسؤولية عدم توقف الاعتداء عليه.
كنت هنا منذ ربع قرن وأسبوعين تماماً أوقع مع سلفي الراحل اتفاقاً تاريخياً اعتقدنا أنه سيطوي مرحلة من تاريخ الصراع الدامي، كنا نعتقد أننا نقيم عهداً جديداً.. عهد السلام لشعوب ذاقت ويلات الحروب ومآسيها، كنا نتطلع للمستقبل تاركين الماضي خلف ظهورنا، وقعنا الاتفاق صادقين لأننا نريد الاتفاق ولأننا ضعفاء لا نملك قوة التراجع عنه أو اختراقه أو التلكؤ في تنفيذ التزاماتنا، وما أن عدنا حتى كانت الجرافات الإسرائيلية تسبقنا في بناء المستوطنات في الأرض التي يجب أن تقام عليها دولتنا، كنا وأنتم نرى ذلك بوضوح ونعرف أنه تدمير للسلام ولحل الدولتين، نحن رفضنا وأنتم صمتُّم إلى أن رأينا النتيجة.
كثير من الدول دفعت ثمن المحاولة من وقتها وجهدها ومن أموالها وأموال مواطنيها وهي تحلم بإقامة الدولتين، لكن الآن وبعد ربع قرن، أقول لكم بصراحة لقد تعرضنا جميعا أنتم ونحن لأكبر عملية خداع في التاريخ، فقد خدعتنا إسرائيل جميعاً، أقول أنتم ونحن، واستغلت هذا الاتفاق لتكريس الاستيطان وتأبيد الاحتلال.
قبل أكثر من سبعة عقود تأسست هذه المؤسسة العظيمة كاستخلاص لأكبر مأساة إنسانية في التاريخ البشري، عندما دمر النازي عواصم أوروبا ودفعت قارتها خيرة شبابها في حروب لم تترك غير اليتامى والأرامل والمعاقين.. استدعت الولايات المتحدة خيرة خبراء القانون لديها لصياغة مواثيق الأمم المتحدة لتحقيق العدالة وللوقوف في وجه الظلم، وفي وجه أي احتلال وقيمه وأدواته والدول التي تقف معه.. ولمساندة الشعوب الضعيفة التي تقع تحت للاحتلال، ولكن الآن وبعد كل هذه العقود الطويلة تقف الدولة التي كتبت أسس العدالة على الجانب النقيض للعدالة وللأخلاق داعمة آخر احتلال في التاريخ بلا خجل وهي تدوس على كل الأعراف السياسية والأخلاقية بأقدامها، معتقدةً أن القوة تصنع تاريخاً وإن كان مزوراً ...إن شعبنا الذي دفع هذه التضحيات لا يمكن أن يستسلم للقوة أو يقبل بأقل من حقوقه الوطنية كاملة في دولة مستقلة وعاصمتها القدس.. القدس، ولتسمع أميركا ذلك جيداً، فالتاريخ لا يمكن تزييفه، لأن القدس عاصمة الدولة الفلسطينية طال الزمن أم قصر.
أيها السادة، إننا مدعوون أمامكم لمراجعة تجربتنا بعد هذا الطريق الطويل والشاق من محاولات تسوية طرفاها أحدهم يملك كامل الرغبة والحلم الصدق، والآخر جاء مدمجاً بالنوايا السيئة، نوايا التخريب وقتل السلام، لأنه بعد ربع قرن من المحاولات الفاشلة ما زال شعبي محتلاً، وما زالت مدينة الميلاد تتشح بالسواد، وما زال الأقصى تحت الاحتلال، فقد تلقت حمامة السلام رصاصة في القلب وسقطت ميتةً أمامكم جميعاً.
إن تجربتنا التي انتهت إلى اللاشيء هي أننا أقمنا سلطة تحت الاحتلال تمهيداً للدولة، لا لكي تتحمل مسؤولية الشعب وتقلل تكلفة الاحتلال ليصبح أرخص احتلال في التاريخ، وتلك السلطة محرومة من التحكم بأي شيء، فلا مطار ولا معابر ولا اقتصاد.. لا تستطيع إقامة منشأة صناعية أو سكنية إلا بعد موافقة المحتل، تصوروا؟ ومطلوب منا بلا اقتصاد أن ننفق على شعبنا، وكان ذلك أمراً مستحيلاً أثقل على الشعب، كل ذلك ولم نحصل على الحرية.
لا أُخفيكم أن هناك نزاعاً داخلياً بيننا أدى إلى إقامة سلطتين، واحدة في غزة والأخرى في الضفة، والنتيجة أن تلك السلطات أصبحت عناوين للمسؤولية أمام الاحتلال، أمام أي خرق لأمنه يمارس الابتزاز لتلك السلطات متى شاء من خلال تحكمه بكل شيء، وبمعنى آخر أصبحنا نحن و»حماس» حراساً للأمن الإسرائيلي، هل رأيتم شعباً تحت الاحتلال يحرس محتليه؟ تلك واحدة من سخريات قدرنا الذي يجب أن نضع له حداً، فنحن نستدين لننفق على الشعب لينعم الاحتلال بالرفاه.
أيها السادة، في طريقي إلى هنا تلقيت اتصالاً من السيد اسماعيل هنية قائد حركة حماس أعرب فيه مثلي عن رغبته بوضع حد لهذه الحالة الشاذة، وقال لي: نحن خلفك ومعك، كفى هذا الوضع، لا يمكن أن يستمر.
لذا فأنا مفوض باسم الشعب الفلسطيني أن أقول لكم جميعاً أن سلطة تحت الاحتلال هي سقطة التاريخ الذي سقط أمامكم وستنتهي، وسأعود من هنا لألتقي بحركة حماس، لا لتوزيع السلطة، بل للاتفاق على حلها ولتتحملوا جميعاً المسؤولية في غزة والضفة، أقول غزة قبل الضفة ...لن تكون هناك سلطة فلسطينية وستحل «حماس» أجهزتها وسنسلم مفاتيح الضفة ليعود شعبنا ليبدأ من جديد مساراً لا علاقة له بكل هذه التجربة المريرة، ولتعود إسرائيل لحكم الشعب الفلسطيني الذي سيقاتلها على كل شبر، ولتتحمل مسؤولية أمنها أمام شعب بهذه الشجاعة وهذا الاستعداد للتضحية قرر ألا يستسلم للمحتل.. وإلى حين أن تعرف إسرائيل معنى السلام فإن منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد لشعبنا موجودة في القاهرة، أو إذا تمكنتم من فرض السلام فنحن بانتظاركم هناك.
بقلم/ أكرم عطا الله