في البداية لا يسعني إلا أن أدين العدوان والإرهاب الإسرائيلي على شعبنا في قطاع غزة المحاصر وفي كل الأراضي الفلسطينية المحتلة، وأرفع القبعة عالياً إجلالاً واحتراماً للمقاومين الذين تصدوا للعدوان على قطاع الصمود والتحدي وردوا بما هو ممكن ومتاح من وسائل قتالية بالرغم من التباين الكبير في موازين القوى مع جيش الاحتلال.
وأعود للقول بأنه ومنذ اتخذ شارون قراره بفك الارتباط مع غزة من جانب واحد كان يعني إنهاء اتفاق أوسلو وتوابعه كاتفاق المعابر الذي ظل سيفاً مسلطاً من جانب حكومة الاحتلال ، لأن حكومة الاحتلال هي من تفرض هيمنتها على تلك المعابر، حولت قطاع غزة بسببه لأكبر زنزانة اعتقال جماعي في العالم أجمع يضم قرابة المليوني نسمة تتحكم في دخولهم وخروجهم وبالتزود باحتياجاتهم من وقود ومواد غذائية ودوائية ومستلزمات البنى التحتية وغير ذلك، وشقت وحدة الصف الفلسطيني لاختلال رؤى القيادتين اللتين تسيران الأمور في الضفة وغزة، ففرضت على قطاع العزة والصمود قيوداً صارمة جعلته أسير قرارات الحكومات الصهيونية المتعاقبة وتحت رحمة التصعيد العسكري والاختراقات الأمنية والعسكرية لجيش الاحتلال وشاباكه وموساده، فمن عامود السحاب « العصف الماكول « للجرف الصامد « حجارة السجيل « فعمليات القصف والاغتيال العشوائي والطلعات الجوية المتتابعة دون توقف في قطاع العزة والصمود والتي آخرها الاختراق التوغلي والتي ذهب ضحيته قائد ميداني وثلة شهداء أبرار، تحول لمواجهات مع جيش الاحتلال استخدمت فيها طائرات متطورة جدأ ذات تقنية عالية أمريكية الصنع في قصف جوي صهيوني لمواقع محددة ومرسوم لها مسبقاً أن تكون في دائرة الاستهداف وتراشق مدفعي وصاروخي بين قوى المقاومة الباسلة في القطاع وجيش الاحتلال الباغي، وباعتقادي أن تجاوزات الجيش الصهيوني لن تكون الأخيرة ما دمنا نضع كل بيضنا في سلال الولايات المتحدة الأمريكية حاضنة الصهيونية ومانحة الضوء الأخضر لكل ممارسات العدو الإجرامية بحق الشعب الفلسطيني المغلوب على أمره والعبث بأمن أقطارنا العربية ومساندته للحيلولة دون إدانته ومتابعة مجرمي حربه أمام المحاكم الدولية، فالتجاوزات الصهيونية لن تكون الأخيرة وستبقى فرعنة قادة الاحتلال قائمة لعدم إمكانية ردعهم إقليمياً أو مساءلتهم دولياً عن تلك التجاوزات، فما تعرض له قطاع غزة منذ عصر الاثنين المنصرم من عدوان أسفرعن استشهاد 8 فلسطينيين وتدمير 80 وحدة سكنية هدماً كلياً، و50 وحدة سكنية بأضرار جزئية بالغة، و750 بأضرار جزئية طفيفة وسقوط عشرات الجرحى إلى جانب تدمير مبنى فضائية الأقصى كلياً.
وهذا الفعل الوحشي يدلل بشكل واضح على تهرب دولة الاحتلال من أي حل حقيقي يمكن أن يهدئ المواجهات فهي اتبعت منذ فك ارتباطها مع غزة تكتيكاً مرتكزاً على حصار محكم وطويل الأمد، مصحوباً بالقصف الجوي بين فينة وأخرى واعتداءات مبرمجة، بهدف إرغام المقاومة على وقف الهجمات على المستوطنات في غلاف غزة والعمق الصهيوني، لأن في هذا اضطراب يهدد حياة سكانها اليهود، ويتسبب بأضرار جسيمة، ورغم تبيان عدم جدوى العقلية البوليسية والعسكرية التي يتبناها الكابينيت الإسرائيلي وجيش الاحتلال فإنها ستبقى كمن يحرث في بحر الأوهام في حال استمرارها بهذه العقلية أمام صمود وتصدي المقاومين الفلسطينيين رغم إمكانياتهم المحدودة، فالتمادي بالمباهاة بنشوة القوة المتوحشة ولد إرادة التحدي والصمود التي أفقدت المحتل صوابه وأثبت عجز قدراته عن تحقيق أوهامه بالإنجاز من خلال توهمه بأن هذا سيولد ضغط المدنيين على المقاومة بالتهدئة مع الاحتلال، لكن بعد الإعلان عن التهدئة ووقف العمليات العسكرية بانت الحقيقة المرة له بتظاهر الآلاف من الفلسطينيين في قطاع غزة دعماً للمقاومة مطالبة بتحرك عربي ودولي لوقف العدوان الإسرائيلي.
فالمقاومة الفلسطينية بصمودها وإثبات نجاحها بالرد والصد أولاً في مجابهة عدو مدجج بكل أدوات القتل والتدمير والخراب والتراسانة العسكرية الهائلة، أفشلت أهداف العدوان الصهيوني ومخططاته وأحبطت مرامي أهدافه السياسية التي يبدو من ورائها فرض نمط من التهدئة يقوم على الإملاءات السياسية كتكريس الانفصال ودعم صفقة القرن التي ستولي هي وعرابيها الدبر.
* عبدالحميد الهمشري – كاتب وباحث في الشأن الفلسطيني
Aabuzaher_2006 @yahoo .com