في الميلاد كل عام ومسيحيونا بخير ..!

بقلم: أكرم عطا الله

جميلة هي تلك الترنيمة التي يرددها إخواننا المسيحيون في ليلة الميلاد المجيد قائلين "المجد لله في الأعالي ....وعلى الأرض السلام ....وفي الناس المسرة" وتلك هي وظيفة الأديان، زرع السلام والمحبة بين الناس ليحيا الجميع بسعادة وانسجام، فلكل دين طقوسه الجميلة وفلسطين محظوظة بأن السيد المسيح ولد هنا، ومن هنا بدأت رسالته في المحبة، لذا يعتبر العالم المسيحي يوم ميلاده يوماً مجيداً مرددين تلك الترانيم.

قبل العيد بأيام يستعد العالم لهذا الطقس الجميل والذي أصبحت تستفيد الدول منه اقتصاديا وتنشط فيه الحركة التجارية فيشتري الناس الهدايا والملابس للأطفال ويزينون بيوتهم بشجرة الميلاد ويضيئونها احتفالاً بالنور، ولم يبق الأمر مقتصراً على العالم المسيحي فحسب، بل يحتفل الآخرون أيضا بهذا العيد كطقس عالمي، علَّ السلام يحل على هذه الأرض التي لم تشبع بعد من الدم، وكان العالم المسيحي نفسه جزءاً من هذا الدم لقرون طويلة وهو يصارع نفسه.

يأتي الميلاد المجيد عادةً في الشتاء الجميل مصحوباً بشاعريته الجميلة، والتي كتب عنها بكل هذا الجمال الكاتب المصري الكبير توفيق الحكيم في قصته الرائعة "الشهيد" التي ذهب بها خياله إلى حد أن إبليس الذي أصغى للعالم في تلك الليلة بينما كان العالم يردد تلك الترانيم، فقرر أن يتوب وتوجه للبابا الذي رفض ذلك، ثم ذهب للحاخام اليهودي الذي رفض بشدة لأن توبته تنزع ادعاء التفوق وشعب الله وتُنهي مبرر زعامته الدينية، وكذلك شيخ الأزهر الذي اعتبر الأمر خارج صلاحياته في فانتازيا خيالية.

لكن إسهاب توفيق الحكيم في وصف تلك الليلة كان ساحراً حيث الهدوء يعم المعمورة إلا من تراتيل الكنائس وقصائد المديح لعيسى الذي جاء ليخلص الإنسانية من الآثام، وكذلك وصف الأديرة العتيقة والموسيقى التي تصدح بهدوء والصلبان ومجد الفاتيكان وأجراس الكنائس وأشجار السرو والثلج الذي يندف عليها كالقطن، المضاءة احتفالاً وفرحاً يعم المعمورة، كل تلك الأوصاف تعطي للذكرى نكهة جميلة.

ولكن بينما يحتفل العالم بكل هذا السلام وسكينة الروح فإن الفلسطيني الذي ولد على أرض المسيح وقبل المسيح ما زال بعيدا عن السلام ومازال طريدا وشهيداً، ومازالت أرض السلام تأخذ حصتها من الدم الفلسطيني دون توقف.

في بيت لحم تضاء شجرة الميلاد لكنها تنتصب حزينة، حيث يحيطها الجند بالسلاح، في بيت لحم ترتل الكنيسة تراتيل الفرح وهي محاطة بالأسوار والجدران كأنه ممنوع عليها ان تغني للسلام في عالم الحرب والاحتلال، فالاحتلال نقيض السلام وطقوسه وأغانيه وتراتيله وأجراس كنائسه التي تصم آذانه بحق البشر بالعيش بأمن وسلام، بعيدا عن الخوف وبأن البشر متساوون تحت رحمة الله، ولا يحق لأحد ادعاء التفوق واحتقار الآخرين واستمرار السيطرة عليهم بالقوة المسلحة.

كيف يقبل العالم المسيحي الذي يتوقف عن العمل احتفالاً بالميلاد أن تحتفل الكنيسة التي ولد فيها المسيح تحت سطوة الجند وعربدة الجيش وزعرنة قطعان مستوطنيه، كيف يحتفلون بكل هذا الفرح متجاهلين البقعة الأكثر قداسة في الدين المسيحي مكبلة الأيدي والأرجل ومحاطة بالأسلاك الشائكة وتقطر دماً ودموعاً؟

 الصمت العالمي يستمر ومدينة بيت لحم حزينة باكية تتشح شوارعها ومبانيها وكنائسها بالسواد، وهم في ذروة الفرح يغنون للسلام في حالة انفصام تام عن واقع يملؤه الظلم وتغيب فيه العدالة التي يتغنى بها هذا العالم في لقاءاته ومؤامراته ومؤسساته ومواثيقه واتفاقاته واحتفالاته السياسية والوطنية والدينية، كل المدن والعواصم تحتفل إلا القدس.

قلوبنا مع إخواننا المسيحيين في فلسطين نشاركهم الفرح المغمس بالحزن. هنيئاً لهم بالعيد، وطوبى لهم لأنهم هنا على هذه الأرض يرثون تراث نبيهم وهم يعانون في كل بيت وفي كل حاجز وأمام كل مستوطنة وجندي مسلح يتحفز لإطلاق النار.

وبتلك المناسبة المجيدة، التهنئة أيضاً لكل مسيحيي الشرق أبناء هذه المنطقة، ونعتذر لهم عن هجرتهم ونزيفهم الدائم مغادرين أوطانهم وعما فعلناه حين أخرجنا أسوأ ما فينا ضدهم، حين اعتقدنا أن الحكم يعني استبعادهم ممتشقين تراثنا وثقافتنا، نعتذر عن وثيقة وبيان الرقة الذي صاغه السفهاء منا يوماً ما لإشعارهم أنهم ليسوا من هذا الشرق.. هم جزء من مكوناته التي نحتفي بها. كل عام وهم بخير وشعبنا بخير مسلميه ومسيحييه والدعاء الدائم بالتمني .. على الأرض السلام ..!

بقلم/ أكرم عطا الله