بعد أن جرى تمرير صفقة الاعتراف بالقدس عاصمة للكيان العبري دون إزعاج ووفق ما تشتهي سفن ترامب ومراكب نتنياهو والعمل جار بهدوء مطلق لإنهاء أعمال الأونروا تمهيداً لإسقاط حق العودة ، كونها من يملك سجلات بأسماء اللاجئين الفلسطينيين وتمرير صفقة المستوطنات أممياً في الضفة ، ووفق ما رسم إليه آلون في مشروعه بعد أيام من احتلال باقي فلسطين بعد حرب حزيران / يونيو1967 الكارثية على الشعب العربي الفلسطيني ، بعد الخطوات الصهيونية في الخان الأحمر باكتمال مخطط القدس الكبرى ، فأصبحت فلسطين كلها وفق ما رمى له بيليد الذي قاد لما جرى التوقيع عليه في أوسلو من تنازل رسمي عن الحق الفلسطيني عن 78% من الأرض الفلسطينية ، أصبحت كلها في عين العاصفة التصفوية ، حيث بات الهم الصهيوني ما بعد أوسلو أقول الهم لأنهم يسعون لذلك منذ مؤتمر بال عام 1897 ،أصبح البحث عن مخارج توصل لتفاهمات تضفي لتنازلات عن الـ 22% المتبقية من الأرض الفلسطينية ، لهذا تكثف الاستيطان والاعتداءات على سكان الضفة من الفلسطينيين والضغط تجاه ما رسمه دايتون حول التنسيق الأمني الذي يعني في حال الغاء العمل به رسمياً من قبل السلطة الفلسطينية إنهاء دورها في الحكم المحلي الفلسطيني ، لأن البديل صهيونياً جاهز لديها ، فنتنياهو في تشدده ينفذ سياسة المؤتمر الصهيوني العالمي ودوره ينتهي بالخطوة اللاحقة لما بعد تشريع الاستيطان والمستوطنات القائمة وبؤرها في محافظات الوطن الفلسطيني المختلفة أممياً ، تماماً مثلما صنعت بعد احتلالها فوق ما شرعته لها الامم المتحدة وفق قرار التقسيم بما يزيد عما منحه لها قرار التقسيم بأكثر من 20% ، والآن تنفيذاً لسياسة فرض سياسة الأمر الواقع ولا بديل عن المطروح يجري الترويج لمشروع غير قابل التنفيذ ، الهدف منه خلق حقد شعبي مصري وكره للشعب الفلسطيني خاصة وأن ما يجري حالياً من اتهامات عبر شهادات لا أريد الخوض في تفاصيلها وما ترمي إليه تصب في هذا المنحى ، وما يجري الترويج له عن دولة غزة غير المسموح بميلادها صهيونياً ، لكنها تصب في صالح تفتيت الجهد الفلسطيني ليبقى يدور في الحلقة المفرغة التي تنزع منه كامل حقوقه بالانقسام على لا شيء سوى شطب القضية ، هذا الوضع الفلسطيني المتشرذم أفسح المجال لنتنياهو وبلا معوقات لمواصلة مشواره الاستيطاني في كامل الضفة الغربية بعد فصل القدس عنها منذ احتلالها في حرب حزيران / يونيو 1967.. فباتت الطريق سالكة وبلا معيقات نحو تصفية القضية برمتها وبلا منغصات أو معيقات .. ففي ظل هكذا واقع وتمادٍ صهيوني طال الأرض والمقدسات وامتهن الحقوق الفلسطينية كاملة حتى طالت كرامة الإنسان الفلسطيني باعتداءات متواصلة من مستوطنيه وبقوننة تجاوزاته وممارساته ، وفي ظل انحياز أمريكي كامل ومبرمج تمنحه إجازة مطلقة فيما يصنعه دون أي اعتبار للمواثيق والعهود الدولية ، وتخطو ذات الخطوات التي أقدمت عليها بريطانيا في منح ما لا يستحق أرضاً لمن لم يكن له فيها وجود من الأساس ، وإعطائه صك تمليك مفتوح يتيح له السطو عليها ونهبها ، على حساب الحق الفلسطيني بعد إلحاق الأذى والضرر والضيم به وكأن هذه الأرض من ضمن تبعيتها وملكيتها ، فالفلسطينيون طرقوا كل الأبواب لإنصافهم لكن ميزان العدالة بعد سطو تلك الدولة المارقة أمريكا ومن يلف في فلكها عليها بات لا وجود له لأن شريعة الغاب هي التي تسود منذ نهاية الحرب العالمية الأولى وزادت وطأتها بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية في ظل زمن عربي رديء ومتهاوٍ ومشرذم ..
فما هو موجود حقيقة هو تصفية للقضية عروة عروة ، والمطلوب الآن كي نوقف محاكم التفتيش الامريكية ضد قضايا شعبنا الفلسطيني وإسقاط المخططات الصهيو أمريكية بشطب اسم فلسطين وليس شعبها فقط من على الخارطة العالمية ، المطلوب البحث عن مخارج تجمع الكل الفلسطيني حول قضية الكل الفلسطيني حتى لا تذهب ريحنا ونكون كالمنبت لا ظهراً أبقى ولا أرضاً قطع بعيداً عن أجندات تخدم العدو ، فلا أحد على صواب كامل ولا خطأ كامل بل هناك اجتهادات خاطئة من أطراف الصراع الفلسطيني تقود إلى الهاوية وتصب في صالح العدو الصهيوني إن بقي حالنا على ما هو عليه ، لا بد من حوار بناء يأخذ بإيجابيات كل طرف وطرح السلبيات حى تعود للقضية مركزيتها وننال احترام القاصي والداني .. فهناك معيقات تحول دون ترتيب البيت الفلسطيني أهمها كما أسلفنا في حلقاتنا السابقة ولا زلنا نشدد على ضرورة تجاوزها بالوعي الديمقراطي والاعتماد الذاتي على النفس اقتصادياً وامتلاك الإرادة فيها إذ كيف يمكن لشعب يرزح تحت الاحتلال يتحكم في كل مفاصله اقتصادياً وأمنياً ولا يملك حق اتخاذ القرار ويعتمد في ميزانيته على الدول الخارجية وبالأخص الولايات الأمريكية المتحدة ودول الغرب كيف يمكن أن يتشكل لديه قرار مستقل لإدارة شؤؤن نفسه بنفسه ؟ ، وافتقار المجتمع الفلسطيني لقاعدة شعبية كبيرة تشكل ضغطاً إيجابياً على الفريقين الأكبر لصالح القضايا الفلسطينية السياسية والاجتماعية والاقتصادية ومختلف القضايا التي تهم بناء المجتمع الفلسطيني الموحد فكيف لشعب يتبع بفصائله ومؤسساته اقصادياً للاحتلال والمانحين يمكنه تشكيل رأي عام ضاغط محلياً وإقليمياً ودولياً في الوقت الذي يتشبث فيه الفريقان الأكبر في الجسم الفلسطيني بمواقفهما خدمة لمصالح فئوية تخص كل فريق منهما وبما يحول دون تأسيس لقاعدة قادرة على إقناع الشعب لتحريكها نحو ذم الانقسام ومقاومته بكافة الوسائل وفي ظل التنافر الإيديولوجي الذي يعتبر البذرة الأولى للخلاف بين الطرفين منذ انتخابات 2006 التي أفرزت ما أفرزت، فطرف يريد النهج التفاوضي فقط دون الكفاح المسلح ويرى أن لا بديل له عنه ، وآخر يريد الموازنة ما بين هذا وذاك ، وانطلاقاً من هذا التنافر يكيد كل منهما للآخر دون اعتبار للمصالح العليا الخاصة بالقضية الفلسطينية ، إلى جانب الضغوط الخارجية على حساب استقلالية القرار الداخلي والتي تنبع بشكل أساسي من الدول الداعمة التي ترى في الانقسام خدمة لمصالحها بشكل كبير، فالانقسام أرجع القضية الفلسطينية سنوات طويلة إلى الخلف، في الوقت التي تلتهم فيه خطط التهويد القدس ، وكذلك الضفة الغربية التي تبتلعها المستوطنات ، وفي ذات الوقت لا يتوفر هناك موقف فلسطيني موحد وقوي يجابه هذه الخطط ، ما يولد تزيداً في نشوة نصر للدول الداعمة وبالأخص الولايات الأمريكية المتحدة الحامية لقاعدتها المتقدمة في المنطقة "إسرائيل".
وأخيراً عدم توفر حسن النوايا الصادقة من قبل الدول التي تلعب دوراً مهماً في تقريب وجهات النظر لتصلح الأمور بين الطرفين،فتبقي الأمور معلقة حتى لا يتعكر صفوها مع العدو الصهيو أمريكي .. فالمناكفة وشرعنة ما يزمع كل طرف الإقدام عليه في سبيل تحجيم الآخر لا يخدم قضايا الشعب الفلسطيني الذي مل كل المهاترات والمناكفات وتركته صريعاً وفي هذيان ما بين مطارق المستوطنين ومخططات سلطة الاحتلال والمشاريع التصفوية والتي أخيرها ولن يكون آخرها صفعة القرن الترامبية وسنادين الصراعات الفصائلية والانقسام ، وهذا بطبيعة الحال يسهم في تضييع الجهد الفلسطيني ... فهل هناك توجه لإنجاح صفقة القرن الترامبية في سبيل تحقيق مكاسب فصائليةعلى حساب الأمل الفلسطيني في تحقيق بعض مما يصبو إليه ؟ فكل الدلائل تشير وفق العدو الصهيوني إلى أن “صفقة القرن” الأمريكية قد اكتملت وسيجري الكشف عنها أوائل العام المقبل "2019" 0حيث أعلن مندوب العدو الدائم لدى الأمم المتحدة، السفير داني دانون " في الثلث الأخير من شهر نوفمبر / تشرين الثاني الماضي أن صفقة القرن باتت مكتملة وواشنطن ستكشف عنها أوائل العام المقبل" دون تحديد موعد للإعلان الرسمي عنها، كاشفا النقاب عن أن الإدارة الأمريكية ناقشت تفاصيل إطلاق تلك الخطة بالفعل مع الكيان الصهيوني حيث يتردد أنها تقوم على إجبار الفلسطينيين تقديم تنازلات مجحفة لصالح هذا العدو، بما فيها وضع القدس واللاجئين ، معتبراً أن بداية العام المقبل ستكون الأفضل لإطلاق الصفقة الصفعة لكل كيانات المنطقة باستثناء الدولة العبرية التي تتجه لعقد انتخابات بعد شهور قليلة ، وسبق لقناة إسرائيلية أن ذكرت أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب أرسل موفداً شخصياً إلى السلطة الفلسطينية لحضها على التعامل بإيجابية مع الجهود الأميركية الرامية إلى تحريك المفاوضات العبثية مع تل أبيب، في ظل اقتراب المهلة التي حدّدها لإعلان الصفقة الصفعة .. وفي مقابل ذلك أظهر استطلاع رأي أن غالبية الأميركيين اليهود يعارضون سياسات ترامب تجاه الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، وخصوصاً نقل السفارة إلى القدس وقطع المساعدات عن الفلسطينيين ، وكان ترامب قال في أيلول (سبتمبر) الماضي، إنه سيعلن «تفاصيل صفقة القرن خلال الأشهر الثلاثة المقبلة». علماً أن السلطة الفلسطينية تقاطع إدارته منذ اعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل أواخر العام الماضي ، وأظهر استطلاع رأي أميركي استمرار معارضة الغالبية العظمى من اليهود الأميركيين لسياسات ترامب تجاه الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي على الرغم من سياساته المؤيدة لإسرائيل، حيث أن 26 في المئة فقط يخططون للتصويت له في انتخابات العام 2020 في حال ترشحه.
وكشف الاستطلاع أن 62 في المئة من الذين شاركوا فيه، يرفضون طريقة تعامل ترامب مع الفلسطينيين، ومنها قطع المساعدات عنهم على سبيل المثال، فيما أبدى 56 في المئة من المشاركين في الاستطلاع من اليهود معارضتهم نقل السفارة الأميركية إلى القدس ، وأفاد الاستطلاع، الذي أجرته «مجموعة ميلمان»، وهي معهد ينظم الاستطلاعات للحزب الديموقراطي الأميركي ويركز على الاتجاهات السياسية لليهود الأميركيين، بأن غالبية هؤلاء «ينتقدون سياسات الحكومة الإسرائيلية، حتى في ظل دعمهم لها »، وأظهر الاستطلاع أيضاً، أن 59 في المئة من الناخبين اليهود «يؤيدون إسرائيل لكنهم ينتقدون بعض سياسات الحكومة الإسرائيلية». وقال 3 في المئة من المشاركين فيه إنهم «لا يؤيدون إسرائيل» بأي شكل من الأشكال، فيما أشار 32 في المئة منهم فقط إلى أنهم «مؤيدون لإسرائيل ويدعمون سياساتها» بغض النظر عما تقوم به من إجراءات.
وبحسب التصور الإسرائيلي الأميريكي عن” صفقة القرن ” المشروع التصفوي الصهيو أمريكي الجديد للشرق الأوسط الذي وضع اللمسات الأولى لها مستشار الأمن القومي للعدو الإسرائيلي ” جيورا إيلاند ” عام 2008 وقام بنشرها حينها معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى حيث بدأت منذ ذلك التاريخ المطابخ السياسية الإسرائيلية والأميريكية تتداولها ليعززها رأس الهرم في كيان العدو الإسرائيلي رئيس الوزراء ” نتنياهو” وحاول ترويجها في عهد الرئيس أوباما ولكنها لم تلق رواجاً حينها لا من الدول العربية ولا حتى من الإدارة الأميريكية السابقة .ولكن بعد الخراب الذي حل بمنطقتنا العربية ونشر الإرهاب في دولنا والاعتداءات المتكررة على سوريا من قبل العدو الإسرائيلي ، وحرب اليمن وتدمير العراق وليبيا ، فقد أصبحت الأجواء ملائمة لهذه الصفقة الصفعة خاصة بعض الأنظمة باتت وبشكل علني تسوق لهذه الصفقة إرضاء للولايات المتحدة وذهبت إلى أبعد من ذلك إلى تطبيع العلاقات وتبادل الزيارات وطبعاً كل ذلك يصُب في مصلحة العدو الإسرائيلي وضد شعبنا الفلسطيني وقضيته .ولعل التحدي الأكبر أمام من يروج لهذه الصفقة هي عامل الوقت بالنسبة إلى نتنياهو الذي يدرك تماماً أن الرئيس الأميريكي ترامب هو القادر على فرضها في ظل الواقع العربي المتردي والهزيل وهو ما يسابق نتنياهو له قبل مغادرة الرئيس ترامب للبيت الأبيض بعد عامين من انتهاء ولايته الرئاسية .
والمطلوب الآن هو الصمود والثبات على الحقوق، وعدم التنازل عن أي جزء من فلسطين مهما كانت الضغوط والأثمان، والسعي لإعادة ترتيب البيت الفلسطيني على أساس الوحدة الفلسطينية وإنهاء الإنقسام والوقوف صفاً واحداً بوجهها ، فشعبنا الفلسطيني صاحب الحق والأرض ولن يستطيع الصهاينة والأميركان فرض إرادتهم عليه، فهذا الشعب الذي تمكن من إفشال المئات من المخططات التصفوية ضده على مدى السبعين سنة الماضية قادر على إفشال هذه الصفقة ومن يدعمها حتى لو قطار التطبيع انطلق ،فالشعب الفلسطيني والعربي الشعبي قادر على نزع الحقوق انتزاعاً لأن ما أخذ بالقوة لا يسترد بمفاوضات على الموائد المستديرة ..
* الكاتب والباحث في الشأن الفلسطيني عبدالحميد الهمشري والمحامي علي أبوحبلة - رئيس مجلة آفاق الفلسطينية / قسم الدراسات الاستراتيجية