نحــــن نــــنزلـــــق...!

بقلم: أكرم عطا الله

الاعتداء الآثم على مقر إذاعة وتلفزيون فلسطين أول من أمس والذي أدانته كل القوى والأحزاب والتجمعات والجمعيات هو فعل مدعاة للخجل، ولكنه مدعاة للخوف أكثر من انحدار يأخذنا إلى قيعان جديدة نحو تسعير الصراعات الداخلية وسكب مزيد من الوقود على نار مشتعلة لا تحتاج الكثير لتعبر عن نفسها بكل تلك الكراهية.

ليس الأهم من ارتكب تلك الجريمة لأن الذي قام بها هو فلسطيني بات جزءا من ثقافة كراهية أصبحت تتصدر خطابنا اللاوطني.

وهو خطاب يتغذى يوميا على دماء وعذابات هذا الشعب وعلى مجموعة المصالح وأصحابها الذين ينهشون لحمنا ليل نهار ويقضمون جسد الوطن بلا رحمة باسم الانقسام.

وها نحن نعود كل تلك السنوات للمربع الأول نصفي حساباتنا بالقوة.

عودة إلى ما قبل أكثر من أحد عشر عاما حين كان السلاح لغتنا الوحيدة في التفاهم، وكانت الشوارع والأسطح تكتب وثيقة عارنا بدم أبنائنا لأننا يومها فشلنا في ضبط اختلافنا في إطار مؤسسة واحدة وتحت سطح واحد فانفجر إلى الشارع.

وها نحن بعد كل تلك الرحلة الطويلة وكل تلك الدروس التي شقت رؤوسنا جميعا حد الإدماء مازلنا نبدأ من الصفر بكل ما أوتينا من قوة ومن فشل سجلته تجربتنا العالقة في وحل الجهل.

لم يكن الاعتداء على التلفزيون حادثة لقيطة في مسارنا، بل إن هذا الفعل هو الابن الشرعي لنا ولكل ما نقوله ونفعله، هو وليد التوربينات التي لا تكف عن شحن الكراهية.

الأسبوع الماضي كان أسبوعا صعبا بامتياز حيث التراشق الإعلامي والاتهامات غير المسبوقة والتي تزامنت مع انطلاقة حركة فتح والانسداد الحاصل في ملف العلاقات الداخلية وتجميد محاولات المصالحة كأنها وصلت لنهاية طريقها، وأن الانقسام يتعزز والفصل هو الخيار الوحيد الذي نذهب إليه في ظل فقدان البوصلة وحالة التيه التي يعيشها الوضع السياسي الفلسطيني بلا هدى فكل شيء يتحول إلى عبث في الضفة وغزة والمشروع الإسرائيلي يسير إلى الأمام.

كان الأسبوع الماضي يفرش بساط العنف لأن العنف اللفظي الذي اندلق من أفواه المسؤولين ومؤيديهم كان لا بد أن يتحول إلى ثقافة وسلوك وممارسة لدى عناصرهم ومؤيديهم والموالين  بلا مستوى من الحد الأدنى من التفكير، لأن التقليد والترديد هو السمة السائدة لدى القوى ومؤيديها.

ومن عنف لفظي إلى عنف جسدي، والخشية أن يكون هذا بداية الانزلاق نحو قانون الغاب وعودة للجذور كل يمتلك ما يكفي من ممكنات القوة لمعاقبة الآخر فيما كلنا كالنعام أمام إسرائيل ولكننا أسود أمام أنفسنا وشعبنا المسكين.

والخشية أننا نقف على بداية طريق العنف بعد أن تم التمهيد له جيداً بعناية وببراعة وبخلع آخر قفازات الشرف، فما اندلق على مدى أيام كان يذهب بطريق واحد معروف للجميع لدينا.

الأسوأ أننا مازلنا تحت الاحتلال وهذا يحتاج إلى خبراء في علم النفس أو علم العشائر حتى نفهم ما جرى ويجري بكل هذا الجهل حيث نقيم يوميا الحد على إسرائيل ونطالبها وندينها ونستنكر ما تفعله ولكن ننكل بأنفسنا أكثر. كيف يمكن أن نفهم ذلك؟ كيف يمكن أن نطالب إسرائيل بالكف عن ممارسات ونحن يوميا لا نتوقف عن فعلها ضد بعضنا؟

كيف نطالب إسرائيل بعدم اقتحام مؤسسات الإعلام ونحن ندمرها بكل ما أوتينا من قوة؟ كيف نطالب إسرائيل بإطلاق سراح الأسرى والكف عن الاعتقال ونحن لا نتوقف عن الاعتقال؟ كيف نطالب إسرائيل بعدم الاعتداء على تجمعاتنا ونحن نمنع التجمعات؟ كيف نفعل كل هذا ببعضنا ونتصرف بعدها وكأننا في غاية البراءة؟

هل الأمر مرتبط بسيكولوجية الضحية التي تلبست ثوب جلادها إلى درجة التقليد؟ ربما الأمر كذلك ولكن بشكل أكثر جهلا وأكثر قسوة، وهذه تبشر أننا نقف على أبواب مرحلة صعبة من العلاقات الداخلية باتت تهدد كل محاولاتنا السابقة ببناء ثقافة شراكة والاحتكام للأعراف والنظم والقوانين ويخشى أن تدفع بكل ما أنجزناه وإن كان على ضالته نحو التبدد.

نحن ننزلق نحو الهاوية وتلك رسالة لكل الفصائل والقوى والأحزاب والمؤسسات والمخاتير وزعماء العشائر والشباب وكل مكوناتنا التي إن لم تشارك في معركة أكل الذات فإنها تقف متفرجة صامتة على الدم الوطني الذي يسيل إلى درجة تهدد بتصفية الجسد والقضية والمشروع الذي ضاع وسط صراعاتنا القبلية، فمن عاد يسأل عن القدس واللاجئين والدولة والتهديدات التي تواجهنا من حكومة يمين ستعود إلينا بكل عنادها وعتادها وعنصريتها تقف خلفها إدارة أميركية في غاية التهور والجنون.

من يسأل عن حجم التعاطف الدولي رسميا وشعبيا وموقفنا على المستوى الدولي والعربي وحجم التعاطف معنا ونحن نمارس كل هذا العنف ضد بعضنا لفظيا أو جسديا أو أمنيا أو عسكريا أو ماليا... نحن ننحدر يا سادة، أفهم أن المسؤولين يزينون كل شيء ويحاولون تبرير كل شيء ولكن الحقيقة أننا ننحدر، هل هناك من يوقف هذا الانحدار.

الاعتداء على تلفزيون فلسطين خطير ينذر بمرحلة صعبة فهل نعرف كيف نوقفها ونقف بكل ما أوتينا من وطنية كلفتنا الكثير سدا مانعا أمامها حتى لا ننزلق أكثر؟.

البداية أن نعترف أننا نضل الطريق الطويل ونبدأ بالبحث عن المسار الصحيح.. أن يسمح لفتح بالاحتفال بانطلاقتها ولحماس بحرية العمل تمهيداً لمسار مختلف عن مسار التيه والضياع والتهام الذات ..!

بقلم/ أكرم عطا الله