دروب التسويات في الشرق الأوسط على حساب الوطن الفلسطيني لصالح اليهود من ألفه إلى يائه ح “ 19 “

بقلم: عبد الحميد الهمشري

دروب التسويات في الشرق الأوسط على حساب الوطن الفلسطيني لصالح اليهود من ألفه إلى يائه ح " 19 "

* الأرض بتتكلم عبري يا معلم .. والمطلوب خارطة طريق لإسقاط الصفقة الصفعة وعرابيها



بعد سنتين من الحديث عن صفقة القرن يبدو أن الصفقة الصفعة التي يحاول دونالد ترامب فرضها وتحويلها لأمر واقع كونها تصب في صالح اليهود ودولتهم على أرض فلسطين مرحلياً لا تلبث وأن تمتد مستقبلاً لتحقيق حلم إسرائيل الكبرى على طبق من ذهب دون مراعاة للحقوق الفلسطينية من خلال تحالف تسعى واشنطن لتكوينه على غرار حلف السنتو ، يضم ما يطلق عليها دول الاعتدال العربية والكيان الصهيوني ، باتت الخطة أو الصفقة على وشك الدخول في مرحلة ما قبل إطلاقها رسمياً كما يقول مهندسوها بعد أن اكتملت حلقاتها ، إذ بدأت تلك الحلقات بتجريد الفلسطينيين من حقهم المشروع في حرية التحرك في أرضهم والسيطرة على مقدساتهم وعاصمتهم الروحية والأبدية القدس بتجريدهم من هذا الحق ، بعد أن تم منح صك ملكيتها أمريكياً أو إن صح القول ترامبياً لليهود ، وكأن هذا الصك يملكه ترامب أو سكان البيت الأبيض الأمريكي حيث يسير في هذا على نهج بلفور الذي أعطى وعداً ليهود على أرض لا سلطان له عليها ، والضغط على من يسيرون في فلكها للاعتراف بشرعية كل إجراء أمريكي متخذ لصالح اليهود في فلسطين ، بدءاً من إجراءات نقل السفارة الأمريكية والاعتراف بالقدس عاصمة للكيان اليهودي لغرض في نفس يعقوب وهو إخراجها من دائرة التفاوض مكافأة لمجرمي الحرب وصانعي عذابات الفلسطينيين الصهاينة والغرب الفاجر ، ومن ثم إلغاء حق عودة اللاجئين وتشريع الاستيطان وجدارات الفصل العنصرية ليكون مصيرها ذات مصير القدس خارج نطاق التفاوض ، والخروج من الوكالات الدولية المتخصصة الداعمة للحقوق الفلسطينية ، ويعني ذلك أن لا صوت في هذا العالم ولا إرادة ولا رغبات تعلو صوت ورغبات وإرادة ساكني بيت الشر الأمريكي وقادة الصهيونية العنصرية ، ولفرض مزيد من الضغط على أصحاب القرار أو الحق الفلسطيني لتبارك الخطوات الصهيو- أمريكية في تشريع انتهاكات جيش الاحتلال والمستوطنين وعمليات قضم الأرض الفلسطينية قطعة قطعة وما يتخذه ساكني البيت الأبيض لصالح هؤلاء وتبرير ما يصنعون من انتهاكات صارخة ضد الإنسان الفلسطيني ، ولتكون السلطة الفلسطينية بلا سلطة ، تتخبط في اتخاذ قراراتها العشوائية ، ليبقى جناحي الوطن أسيري التشرذم والانقسام بعد أن فقدا القلب الذي كان يجمعهما بعد فقد هذا القلب بالاعتراف الأمريكي بها عاصمة ليهود وفقدان معظم أراضي الضفة لصالح الاستيطان ومعسكرات جيش الاحتلال والطرق الالتفافية ، ومن ثم تجفيف منابع إيرادات الفلسطينيين لإرغامهم على الرضوخ للإرادة الصهيو - يورو أمريكية وهدر جهود المقاومة الشعبية بعد تكبيلها بما يخدم رغبات واشنطن واليهود ، وبهذا تكون الخطّة التصفوية للقضية الفلسطينية التي أعدّها فريق ترامب المتصهين قد اكتملت حلقاتها وأثمرت أكلها قبل أن تصدر بنودها فانتهى خريفها وشتاؤها ليزهر ربيعها بميلاد " الأرض بتتكلم عبري يا معلم " ، تحقيقاً للرغبات الصهيو - يورو - أمريكية ، فيكون ربيع صفقة تصفية قضية العرب والمسلمين المركزية قد أزهر ، خاصة بعد أن أسهم الإعلام العبري الأمريكي في خلخلة الثقة في الجسد العربي بتسريبات يشرف عليها الموساد الصهيوني والسي آي إيه الأمريكي يروجها بعض المرتبطين في خدمة المشاريع الصهيو - غربية ، تتحدث في أمور يجهل حقيقتها من يروجها ، فهم عمي البصيرة تماماً كالدب الذي لا يعي ولا يدرك حكم تصرفاته ، فيكون ذلك وبالاً على من حوله وعليه في آن ، ورغم أن هؤلاء لا يمثلون أمة كونهم نفر قليل لكن كما يقول المثل الشعبي " الطلق اللي ما بصيب بِدوِش " .. فالحلول الصهيو ترامبية في صفقة القرن تنطلق من زاوية الاعتراف باحتياجات ومتطلبات الأمن والاشتراطات الصهيو غربية دون النظر أو الاهتمام بالهم الفلسطيني التواق للحرية والعيش الآمن ، بل اختزال حقوقه في العودة وحق تقرير المصير وبناء دولته المستقلة إلى كيان منزوع السلاح مجرّد من أيّ سيادة فعلية تتخلل ثناياه مستوطنات وطرق التفافية وبوابات عبور وتنازل عن مقدساته وكرامته لصالح كيان صهيوني إحلالي احتلالي غاصب .

الحلول التي وصلوا إليها هي تنفيذ فعلي واستكمال لما رسمته الدوائر الصهيو أمريكية التي منذ مجيء ترامب للرئاسة انتقل وبشكل علني لتنفيذ ما رسمته الإدارة الأمريكية منذ نشوئها وبعد أن اكتملت حلقاتها بفعل الزمن العربي الرديء والمتهاوي نحو التطبيع والتسليم بفلسطين لليهود ، جاء ترامب لينفذ ما يطالب به اليمين الصهيوني المتطرف وليعلن للملأ بلا لف أو دوران تحالفه وفريقه المسير لشؤون الحكم في البيت الأبيض ومجلسا شيوخه ونوابه وبنتاغونه وأجهزة مخابراته المؤتمرة بالموساد الموجه لها والمهيمن على قراراتها والشاباك الصهيوني بالتحالف ما بين أمريكا والدولة اليهودية ، دون مراعاة لحق الفلسطيني في الحياة أو حساب لذرة من الاحترام للعلاقات الإنسانية .

وما كان لهذا التسارع في التبجح بالتحدي الصارخ لإرادة الأمة لولا ما يمر به العالم العربي من تردٍ وهوان وانهيار جراء تشتت الجهد العربي في صراعات لا طائل من ورائها سوى خدمة أعداء الأمة من صهاينة وغربيين وطامعين رسمت خطوطها العريضة منذ العام 1982 والتي ابتدأت بضوء أخضر أمريكي باحتلال عاصمة عربية من قبل العدو الصهيوني لإجلاء فصائل منظمة التحرير المقاتلة منها والإشراف على مجازر صبرا وشاتيلا ضد الفلسطينيين ، أعقبتها تحالفات مشبوهة ضد العراق أفضت لاحتلال بغداد وإسقاط نظامه العروبي وحل جيشه الوطني وقبل الاحتلال الصهيو أمريكي للعراق رتبت قمة عربية عام 1982 في العاصمة التي جرى احتلالها صهيونياً فيما سبق اعتراف تلك القمة بالكيان العبري ضمن ما عرف بخطة السلام العربية ، وهذا جعل عدونا الصهيوني يعمل بالمثل القائل " إذا هبت رياح التغيير لصالحك فاغتنمها " ، فاغتنام الفرص الذهبية وفق تصوره لتصفية القضية الفلسطينية باتت مواتية منذ احتلال العراق وإسقاط نظامه العروبي وحل جيشه القادر ، تأميناً لمستقبل الدولة العبرية من انزلاقات يقودها إلى الهاوية جراء ممارسات يمينها الصهيوني المتطرف ، ما يعني أن لا حقوق فلسطينية ولا سلام لا تكون خلفيته تنطلق بالتسليم العربي للشروط الصهيو أمريكية القاضية بتنازل الفلسطينيين عن ثوابتهم المتعلقة بحق عودة اللاجئين الفلسطينيين وبعاصمتهم القدس للحيلولة دون إقامة دولتهم الفلسطينية المستقلة ذات السيادة على ثرى وطنهم بعد إشغالهم بحروب تدميرية طاحنة تأتي على ما تبقى من بلدان العرب والتحضير لحروب بالتحالف مع العدو الصهيوني تكون ثمرته في نهاية المطاف تقاسم النفوذ من يحاربون مع العدو الصهيوني ، فبموجب هذه الصفقة الصفعة لا يكون للفلسطينيين أي ثقل في فلسطين لأنهم وفقها هم مجرد تابعين ورقم على الهامش في أرضهم ساكنين فيها وليسوا مالكين يمكن اقتلاعهم منها وفق القانون الصهيوني حين قدوم أي مهاجر يهودي لأنه وفق النظرة الصهيونية والترتيب البلفوري الأمريكي أنه أي اليهودي هو ابن الأرض الفلسطينية وليس العربي ، والفرس هم شركاء هذا العدو الصهيوني في اقتسام مناطق النفوذ ، لأن العدو الصهيوني من خلال أمريكا وبلاد فارس والماسونية العالمية يسعون لإقامة حكومة مدنية عالمية تحكم العالم بالعهد القديم " التوراة " ، وهكذا سيجري التخلص من الفلسطيني على مدى عقد أوعقدين من الزمن على أكبر تقدير وبما يتماشى مع ما اعتمده الكنيست الصهيوني " قومية الدولة "، وهذا فيه بعد عن العلمية والموضوعية والواقعية في التعامل مع قضية شعب تسببت بريطانيا وأمريكا في مأساته وإلحاق الأضرار الفادحة به جراء تلك الممارسات ، يتوجب عليهما معها الاعتذار لهذا الشعب علناً وفي كل محفل دولي وتعويض كل أفراده مقابل المعاناة التي أصابته جراء ذلك والعمل على إعادة حقوقه كاملة إليه لا التعامل وفق تعامل محاكم التفتيش الإسبانية مع مسلمي الأندلس ، فالمعطيات والفجوات بين ما هو مطروح في الصفقة وفق ما تتحدث به مصادر وثيقة الصلة بفريق ترامب الذي يترأسه اليهوديان صهره جاريد كوشنر وغرينبلات - الممثل الخاص للرئيس الأمريكي المكلف بالمفاوضات الدولية - الذي لا يرى في المستوطنات التي أقيمت في الأراضي الفلسطينية عائقاً أو فيها تعارض أمام ما يصفونه بالسلام ، ولا يدين بناء المستوطنات وتأييده لمسألة حل الدولتين وفق وجهة النظر الصهيو أمريكية دون تدخل الأمم المتحدة في ذلك ، ما يعني أن التناقض بين الطرفين الصهيوني والفلسطيني في طريقه للتعاظم وصولاً بكل مبادرات الفريق العربي الذي يتماشى والرغبات الصهيو أمريكية والطرف الفلسطيني الرسمي الذي يسير نحو طريق مسدود وفشل ذريع فيما يصبون إليه رغم تنازلهم عن الكثير من الثوابت الفلسطينية في سبيل إبرام اتفاق نهائي بينهما ، أصبح أمام هذا الواقع وفق ما هو مطروح ترامبياً غير ممكن البتًّة ، إذ لم يتبق أمام من وقعوا عليه بعد أوسلو سوى الخضوع والخنوع والاستسلام أو العمل على إفشال المشروع الصفقة الصفعة ، ففكرة إدارة الصراع وفق هذا النهج خاطئة حيث أن استمرار السيطرة واحتلال الأرض وتهميش الشعب الفلسطيني، وتعميق الاستيطان في الأراضي المحتلة هي عملية لا أخلاقية وفاشية واغتصابية ديكتاتورية إحلالية تنم عن استهتار واستهبال وتسليم كل شيء مقابل لا شيء ، حتى في حال موافقة من وقعوا على أوسلو أو أي طرف فلسطيني آخر وما يطلق عليه معسكر الاعتدال العربي وكل من يتدثر بالعباءة الأمريكية لن يكون بإمكانه إنهاء أو شطب القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني ، من الممكن أن ينجحوا مرحلياً في ذلك لكن ليعلموا جميعاً أن أي جراء يتخذ لصالح الصهيونية سينتهي بفعل التصميم الشعبي الفلسطيني خصوصاً والشعبي العربي والإسلامي عموماً وسيكون كالقشة التي تقصم ظهر البعير وسيكونوا في نهاية المطاف كمن يعفر كل شيء على نفسه والعاقبة يومئذٍ للصامدين الصابرين ، الذين هم على الحق ظاهرين ولعدوهم قاهرين ، شاء من شاء وأبى من أبى .

فالخطة الأمريكية تقضي وفق التسريبات بتسوية القضية الفلسطينية فيما تزعم الإدارة الأميركية لـ ترسيخ السلام الوهمي في الشرق الأوسط ، والمتداولة إعلامياً تحت مسمى "صفقة القرن"، بإقامة دولة فلسطينية على 90% من أراضي الضفة الغربية المحتلة، على أن تشكل أجزاء من القدس الشرقية عاصمة الدولة الفلسطينية لا تشمل القدس القديمة التي تحتضن المسجد الأقصى المبارك وسائر الأماكن المقدسة في القدس الكبرى ، حيث ستبقى تحت هيمنة الاحتلال ، هذا ما كشفت عنه مؤخراً " ريشيت 13 " (القناة العاشرة الصهيوية سابقاً) ، نقلاً عن أحد كبار مسؤولي البيت الأبيض، حيث أشارت القناة إلى أن الإدارة الأميركية برئاسة دونالد ترامب، تستعد لطرح الصفقة خلال الأشهر المقبلة تتضمن إقامة دولة فلسطينية في منطقة تزيد مساحتها عن ضعف مساحة المناطق أ وب، الخاضعة لسيطرة السلطة الفلسطينية، مؤكدة أن المساحة قد تشكل من 90 – 85% من مجمل مساحة الضفة الغربية المحتلة ، ومن المقرر أن تشمل الصفقة تبادلاً للأراضي بين الكيانين العبري والفلسطيني، وذلك فيما يتعلق بسائر المساحة المتبقية من الضفة الغربية المحتلة والتي ستضمها الدولة العبرية، وفقاً لتفاصيل الخطة، وبحسب القناة فإنه "ليس من الواضح مدى تبادل الأراضي وعن أية مناطق يدور الحديث". منوهة في تقريرها إلى أن المستوطنات ستقسم إلى ثلاثة فئات : الأولى، الكبيرة، ستضم إلى الاحتلال الإسرائيلي، والتي تتمثل بـ"غوش عتصيون" و"معاليه أدوميم" و"أريئيل" ، فيما تبقى مستوطنتا "إيتمار" و"يتسهار" (الفئة الثانية) قائمتين، على ألا يتم زيادة مساحتهما، أما الفئة الثالثة من المستوطنات، والتي تشمل البؤر الاستيطانية غير القانونية وفقاً للقانون الصهيوني، سيتم إخلاؤها، مع الدفع بفكرة تبادل الأراضي ، وحول السيادة على مدينة القدس المحتلة، تقضي خطة ترامب بأن تكون عاصمة الدولة العبرية في الأجزاء الغربية للمدينة بما يشمل أجزاء من المناطق الشرقية، وأن تكون البلدة القديمة التي تحيط بها الأسوار في القدس الشرقية بما فيها المقدسات الدينية، وكذلك المناطق المجاورة مثل سلوان وجبل الزيتون، تحت السيادة العبرية لكن بإدارة مشتركة من الفلسطينيين والأردن ، موضحة أن "معظم الأحياء العربية" في القدس الشرقية ستكون تحت السيادة الفلسطينية وستكون بها عاصمة الدولة الفلسطينية في المستقبل، فترامب يرغب وبشدة في استكمال الإجراءات الصهيونية المقترحة بتبادل للأراضي مع الفلسطينيين. فوفق القناة فإن تقديرات الرئيس الأميركي تشير إلى أن السلطة الفلسطينية سترفض الخطة الأميركية المقترحة ، ولكن الرئيس ترامب يأمل بأن يكون يعلن الطرف الإسرائيلي عن قبولها، ذاكرة أن الرئيس الأميركي أراد نشر خطة السلام خلال الأسابيع الماضية ، لكن مقربيه نصحوه بالانتظار حتى الانتهاء من انتخابات الكنيست المقررة في التاسع من شهر نيسان/ أبريل المقبل وهذه التفاصيل ربما تكون الأقرب لخطة السلام الأميركية في الشرق الأوسط ، وليست الخطة النهائية ، ولم يشر التقرير إلى مصير اللاجئين الفلسطينيين الذي يعد أحد النقاط المحورية في أي حل مستقبلي للقضية الفلسطينية، كما لم يتناول وضع قطاع غزة في هذه الخطة .. مصادر فلسطينية مسؤولة أكدت أن أي خطة سلام لا تتضمن إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة بحدود عام 1967 وعاصمتها كامل القدس الشرقية مآلها الفشل، موضحة أن التسريبات الإعلامية حول تفاصيل ما يسمى بـ "صفقة القرن" الأمريكية حول السلام في الشرق الأوسط ، هي استمرار لبث الإشاعات والتسريبات حول ما يسمى بملامح صفقة العصر التي تتحدث عنها الإدارة الأمريكية، إضافة إلى الاستمرار في محاولة ايجاد أطراف إقليمية ودولية تتعاون مع بنود هذه الخطة لكنها ستبقى محاولات فاشلة وستصل حتمًاًإلى طريق مسدود.

مبينة أن العنوان لتحقيق السلام العادل والدائم هو القيادة الفلسطينية التي تؤكد أن أية طروحات تتعلق بالمسيرة السياسية يجب أن تكون على أساس الشرعية الدولية ومبدأ حل الدولتين لإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية ، مستدركة القول أن طريق تحقيق السلام في المنطقة واضح، يمر من خلال الشرعية الفلسطينية، وأية مشاريع تهدف للالتفاف على آمال وتطلعات الشعب الفلسطيني بالحرية والاستقلال لن يكتب لها النجاح وستنتهي.

الخطة الأميركية في صفقة القرن تفضي لتسوية القضية الفلسطينية بإقامة دولة فلسطينية على 90% من أراضي الضفة الغربية المحتلة، على أن تشكل أجزاء من القدس الشرقية عاصمة الدولة الفلسطينية ، في حين تخضع البلدة القديمة في المدينة، حيث يقع المسجد الأقصى المبارك وسائر الأماكن المقدسة، تحت سيطرة الاحتلال. هذا ما كشفت عنه "ريشيت 13" (القناة العاشرة الإسرائيلية سابقا)، مؤخراً، نقلا عن مصدر شارك بإحاطة لأحد المسؤولين الكبار في البيت الأبيض، أجريت ، استعدادا لطرح الخطة، حيث أشارت القناة إلى أن الإدارة الأميركية برئاسة دونالد ترامب، تستعد لطرح "صفقة القرن" وفق التوقعات في موعد أقصاه نهاية شهر إبريل القادم. مبينة أن "صفقة القرن" تتضمن إقامة دولة فلسطينية في منطقة تزيد مساحتها عن ضعف مساحة المناطق أ وب، الخاضعة لسيطرة السلطة الفلسطينية، مؤكدة أن المساحة قد تشكل بين 85 – 90% من مجمل مساحة الضفة الغربية المحتلة. ومن المقرر أن تشمل الصفقة تبادلًاً للأراضي بين الكيان العبري والفلسطينيين، وذلك فيما يتعلق بسائر المساحة المتبقية من الضفة الغربية المحتلة والتي ستضمها إسرائيل، وفقًا لتفاصيل الخطة، وبحسب القناة فإنه "ليس من الواضح مدى تبادل الأراضي وعن أية مناطق يدور الحديث". مشيرة إلى أن المستوطنات ستقسم إلى ثلاثة فئات: الأولى، الكبيرة، ستضم إلى الاحتلال الإسرائيلي، والتي تتمثل بـ"غوش عتصيون" و"معاليه أدوميم" و"أريئيل"؛ فيما تبقى مستوطنتا "إيتمار" و"يتسهار" (الفئة الثانية) قائمتين، على ألا يتم زيادة مساحتهما، أما الفئة الثالثة من المستوطنات، والتي تشمل البؤر الاستيطانية غير القانونية وفقًا للقانون العبري، سيتم إخلاؤها، مع الدفع بفكرة تبادل الأراضي. وحول السيادة على مدينة القدس المحتلة، تقضي خطة ترامب بتقسمها لعاصمة إسرائيلية في الأجزاء الغربية للمدينة بما يشمل أجزاء من المناطق الشرقية. وأن تكون البلدة القديمة التي تحيط بها الأسوار في القدس الشرقية، وتحتوي على المقدسات الدينية، وكذلك المناطق المجاورة مثل سلوان وجبل الزيتون، تحت السيادة الصهيونية لكن بإدارة مشتركة من الفلسطينيين والأردن. مضيفة أن "معظم الأحياء العربية" في القدس الشرقية ستكون تحت السيادة الفلسطينية وستكون بها عاصمة الدولة الفلسطينية في المستقبل، موضحة أن ترامب يرغب في استكمال الإجراءات الصهيونية المقترحة بتبادل للأراضي مع الفلسطينيين. تقديرات الرئيس الأميركي تشير إلى أن السلطة الفلسطينية سترفض الخطة الأميركية المقترحة، ولكن الرئيس ترامب يأمل إعلان الطرف الصهيوني قبولها فيما لم يشر التقرير إلى مصير اللاجئين الفلسطينيين الذي يعد أحد النقاط المحورية في أي حل مستقبلي للقضية الفلسطينية، كما لم يتناول وضع قطاع غزة في هذه الخطة.

بالتأكيد في نهاية المطاف فإن الأمل الفلسطيني أمام الإصرار رغم كل هذه المعاناة الناجمة عن ظلم المجتمع الدولي وتراخي ذوي القربى في دعم الحق الفلسطيني وفق المأمول والمرتجى منه ، مآلها النصر والتحرير وعودة اللاجئين وبناء الدولة الفلسطينية على الثرى الفلسطيني وعاصمتها القدس ، أما الرؤية التي يتوجب العمل بها إن كان هناك حرص على حقوق الشعب الفلسطيني والحفاظ على عروبة ومستقبل فلسطين العربية الإسلامية فإنه لا بد من وجود خارطة طريق على بساط البحث للمرحلة الآنية القادمة وباسرع ما يمكن ، ففي اتفاقية سايكس بيكو قبل 102 سنة كان مفترقاً مفصلياً في حاضر فلسطين، جسده وعد بريطانيا (وعد بلفور) وممارساتها حينها لتكريس العصابات الصهيونية على أرض فلسطين ، ومن هنا يتوجب اعتذار بريطانيا عن كل ذلك والالتزام بما يترتب على ذلك من آثار قانونية وسياسية ومعنوية ومادية ، فالدولة القُطرية التي ولدها سايكس بيكو لم تحافظ ولو على جزء من فلسطين، وكذا أصبحت دولة فاشلة غير قادرة على القيام بدورها تجاه مواطنيها ، وليس غريباً بعد مرور 102 سنة على سايكس - بيكو أن يستمرئ الأغراب العبث بالمنطقة، وأن يطرحوا مشروعهم للفوضى الخلاقة على طريقة استنساخ سايكس بيكو من جديد في هذه المرحلة ، ومن هنا فإننا نوجه الدعوة إلى الحفاظ على الدولة القُطرية اليوم مع إعادة الاعتبار لشعوبها بحصولها على العدالة والحرية والديمقراطية والمساواة. وذلك لصيانتها من الفشل على طريق إعادة الاعتبار للمنطقة، وإبطال مشاريع الاستنساخ والتقسيم لبلدانها، ولحماية فلسطين من ضياع مداه الزمني طويل ، أما مستقبل فلسطين فإنه مرهون بمراحل عمل استراتيجية منها العمل على توفير بيئة مواتية تمثل حاضنة تضمن الحفاظ على الحق الفلسطيني وإسناده، وكذلك العمل على الحفاظ على جاهزية فلسطينية عالية استعداداً لأي تغير في النظام الدولي (احتمال ذلك قائماً) ليتم توظيفه في صالح مستقبل فلسطين ، ومن ثم الاستعداد لمرحلة عودة فلسطين إلى خريطة العالم عبر منظومة تشمل رؤى تفصيلية يمكن إيجازها من خلال إصلاح مؤسسات الشعب الفلسطيني ومنها فصائل العمل الوطني والمجتمع المدني مؤسسياً، وعلى رأسها منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية، عبر نظام ديمقراطي وتمثيل عادل وتطبيق لمعايير الحكم الرشيد، وتمثيل شبابي وتأهيل للكادر الوطني، واعتمادها مرجعية سياسية وحيدة للقرار الفلسطيني المستقل وكذلك بناء منظومة أمن قومي فلسطيني على أساس أنه في مرحلة تحرر وطني، واعتماد استراتيجية فلسطينية وطنية جامعة لمواجهة "صفقة القرن" سياسياً وإعلامياً واقتصادياً واجتماعياص وأمنياً، لبناء دولة فلسطين كاملة السيادة في حدود عام 1967 في هذه المرحلة ،ومن ثم صيانة الأمن الفكري والثقافي عبر عملية التربية الفلسطينية الشاملة، مع تأكيد قيم الاحترام والعدالة والتعددية ، إلى جانب إدارة العلاقات الخارجية على أساس من فهم اضطرابات الإقليم لتجنيب الشعب الفلسطينيي آثارها السلبية ومنها وسمه بـ "الداعشية"، مع تعزيز شبكة علاقات عالمية واسعة عبر توظيف حكيم للجاليات الفلسطينية والتمثيل الدبلوماسي، ومنح أولوية للعمق العربي خاصة مصر والأردن وسوريا ولبنان- على أساس من علاقات متوازنة عنوانها " فلسطين أولاً " وأيضاً منح الجامعات ومراكز الأبحاث والدراسات دوراً رئيسياً في صناعة القرار الفلسطيني، مع توفير بيئة بحث علمي رصين، وفتح القنوات لأصحاب الفكر والرأي والمراكز العلمية ومع قادة السلطة ومنظمة التحرير والفصائل.

فيما تتلخص أولويات المرحلة الفلسطينية الراهنة بمنح القدس أولوية قصوى لمواجهة قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ودعم انتفاضتها وإبطال تهويدها وإسناد أهلها ومؤسساتها ، وإنهاء الحصار المفروض على غزة بالتحرك الإقليمي والدولي لرفعه، من أجل تعزيز قدرتها على الصمود في وجه العدوان الصهيوني ، وكذلك إنهاء مظاهر الانقسام والتأكيد على وحدة الشعب الفلسطيني ، وعلى رأس ذلك من خلال تشكيل حكومة وحدة وطنية تعتمد برنامج أن فلسطين وطن للكل الفلسطيني وتنظيم انتخابات حرة ونزيهة لكافة مؤسسات الشعب الفلسطيني ، وتوفير البيئات والمقدرات والأدوات لبناء فلسطين المستقبل وعاصمتها القدس، وهذا يتطلب توظيف الإعلام الفلسطيني الموجه في تعرية الاحتلال والعمل على تعزيز التمثيل الفلسطيني في المؤسسات الدولية ، وتعرية موجة التطبيع المتزايدة مع "إسرائيل"، وعلى رأس ذلك التطبيع الاقتصادي والرياضي والثقافي وفي هذا الصدد نوجه التحية لماليزيا الأخير المتمثل برفض استقبال الوفد الرياضي الصهيوني للمشاركة في بطولة رياضية على أراضيها حتى لو أدى ذلك لسحب إقامتها منها .. مع العمل على منع الانهيار العربي المتمثل بالتسابق على التطبيع مع الكيان الغاصب الذي يهدد خطره المستقبل العربي برمته لإعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية ومراعاة حساسيتها، وعدم التدخل في شؤونها المؤسسية الداخلية حفاظاً على وجود قرار فلسطيني مستقل ، وعدم توريط أبناء الشعب الفلسطيني بمناطق الشتات في قضايا الدول الداخلية ، وعدم فرض مواقف عليها خاصة في مصر وسوريا ولبنان والأردن ....

ومن ثم الاستعداد الجاد لقيام الدولة الفلسطينية المستقلة الكاملة السيادة، وإعداد الإنسان على أساس من "بناء رجال دولة"، وكذا توفير البيئات والمقدرات والأدوات لبناء فلسطين المستقبل وعاصمتها القدس، وهذا يحتاج إلى رؤى تفصيلية توضع فيها النقاط على الحروف. فخطة "صفقة القرن" بمثابة ضربة قویة للقضیة الفلسطینیة وشعوب المنطقة وإسقاطها لا يكون إلا باستمرار دعم المقاومة الفلسطینیة عربياً وإسلامياًعلى أسس ركيزتها العدل والحق الإنساني وفق ما تنادي به الشرائع السماوية والمدنية حتى تحقيق النصر الكامل ، وكذلك وعدم العمل بسياسة الوجهين وجه تسعى من خلاله استرضاء الشارع لشعبي لامتصاص غضبه في الوقت الذي تقوم فيه بدعم الخطة الأمریكیة فيما يطلق عليها " صفقة القرن" المفضية لتصفية القضية الفلسطينية وهدر حقوق الشعب الفلسطيني تحت حجج هذه أمريكا ولا نستطيع الوقوف بوجهها ومجاراتها فيما تريد وفيه حفظ للكيان العربي والإسلامي الذي مزق وتم العبث به منذ ما يزيد على القرن والأمور تجري من سيئ لأسوأ ، فتنفیذ الصفقة الصفعة بمثابة الحلقة الأخيرة من مسلسل السطو على الوجود العربي والإسلامي وخطر داهم على هذا الوجود وفيه ضربة قاصمة للقضیة الفلسطینیة شئنا أم أبينا فتسجيل موقف حازم يفشل مرامي الإدارة الأمريكية التي تسعى لتحقيقه منذ نهاية الحرب العالمية الأولى خاصة وأنها بدأت بامتصاص أرصدة الأجيال القادمة بفرض أتاوات وتقديم القروض المسهلة لمن لا يملك ، وحركات المقاومة والدول الواعیة لا بد لها من الوقوف بصلابة في سبيل إفشالها ومنع تحقیق هذه النوايا حيث أن جرائم كبرى تمارس ضد الفلسطینیین لكن تمت تغطیتها بالجرائم الوحشیة للجماعات التكفیریة ، من قبل الدعایة الهائلة للإعلام الصهیوني ، ما یشكل ظلماً مضاعفاً للقضیة الفلسطینیة. فـ "مسیرات العودة" تعتبر نقطة تحول في الحركة المستمرة للحركات الشعبیة، ومثلما هو واضح وجلي فإن الشعب الفلسطینی غیر مستعد للتخلي عن وطنه، وأن أنصار منطق الدیمقراطیة أمام اختبار دعم هذا المطلب العام ضد الككيان الالاحتتلالي الإحلالالي في فلسطين وحبذا لو تم التمكن من تنظيم مسيرات عودة على مستوى دول الطوق العربية وعبر السواحل الفلسطينية الشاطئية.
* الكاتب والباحث في الشأن الفلسطيني عبدالحميد الهمشري والمحامي علي أبوحبلة - رئيس مجلة آفاق الفلسطينية / قسم الدراسات الاستراتيجية