لا يضيف إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب شيئاً باعتراف الولايات المتحدة بشرعية ضم الجولان لإسرائيل كما فعل مع القدس. فالسياسة تصنعها الوقائع التي تقول إن القدس والضفة والجولان تحت السيطرة الإسرائيلية منذ أكثر من خمسين عاماً رغماً عن العرب جميعاً.
تلك الوقائع صنعتها الدبابة الإسرائيلية وبساطير جنودها وليست الشعارات والتمنيات والأحلام. وفيما إسرائيل تجسد واقعاً نتيجة تكامل مراكز دراساتها والقوة العسكرية يعيد العرب إنتاج مواقف قديمة بما يشبه الصوت الذي يخفت رويداً رويداً أمام غطرسة قوة جردوا أنفسهم من كل مؤهلاتها وباتوا يشبهون ريشة في مهب رياح السياسة إلى الدرجة التي أصبحوا يدفعون فيها أجرة حكم شعوبهم للولايات المتحدة.
لماذا يعلن الرئيس الأميركي تلك المواقف بكل تلك الوقاحة وبما يخالف السياسات الأميركية نفسها التي حاولت لعقود أن تخفي انحيازها المعروف لإسرائيل بأوراق توت حاولت أن تستر نوعاً ما، أو أن الإدارات السابقة كانت إلى حد ما تأخذ بعين الاعتبار وهي تتخذ الكثير من القرارات حالة المزاج العربي وعدم إحراج القادة العرب لكن هذه الإدارة نزعت كل مياه الوجوه لتضع العرب في مواقف شديدة الحرج.
لم يعد للعرب وزن في السياسة الأميركية، هذا ما يجب أن نراه بوضوح شديد في ظل وضع عربي شديد الهشاشة وبات يرتعد خوفاً من رئيس أميركي جامح بدا للحظة أنه تسلم أراضي العرب وبات يوزع منها كما يشاء، وبات يتسلم أقدار العرب يعبث بها كما يشاء ويظهر في لحظة فانتازيا تاريخية أنه يقوم بدور أرثر فلكنشتاين ذلك الأميركي خبير الانتخابات الذي تكفل بإدارة حملات نتنياهو الانتخابية.
تلك ليست مصادفات وما أعلنه الرئيس ترامب والذي سيصب أصواتاً صافية في صندوق نتنياهو الانتخابي والذي باتت ترتفع أسهمه مقابل حزب الجنرالات «أزرق أبيض» الذي شكل تهديداً لأسابيع، لأن الرجل الذي يدفع للرجلين واحد هو الملياردير الأميركي اليهودي «شلدون أدلسون «مالك جريدة «إسرائيل اليوم «الذي يوصف في إسرائيل بأنه الأب الروحي لنتنياهو وهو المتبرع الأبرز لحملة ترامب الانتخابية.
تداعت كل أوراق القوة العربية ولم تعد ذات قيمة على المستوى الدولي، وفقط تتجسد هذه القوة أمام شعوبهم ضرباً وسحلاً وسجناً، وتلك تعكس مزيداً من الضعف العربي عندما لا يرتكز النظام السياسي على ممكنات الداخل وعلى شعوب حية يسهل التلاعب به، وحين يصنع العربي له عدوا في الداخل هو شعبه أو جزء منه ويصبح الاستقواء بالخارج والشرعية من الخارج فإنه يضع نفسه في دائرة الابتزاز وعليه أن يصمت أمام من يوفر له تلك الشرعية.
لذا كانت ردود الفعل العربية التي صدرت خجولة لا تتناسب مطلقاً مع الصفعة التي وجهها الرئيس الأميركي، فالجولان عربية وهي جزء من سورية قامت إسرائيل باحتلالها بالقوة ولا أحد في العالم حتى أقرب حلفاء الولايات المتحدة وهي بريطانيا لم تستطع أن تتعاكس مع حقائق التاريخ وجغرافيا السياسة كما فعل الرئيس الأميركي.
أعلن سابقاً أن القدس عاصمة لإسرائيل وقد شجعته ردود الفعل العربية الباهتة على استمرار التقدم في حانوت الخرف مثل فيل ينفلت من عقاله محطما كل شيء.
والآن مع اقتراب الانتخابات الإسرائيلية ينتقل للجولان ولولا أن مصر استعادت سيناء لكان أعلنها أراضي إسرائيلية. كل هذا حديث صنعته القوة والوقائع وسط حالة التردي العربي غير القادر على تغيير الواقع بل يغرق أكثر في الانهيار.
وما دمنا نتحدث في السياسة التي تصنعها الحقائق ماذا يفعل ذلك وكيف يمكن تغييرها وما هي الأدوات التي يمكن الاعتماد عليها هكذا يحسبون السياسة، مصر تمكنت من استعادة سيناء والآن في عصر ترامب يتضح كم كان الرئيس السادات مصيبا وهو يستعيد أراضيه حتى آخر سنتيمتر، أما الجولان فليس سوى سورية وتحالفها وأبرزها حزب الله الذي يفاخر نتنياهو بأنه اكتشف خلية للحزب تعمل في الجولان، ويسجل للحزب أنه تمكن من تحرير أرض لبنانية بالقوة.
إذن لدينا تجربتان في الوطن العربي تمكنتا من استعادة أرض عربية، مصر الرئيس السادات، وحزب الله لبنان والسيد حسن نصرالله، والمفارقة أن الرئيس السادات والسيد حسن نصرالله تعرضا لعملية نبذ في الوطن العربي، فقد وصف السادات بالخيانة أما الأمين العام لحزب الله فيتعرض لما هو أكثر بشاعة من قبل عالم عربي يتنافس تقربا لإسرائيل ولم تعد على أجندته مقارعتها بل أصبحت إسرائيل جزءا من منظومة الدفاع ضد العدو المركزي «إيران» التي أصبحت أكثر خطراً من دولة تحتل عاصمة العرب والمسلمين ولا تتوقف عن إهانتهم إما بشكل مباشر وإما من خلال حليفتها في واشنطن.
إذا معايير اليوم لا تشبه معايير الأمس، والبوصلة تحركت بعيداً عن مجالها ولم تعد تشير إلى القدس أو الجولان أو الاستيطان ولم يعد لها شمال توجه عقربها له. فكل العواصم أصبحت شمالا وكل الأحكام كذلك، وفي عصر انقلابها مع جنون السياسة من البيت الأبيض تجاه العرب الذين حري أن تتشح مقراتهم بالسواد لا أحد يسأل كيف يمكن إنهاء الاحتلال أو استعادة الجولان. فقط ما يجري هو تبرئة الذات بموقف عابر بالكلام لإقناع أمة لا تقرأ سوى الشعارات والكلام بعيدا عن الفعل والنتائج، النتائج أصبحت كارثية وكلما اقتربنا من الانتخابات الأميركية سيكون ما هو أسوأ.
ما العمل؟ هو السؤال الغائب عن دوائر صنع القرار العربي التي تنتظر ما سيصدر عن واشنطن وفقدت ثقتها بنفسها ولم يعد لديها سوى حكم شعوبها وإن اضطرت لدفع ثمنه وسط تلك المعادلة.
علينا أن نعترف أن المشكلة ليست في رئيس يقيس العالم بمنظور المصالح بل إن المشكلة في عواصمنا وسراديب سياستها التي فقدت قيمتها ووزنها ولونها ورائحتها حتى.
بقلم/ أكرم عطا الله