انتهت حفلة الانتخابات في إسرائيل ولم تحمل أياً من المفاجآت، فقد فاز اليمين كما كان متوقعاً تماماً ولن يجد نتنياهو صعوبة في تشكيل الحكومة. لقد كتبت هنا قبل شهرين في العاشر من شباط الماضي مقالاً بعنوان "بني غانتس لن يغير الخارطة" فإسرائيل سهلة القراءة اذا ما تمت متابعتها جيداً فهي دولة الأرقام ولها بصمة وهي بصمة الديمغرافيا والإنجاب، وكان واضحاً أن الكتلة في المجتمع الإسرائيلي تنزاح نحو اليمين، يتزامن ذلك مع انحسار لليسار، وكان التعبير الأبرز عن كل ما يحدث من انزياح هو انكماش الكيبوتس وتوسع المستوطنة.
تلك الكتلة الشعبية تعبر عن نفسها سياسياً وهو ما نراه منذ سنوات، واذا ما نظرنا الى سبعة عقود من عمر الدولة ففي العقود الثلاثة الأولى حكمها اليسار العلماني ثم استمرت كتلة اليمين في التزايد ليحدث قدر من التعادل بين الكتلتين في عقدي الثمانينات والتسعينات، كان التعبير الأبرز عنها هو حكومات الرأسين في الثمانينات، ثم مال الميزان تماماً لصالح اليمين في العقدين الأخيرين لنشهد حكومات يمينية كل واحدة منها أشد وأكثر تطرفاً من التي تسبقها. وستستمر إسرائيل على هذا النمط وها هي تشهد انحسار حزب العمل الذي عبر منذ التأسيس عن الكتلة الأشكنازية قليلة الانجاب.
ليس هذا هو الأهم في دولة صاعدة باتجاه واحد، لكن الأهم ما هي تأثيرات هذا المسار الثابت، وخصوصاً أن هناك قدراً من المصادفات تحيط برئيس الحكومة القادم رغم وراثته لليمين القومي وشراكته لليمين الديني، فهناك ما يدعو للقلق هذه المرة أكثر من المرات السابقة، وان كان كل ما سبق منذ حكم بنيامين نتنياهو كان يمهد بشكل واضح لهذه اللحظة.
هناك أسباب ثلاثة تدعو للخوف بعد هذه الانتخابات وكلها تجمعت دفعة واحدة تشير الى أن المشروع الإسرائيلي القادم في الضفة الغربية قيد التحقيق لم يبدأ المشروع الآن ولكن مقدماته كانت واضحة.
أول هذه الأسباب هو وجود رئيس أميركي يبدو كأنه موظف صغير لدى اليمين الإسرائيلي ولدى بنيامين نتنياهو، فسلوك الرئيس وتغريداته صحيح أنها أصغر كثيراً من حجم رئيس الدولة العظمى لكنها تعكس حجم ابتذال البيت الأبيض والتزلف لإسرائيل، وهو ما ظهر أيضا في شهادة وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو أمام احدى لجان الكونغرس تهرب من الإجابة حول ضم الضفة الغربية.
الثاني أن هناك موجة في اسرائيل ظهرت بشكل كبير في حملة الانتخابات لم تعد تخفي التوجه الصارخ لضم الضفة. والأكثر وضوحاً كان رئيس الوزراء نفسه، وعلينا أن نلاحظ غياب المناورات الكلامية السابقة لنتنياهو حين كان يتحدث عن رغبته بالسلام وعن غياب الشريك الفلسطيني، فقد توقف عن الكذب كما كان يفعل سابقاً، الآن الرجل أكثر وضوحاً، لم يعد يتحدث عن شريك بل عن ضم مستوطنات في الضفة وفرض السيادة الإسرائيلية عليها.
الثالث وهو الأهم هو ملفات الفساد التي أعدت لنتنياهو ويجري التحضير لمحاكمته بناء عليها. حيث مثلت هذه الجولة الانتخابية في حال نجاحه حبل النجاة له ولعائلته ولمستقبله السياسي. فقد عمل نتنياهو كل شيء من أجل أن يعود رئيساً للوزراء لأن في عودته ما يمكن أن يشكل مهرباً من المحاكمة، وهذا يستدعي حمايته كما يطمح من خلال سن قانون تحصين رئيس الوزراء، وهو ما لا يمكن تحقيقه إلا من خلال شركائه في اليمين وتلك نقطة ضعف كبيرة لدى نتنياهو، صحيح أنه تمكن الى حد ما من إعادة الليكود الى سابق عهده بتحقيق 36 مقعداً، وهو ما لم يعد مألوفا في إسرائيل بعد تكسر النظام السياسي فيها الى أحزاب صغيرة، ولكنه أكثر احتياجاً لشركائه لإنقاذ رأسه، لذا فهو مستعد للاستجابة لكل شروطهم مقابل ذلك وأخطرها الشروط السياسية.
أحد هؤلاء الشركاء هو اتحاد أحزاب اليمين أي حزب الاستيطان، هذا إذا ما تركنا بقية الأحزاب الدينية مثل شاس ويهدوت هتوراه والتي ترى في الضفة أرض التوراة، فلنا أن نتخيل المقايضة التي يمكن أن تتم مقابل حصانته وهي إعلان السيادة على الضفة مقابل دعمه في مشروع التحصين من المحاكمة، وبالأساس هذا الشرط ليس بعيداً عن قومية وفكر الليكود السياسي وإرث نتنياهو نفسه.
اذاً نحن أمام خطر حقيقي يجعل من هذه الحكومة أخطر الحكومات، وخصوصاً أن المناخات الأميركية والدولية والإقليمية مهيأة تماماً ليذهب نتنياهو الى أين يريد سواء وجود ترامب أو الصمت الأوروبي أو الحالة العربية، حيث يفاخر نتنياهو بأنه يمتاز بعلاقات متينة مع زعماء عرب لدرجة أنه يعرض عليهم تسلُّم قطاع غزة.
أما الحالة الفلسطينية فتعمل في مناخات شديدة الضعف وهي نفس الأجواء التي تعمل بها إسرائيل، سواء الرئيس الأميركي الداعم أو الحياد الأوروبي والعربي الجارح، ويضاف إليها وهو الأهم تفتت الكتلة السياسية والاجتماعية الفلسطينية والانقسامات السياسية والجغرافية والتي مهدت لكل هذا الخوف على المشروع الوطني، فإذا كان الحديث يدور عن فصل غزة وصفقة القرن فقد فعلها الفلسطينيون بأيديهم سواء باقتطاعها من قبل حركة حماس أو حتى تجاهلها أو دفعها من قبل السلطة، لكن الأهم هي حالة التناحر الداخلي التي تستشري بالجسد الفلسطيني الى حد لم يعد ممكناً إعادة توحيدها، وتلك نقطة الضعف الأبرز.
الملاحظة الأخيرة أن الانتخابات في إسرائيل تتصادف مع تشكل حكومة فلسطينية جديدة، هذه الحكومة ليس لها وهج كما كان في السابق، وليست جزءاً من النقاش العام، فلم تعد المؤسسات جميعها تحظى بهذا الاهتمام، لكن على الجانب الآخر علينا أن نراقب كيف يتشكل النظام السياسي وكيف يتم إقامة الحكومات لنعرف واحداً من أسباب الفقر السياسي لدينا ....لن نغير كثيراً ولكن لنعرف حقيقتنا وأمام من نقف ...!!!
بقلم/ أكرم عطا الله