صفقة القرن:- الشق الإقتصادي لتصفية الشق السياسي

بقلم: راسم عبيدات

البعض يعتقد بان إعلان الإدارة الأمريكية عن إنطلاق الشق الإقتصادي لما يعرف بصفقة القرن الأمريكية من العاصمة البحرانية المنامة في أواخر حزيران القادم،تحت شعار خادع ومضلل " السلام من اجل الإزدهار"،سيكون المقدمة من اجل طرح الشق السياسي من تلك الصفقة،وهم يوهمون العالم والعرب والفلسطينيين،بأن نجاح هذا الشق سيفتح الآفاق امام حل سياسي للقضية الفلسطينية،محولين بذلك قضية شعبنا الفلسطيني من قضية سياسية لشعب يرزح تحت نير الإحتلال الى قضية إنسانية،قضية مأكل وملبس وخدمات،وكأن هذا الشعب قدم وما زال يقدم التضحيات الجسام على مذبح الحرية والتحرير منذ الغزوة الصهيونية الأولى لفلسطين قبل مئة عام،لكي ينتهي به المطاف الى البقاء تحت "بساطير" الإحتلال،ولكي تمرر له حزم من المساعدات والمشاريع الإقتصادية عبر البوابتين الأمريكية والإسرائيلية،وبالتالي السلوك "الجيد "لهذا الشعب تحت الإحتلال يثاب عليه وتقدم له المساعدات والمشاريع الاقتصادية، والسلوك" السيء" المرتبط بالمقاومة والرفض لسياسات الإحتلال،يعني المعاقبة وعدم تقديم المساعدات والمشاريع الاقتصادية.

وقبل الغوص في التفصيل والتحليل،لا بد لنا من التساؤل لماذا اختارت الإدارة الأمريكية،عقد ورشتها المالية لتصفية القضية الفلسطينية من المنامة وليس من دبي أو الرياض،على غرار المؤتمر الذي عقد في الرياض في 20/ايار/2017،بما عرف بالقمة العربية - الإسلامية - الأمريكية،والتي كان الهدف منه توحيد العالم العربي- الإسلامي خلف زعامة السعودية،وان يكون هذا الحلف مصطفاً خلف "إمامة" ترامب وخاضعاً للهيمنة والإرادة الأمريكية بالكامل،بحيث يجري تدشين التطبيع العربي مع دولة الإحتلال بشكل علني،وان يجري تغيير جوهر الصراع من صراع عربي- اسرائيلي جوهره القضية الفلسطينية الى صراع إسلامي - اسلامي ( سني- شيعي)،بحيث تصبح ايران هي العدو لهذا الحلف والعنوان لهذا الصراع بدل دولة الإحتلال الصهيوني.

اعتقادي الجازم بأن الذهاب والخيار الأمريكي الى المنامة لكي تكون العاصمة التي ينطلق منها مشروع تصفية القضية الفلسطينية، مرتبط بأن للمنامة تاريخها وسجلها الحافل بالتطبيع والعلاقات مع دولة الإحتلال ما بطن منها في السر وما ظهر منها في العلن،فالبحرين هي من اغلقت مكتب المقاطعة الإسرائيلية في المنامة عام/2006،وهي من أرسلت في ذروة الصراع مع الإدارة الأمريكية حول قرارها بنقل سفارتها من تل ابيب الى القدس في عام2017،وفداً تطبيعيا الى دولة الإحتلال،والذي حاول زيارة القدس وغزة،ولكن مصيره كان الطرد،ولاحقاً قال وزير خارجيتها خالد بن احمد أكثر من مرة في عام 2018 ومطلع عام 2019 بأن الأولوية للصراع مع طهران والتكتل والتحالف العربي ضدها،فقضية القدس ونقل السفارة الأمريكية اليها قضية هامشية،ولا ننسى بان حكومة البحرين والعائلة المالكة آل خليفة،لا تحظى بقاعدة شعبية،وهي بحاجة للحماية الدائمة من أمريكا والسعودية،وهي لذلك ظفرت بهذا " الشرف" العظيم.

هناك من يقول بأنه حتى اللحظة لم يتم إعلان الشق السياسي من هذه الصفقة ولكن كل المعطيات والوقائع تقول بأن الخطوات والقرارات التي اتخذتها الإدارة الأمريكية وترجمتها الى أفعال على الأرض،هي خطوات سياسية،أليس تغيير المرجعيات الدولية الخاصة بالصراع الفلسطيني مع دولة الإحتلال،وما يتصل بها من قرارات دولية متعلقة بالقضية الفلسطينية،ليستعاض عنها بمرجعية امريكية تشطب وتلغي تلك القرارات،هي خطوات سياسية...؟؟؟

فماذا نسمي نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب الى القدس والإعتراف بها عاصمة لدولة الإحتلال،وقبر حل الدولتين وتشريع ضم المستوطنات،واجزاء واسعة من الضفة الغربية،وشطب وتصفية قضية اللاجئين،حيث كشف مهندس صفقة القرن الأمريكية جيسون غرينبلات في اجتماع امس لمجلس الأمن الدولي،عن ان الأدارة الأمريكية ستعمل على تصفية وكالة الغوث واللاجئين الفلسطينيين " الأونروا"،وستنتقل المسؤولية عن اللاجئين الفلسطينيين الى الدول المضيفة لهم وكذلك للمؤسسات الدولية غير الحكومية....وهذا يعني الغاء حق العودة لأكثر من نصف الشعب الفلسطيني الذي طرد وشرد قسراً من أرضه بعد نكبة عام 1948 على يد العصابات الصهيونية،وبان هذه الوكالة يجب ان لا تبقى شاهداً على جرائم الإحتلال،وان لا تتحمل اسرائيل مسؤولياتها الأخلاقية والسياسية تجاه نكبة شعبنا الفلسطيني،وليس هذا فقط فالرؤية والإستراتيجية الأمريكية الجديدة تقوم على تجويف قرارات الشرعية الدولية وهدم مؤسساتها وعدم اعطائها صلاحية التشريع،ولكي يصبح الكونغرس الأمريكي هو المشرع بدلاً من المؤسسات الدولية،فعلى سبيل المثال لا الحصر قرارات الشرعية الدولية وحتى الإدارات الأمريكية المتعاقبة،كانت لما قبل إدارة المتصهين ترامب، ترى بان الحل للقضية الفلسطينية يقوم على اساس دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران 1967 وعاصمتها القدس،وضمان حق العودة لللاجئين الفلسطينيين،وبان الجولان العربي السوري،هي اراضي سورية محتلة،ولكن هذه الإدارة الأمريكية شطبت مرجعيات الصراع،والعنت اعترافها بالقدس عاصمة لدولة الإحتلال،واعترفت بالسيادة الإسرائيلية على الجولان السوري المحتل.

أمريكا وقوى الإستعمار الغربي،منذ بداية زرع هذا الكيان الصهيوني في قلب الأمة العربية،وهي ترعاه وتوفر له كل مقومات الدعم والبقاء والقوة عسكرياً واقتصادياً،وبعد أن نجحت الإدارة الأمريكية في تثبيت دولة الاحتلال،وفي ظل الظروف المؤاتية،والتي يشهد فيها النظام الرسمي العربي،حالة غير مسبوقة من الإنهيار،وحالة ضعف فلسطيني سببها التشظية والإنقسام،وجدت بان الفرصة سانحة لتطبيع علني وشرعي عربي مع دولة الاحتلال،وهي التي ستكون مشاركة في الورشة المالية في المنامة الى جانب أغلب الدول العربية،وبما يجعل منها قوة إقليمية مهيمنة على المنطقة اقتصادياً وعسكرياً،ولذلك الهدف الثاني لهذه الورشة المالية،بعد الهدف المركزي المتمثل بشطب وتصفية القضية الفلسطينية،هو شرعية الإعتراف العربي بدولة الإحتلال ،بحيث تصبح مكون طبيعي من جغرافيا المنطقة.

صحيح القيادة الفلسطينية والقوى والفصائل والجماهير الشعبية ،تبدي ممانعة ورفضاً لما يسمى بصفقة القرن الأمريكي،وهي العامل الرئيسي في إنجاحها ورفضها،ولا يمكن أن يكون هناك عرس بدون عريس،ولكن الرفض لوحده لا يكفي،بل نحن بحاجة الى البديل،بديل سياسي اقتصادي أمني تنظيمي وكفاحي،بديل يقوم على أساس الإستراتيجية الموحدة،بقبر وتجاوز مرحلة أوسلو والخروج من هذا المسار بشكل نهائي،بما يوقف التنسيق الأمني ويلغي اتفاقية باريس الاقتصادية ويسحب الإعتراف بدولة الاحتلال،ويوجد قيادة قائمة على الشراكة الجماعية الحقيقية في القرار والقيادة قادرة على حمل المشروع الوطني والتصدي لكل المشاريع والمؤامرات المشبوهة المستهدفة تصفية قضيتنا ووجودنا بكل أشكاله.

بقلم/ راسم عبيدات

فلسطين – القدس المحتلة

23/5/2019

[email protected]

0525528876