جولة تصعيد قاسية دفعت فيها غزة (32) شهيداً، وتدميراً لعمارات وبيوت فوق رؤوس أهلها، وحققت المقاومة نقاط أعلى في إيلام الاحتلال ثبتت بها معادلة توازن الردع، مشهد مكرر في سياق تفاهمات تهدئة تحت القصف، وفي إطار تعزيز توازن الردع.
نتنياهو تتملكه رغبة المناورة في تنفيذ التفاهمات والتأجيل والتسويف وكسب الوقت، وخاصة في بند إدخال الأموال عساه يتجنب ملف غزة عن طاولة مفاوضات تشكيل حكومته، أو على الأقل منحها وزناً أقل في ظل إصرار ليبرمان على استحضارها له كنقطة ضعف.
هذا التلكؤ من نتنياهو ينعكس على موقف الأطراف في ظل قبضة ترمب الثقيلة على المشهد العربي، فيبدوا تردد نتنياهو تباطؤ في إدخال الأموال وتسويف في تطبيق التفاهمات وتراخي في إلزام الاحتلال بالبنود التفاهمية لتخفيف الحصار عن غزة.
دولة الاحتلال تقرأ التخفيف عن غزة استراتيجيًا يمثل حل مؤقت باعتبار المدخل الاقتصادي والإنساني الأكثر ملائمة للعلاج في هذه المرحلة، مع مواصلة التلويح بالخيار العسكري وديمومة الجهوزية لتوجيه ضربات لغزة تمثل جولات تصعيد تمنح تفاهمات التهدئة مذاق الدماء ليعزز مشهد تفاهمات تحت النار.
الشارع الغزي يضيق ذرعًا بتفاهمات لا يرى منها إلا النزر اليسير، بينما يتعطل جوهرها، مع وعي بتلكؤ الاحتلال، ولكن مخزون الصمود في ظل سياسة الانتظار المرهقة يعتبرها أهل غزة موتًا بطيئًا.
انفجار غزة تهديد خطر يتنفس قليلاً عبر مسيرات العودة بتوجيه هذا الانفجار نحو الاحتلال، ومنح التفاهمات ورقة قوة ثمينة كان مطلبًا واضحاً إيقافها في جولة التصعيد الأخيرة.
علاوة على جولات التصعيد والتي كانت أقساها الأخيرة، والتي تغمس التفاهمات بمزيد من الدماء الفلسطينية، ولكن دون الوصول إلى التزام الاحتلال وأطراف الوساطة لجدول زمني ملزم بتطبيق تفاهمات تحت النار.
خلط أوراق التفاهمات يربكه إدراج مصري لملف المصالحة في ثناياه، على قاعدة أساس أن تطبيق هذه التفاهمات يحتاج بوابة الشرعية وفق المقاس الدولي.
ورغم القناعة المصرية تتزايد أن تعطيل المصالحة مسؤولية عباس إلا أن محاولات استعادة دور عباس في غزة عبر تطبيق تفاهمات يعتبره البعض مدخلاً ضاغطاً على المقاومة للاستجابة.
والمضي في وساطة التفاهمات كرغبة للاحتلال متحررة من عودة الشرعية يأتي في محطات التصعيد كاستجابة لضغط الميدان، مما يعزز مشهد تفاهمات تحت النار، فضلاً عن خشية مصرية فقدان دور الوسيط لصالح تركيا أو قطر
تفاهمات تحت النار تمضي ثقيلة ومغمسة بالدماء الطاهرة، وما بين تصعيد محسوب يمثل ضغطًا على الاحتلال للإلتزام بتطبيق التفاهمات، وحضور غزة الوازن على طاولة نتنياهو، وسياسة المراوغة لكسب الوقت على قاعدة تسكين جبهة الجنوب، وبقاء غزة رأسها فقط فوق الماء دون الانفجار، يمضي مشهد غزة في ظل تفاهمات تحت النار.
حتى تصل الأمور إلى لحظة التطبيق الكامل للتفاهمات وتحقيق انفراجة حقيقة، أو تصل لتصعيد يخرج عن استراتيجية حافة الهاوية نحو حرب ستكون الأكثر دموية، سؤال يرسم الإجابة؟
والليالي حُبلى وستلد كل جديد وغريب.
" وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ" (يوسف: 21)
بقلم/ د. محمد المدهون