وقع تحالف «قوى الحرية والتغيير» والمجلس العسكري في الخرطوم بالأحرف الأولى على «اتفاق سياسي» (17/7)، في إطار الاتفاق لتقاسم السلطة وتحقيق الانتقال الديمقراطي. وجرى التوقيع بحضور وسيطين أفريقيين بعد ليلة محادثات ماراثونية، للانتهاء من بعض تفاصيل الاتفاق الذي تم التوصل إليه في وقت سابق. ولا يزال الجانبان يتفاوضان بشأن «إعلان دستوري» يتوقع أن يتم توقيعه قريباً.
وقال محمد الحسن ولد لبات، المبعوث الأفريقي إلى السودان، بأن الاتفاق «يمثل خطوة حاسمة في مسار التوافق الشامل بين الجانبين ويفتح عهداً جديداً ويسهل الطريق للخطوة الثانية».
في غضون ذلك، حرصت الوساطة الأفريقية الإثيوبية المشتركة على تجاوز العقبات التي اعترت تفاصيل الاتفاق، وسعت إلى تسريع خطوات التوقيع رسمياً لقطع الطريق على التحركات الرامية إلى إفشاله من جانب بعض الأطراف. وكان المجلس العسكري أعلن مساء 11/7، أن اللجنة الأمنية أحبطت محاولة انقلابية جديدة، لم يحدد موعدها بالضبط، لتقويض الاتفاق والتفاهم مع المعارضة، قامت بها مجموعة من الضباط وضباط الصف!.
ورأى مراقبون أنّ توالي الإعلان عن إحباط محاولات انقلابية ينطوي على رسائل إلى القوى الداخلية والخارجية، على أن «المجلس العسكري» هو الجهة الوحيدة القادرة على إدارة المرحلة الانتقالية من دون مشاكل أمنية وسياسية تؤدي إلى انتكاس التغيير.
وأضاف المراقبون أن هناك طرفاً ثالثاً يتمثل في الحركة الإسلامية وروافدها الممتدة في الجيش وباقي أجهزة الدولة، لن يتوقف عن السعي إلى إفشال الاتفاق، فضلاً عن أنه «يقوض محاولات المجلس العسكري فرض الاستقرار داخله».
وكانت قوى «الإجماع الوطني»، أحد أكبر مكونات قوى إعلان الحرية والتغيير، أعلنت أن وثيقة الإعلان الدستوري «لا تتناسب مع تأسيس دولة مدنية حقيقية». وقالت في بيان صدر بعد اجتماع مطول حضره الحزب الشيوعي (13/7)، إنّ ما جاء في الوثيقتين (السياسية والدستورية) «يُجهض فكرة مشروع إعلان الحرية والتغيير لإدارة الفترة الانتقالية».
وأصدر الحزب الشيوعي بياناً منفصلاً رفض فيه «وثيقة التفاوض» التي قدّمها الوسطاء الأفريقي والإثيوبي، وأعلن «عدم مشاركته في أي مستوى من مستويات الحكم»، داعياً السودانيين إلى التمسك بالثورة ومطالبها.
«الاتفاق ناقص ولكن..»!
وفي حوار مع صحيفة «الجريدة»، كان صديق يوسف، القيادي بالحزب الشيوعي السوداني، وعضو وفد التفاوض في قوى الحرية والتغيير، كشف أنّ من أبرز التحديات التي تواجه الاتفاق بقاء واستمرار مكونات الدولة العميقة التي أسسها النظام البائد، والتي تسيطر على كل مفاصل الدولة. وقال إن المطلب الأساسي للثوار يتعلق بتشكيل «لجنة مستقلة دولية» للتحقيق في أحداث فضّ الاعتصام، إضافة إلى «إيجاد ضمانات تعزّز من مدنية الفترة السياسية المقبلة».
وتطرق يوسف إلى نواقص الاتفاق والضمانات لتنفيذه ومستقبل العلاقة مع العسكر خلال الفترة الانتقالية، مشيراً إلى أنّ قوى الحرية والتغيير أكدت في الاجتماع المشترك مع المجلس العسكري بحضور وفد الوساطة الأفريقية، على قضايا مثل إلغاء العقوبات التي تم توقيعها على عدد من العاملين الذين شاركوا في الاحتجاجات والإضرابات، وعدم الاعتداء على الحريات العامة، وسحب المظاهر العسكرية المسلّحة من الشوارع.
وأشار إلى بقاء بعض المسائل معلّقة، مثل مسألة «منح الحصانة للمجلس العسكري الانتقالي» التي يرفضها الحراك الجماهيري، ونسبة تمثيل قوى الحرية والتغيير في المجلس التشريعي والسلطات الممنوحة له، إضافة إلى كيفية اختيار رئيس للوزراء، ومسألة هيكلة قوات الأمن والمخابرات.
تحديات المرحلة الانتقالية
وأكّد يوسف على أنه في قضايا التحول الديمقراطي، لا بدّ من مراجعة كلّ القوانين المقيدة للحريات والمخالفة لمواثيق حقوق الإنسان، وتعديلها بما يتوافق مع مقومات البناء الديمقراطي، علاوة على مليشيات النظام البائد المسلحة المختلفة.
وأوضح أسباب قبول التحالف إرجاء التفاوض في قضية المجلس التشريعي، على أساس أنّ من يضع قوانين تشكيل المجلس التشريعي ونسبة المشاركة فيه وعدد الأعضاء هو مجلس الوزراء بالتشاور مع مجلس السيادة، مشدّداً على أنّ لا تنازلاً في هذا الخصوص باعتبار أنّ لقوى الحرية الأغلبية في مجلسي السيادي والوزراء.
ولفت في هذا الخصوص إلى أنّ «العناصر والمجموعات الإسلامية تسيطر على مقومات ومفاصل الاقتصاد السوداني»، ويُعد ذلك من أبرز تحديات الفترة الانتقالية كذلك. كما تعدّ قضية الحرب والسلام من التحديات الأساسية، إذ لا بدّ من التوصل لاتفاق سلام مع حملة السلاح ومعالجة آثار الحروب وقضايا النزوح واللجوء والتعويضات الفردية والجماعية، إضافة إلى قضية تحقيق العدالة ومحاسبة كل من ارتكب جريمة في حق الشعب السوداني.
وأوضح يوسف أن الانقسامات داخل «الحرية والتغيير» مرتبطة باختلاف الآراء، ما بين «تجمع المهنيين» والحزب الشيوعي وبعض القوى الأخرى، التي تطالب بتحقيق مطالب الثورة وتلبية مطالب الشارع، وبين أنصار «التغيير الناعم» الذين يميلون إلى «سياسة التفاوض الطويل والمكاسب الصغيرة»، في ما بدا إشارة إلى حزب «الأمة القومي» بقيادة الصادق المهدي.
فؤاد محجوب