وضع التوقيع على الاتفاق السياسي في السودان (17/7)، الأطراف المعنية والمشاركة فيه على أعتاب «مرحلة انتقالية حاسمة» أشبه باختبار للجميع؛ للقوى المحلية الموقعة عليه، مثلما للقوى الدولية والأفريقية والإقليمية المشاركة فيه أو الداعمة له، ومدى قدرة ورغبة هؤلاء جميعاً في الحفاظ على الاتفاق، الذي يبقى في نظر كثيرين «هشاً في أرض مزروعة بالألغام»، وتحفل بالكثير من العراقيل التي خلّفها النظام السابق، وأبرزها «مجتمع منقسم على نفسه بسبب خلافات سياسية وعقيدية وقبلية عميقة».
وعلى رغم أن الاتفاق تخطّى قدراً كبيرا من الخلافات السياسية بين الطرفين الموقعين؛ المجلس العسكري الانتقالي وقوى الحرية والتغيير، لكن المراقبين أبدوا خشيتهم فوراً من إمكان تأجيل إقرار الإعلان الدستوري، وهو ما حصل بالفعل، بسبب الفجوة الكبيرة بين رؤى الطرفين وصياغات كل منها لبنود الدستور المؤقت.
ويرى البعض أن من أهم القضايا الخلافية في الإعلان الدستوري المنتظر مسألة حصانة مجلس السيادة وصلاحياته، إذ تصرّ القوى المدنية على أن يكون النظام برلمانيا ومن ثم تكون الصلاحيات أغلبها بيد مجلس الوزراء والمجلس التشريعي، في حين يرى المجلس العسكري ضرورة وجود مهام موازية للمجلس السيادي، إضافة إلى تمتع أعضائه بحصانة مطلقة، وهو أمر يرفضه ائتلاف «الحرية والتغيير».
كما ترفض قوى الحرية والتغيير تدخل مجلس السيادة للاعتراض على أسماء الوزراء باستثناء الدفاع والداخلية، وهو ما يواجه رفضا مقابلا من المجلس العسكري، وهنالك كذلك مسألة تعيين الولاة وتشكيل الهيئات القضائية والمحاكم الدستورية والعليا، التي يسعى المجلس العسكري لأن تكون خاضعة لسلطات مجلس السيادة.
موقف الحركات المسلحة
وإلى جانب ملاحظات واعتراضات قوى الإجماع الوطني والحزب الشيوعي على الاتفاق السياسي الذي تمّ التوقيع عليه، أعلنت «الجبهة الثورية»، (التي تضم كلاً من حركة العدل والمساواة، وحركة تحرير السودان- جناح أركوي ميناوي، والحركة الشعبية لتحرير السودان- قطاع الشمال/ جناح مالك عقار)، وهي تنضوي ضمن تحالف «نداء السودان»، العضو البارز في قوى الحرية والتغيير، تحفظها على الاتفاق أيضاً، واعتبرته لا يلبّي التطلعات في تحقيق السلام الشامل في البلاد.
وإثر ذلك، شرعت قوى الحرية والتغيير بإجراء مفاوضات في أديس أبابا مع الحركات المسلحة، لبحث تحفظاتها على الاتفاق، (وكان هذا من أسباب تأجيل التوقيع على الإعلان الدستوري)، إضافة إلى الرغبة بالعمل على تحقيق السلام الشامل في دارفور ومنطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان، بالتشاور مع كافة الحركات المسلحة، وعدم تكرار تجربة انفصال الجنوب في هذه المناطق.
يذكر أنه منذ عام 2003 يشهد إقليم دارفور قتالاً بين الحكومة السودانية وحركات متمردة، خلّف أكثر من 300 ألف قتيل، ونحو 2,5 مليون مشرّد من أصل 7 ملايين نسمة، وفق الأمم المتحدة.
ومنذ حزيران/ يونيو 2011، تخوض (الحركة الشعبية/ شمال) تمردا مسلحا في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق، أدّى إلى تضرر نحو مليون و200 ألف شخص، حسب الإحصائيات الأممية.
وتطالب الحركات المسلحة بجملة من النقاط بينها أن تكون طرفا في إدارة المرحلة الانتقالية، وأن تتصدر عملية السلام في مناطق النزاع المسلح أهداف الحكومة المقبلة، فضلاً عن محاسبة الأطراف المتورطة في النزاع، وبعضها ممثل في المجلس العسكري على غرار قوات الدعم السريع، التي يتولى قائدها محمد حمدان دقلو المعروف بحميدتي منصب نائب رئيس المجلس، وكان من قام بالتوقيع على الاتفاق السياسي.
اجتماعات «أديس أبابا» والملحق السياسي؟
واتفق الجانبان على تشكيل لجنتين؛ الأولى تكون مهمتها إعادة الهيكلة السياسية لقوى الحرية والتغيير من الداخل بما يسمح بتمثيل كافة الأطراف الموجودة داخلها باللجان التنسيقية والتفاوضية لتمثل المرجعية الأساسية للتواصل مع جميع الأطراف الخارجة عنها. والثانية لمناقشة رؤية السلام التي طرحتها الجبهة الثورية تمهيدا للوصول إلى توافق بشأنها ومحاولة إلحاق بنودها بالإعلان الدستوري.
يضاف إلى ذلك مسألة إيجاد صيغة توافقية لإدراج ما تتوصل إليه تلك الاجتماعات، كبنود ملحقة في الاتفاق السياسي، ما يعني إمكانية الوصول إلى ما يمكن تسميته بـ«ملحق سياسي»، يحمل رؤية مشتركة بين الحرية والتغيير والجبهة الثورية، على أن يتم عرضه بوساطة الاتحاد الأفريقي على المجلس العسكري، تمهيدا لإلحاقه ودمجه بالاتفاق السياسي، من دون أن يمسّ ذلك بالنقاط الأساسية التي قام عليها الاتفاق الموقّع. هذا فضلاً عن توافق الطرفين على بنود مشتركة بشأن الإعلان الدستوري لتلافي ما حدث سابقاً.
وعلى ذلك، طرحت اجتماعات أديس أبابا جملة تساؤلات؛ أهمها حول ما إذا كان إدخال تعديلات على الاتفاق السياسي أمراً ممكناً أم لا؟ وهل سيقبل المجلس العسكري بذلك أم سيرفضه؟ وهل سيتم التعامل مع رؤية السلام التي من المتوقع أن تصل إليها الأطراف المجتمعة في أديس أبابا ضمن الإعلان الدستوري أم ستكون منفصلة عنه؟
وإلى ذلك، كانت اجتماعات أديس أبابا أثارت كثيراً من المخاوف من أن الأطراف المشاركة فيها «تتصارع على كراسي السلطة». ونقلت وسائل إعلام محلية أن «الحركات المسلحة تسعى للحصول على مناصب في الحكومة الانتقالية، وأنها تمارس «ابتزاز» لقوى الحرية والتغيير»!.
وفي الغضون، كشفت مصادر سياسية سودانية أن القوى المنتمية إلى الحركة الإسلامية في السودان ضاعفت من تحركاتها لعرقلة المفاوضات وافشال الاتفاق السياسي الموقع، وذلك لمنع تحقيق انتقال سياسي يخلو من مشاركة الحركات الإسلامية، ناهيك عن إمكانية محاسبة بعضها على ما ارتكبته من فساد وخروقات خلال فترة حكم الرئيس المعزول عمر حسن البشير.
بقلم/ فؤاد محجوب