ظهر نتنياهو مسروراً في المؤتمر الصحفي القصير جدا الذي عقده على هامش إفتتاح مكتب البعثة التجارية لهندوراس في القدس. فقد تزامن هذا النصر الدبلوماسي لنتنياهو مع التصعيد على الجبهة الشمالية إثر رد حزب الله على الاعتداءات الاسرائيلية الأخيرة وتحديدا تلك التي أودت بحياة اثنين من مقاتلي حزب الله في الضاحية الجنوبية بلبنان ... الجميع كان ينتظر من نتنياهو أن يقول شيئا مهماًّ، ولكن تصريحاته كانت جدّ مقتضبة وعابرة مع لغة جسد توحي بالارتياح الشديد . وكل ما قاله : "لا توجد إصابات ولا خدش ونحن مستعدون لأية سيناريوهات .." .
من الواضح ان اسرائيل كانت مستعدة ومتوقعة لرد"حزب الله" سيرد الذي أعلن مسبقاً نيته بتوجيه ضربة مدروسة . والحقيقة أن الضربات الاسرائيلية وردود حزب الله كانت بميزان حساس للغاية، كلُّ يسوق الرواية من وجهة نظره ومصلحته . ولكن هل ستقف الامور عند هذا الحد؟ وما الذي يمنع من نشوب حرب شاملة ؟ ما يحدد بدء أية حرب ثلاثة أمور: التوقيت والظروف وأصحاب القرار . في اسرائيل: رئيس الوزراء هو وزير الدفاع وزعيم الحزب الأكبر أي ثلاثة في واحد. والتوقيت هو زمن انتخابات على أشدّها . أما الظروف فهي فترة فائض قوة وغرور لم تمر بها اسرائيل من قبل.
على الجهة الأخرى : الجبهات الثلاثة التي تصعد فيها اسرائيل هي في الحقيقة عبارة عن جبهة واحدة تتزعمها ايران ذات الأذرع المختلفة. وإيران تحتل الأولوية الأولى في الأجندة الأمنية الأسرائيلية . وقرار ضرب المنشآت النووية الايرانية والحد من قدراتها العسكرية هو قرار مسبق وهدف قديم جديد للعقلية العسكرية في اسرائيل موجود في أدراج المطبخ السياسي والعسكري والاستخباراتي الاسرائيلي . ولكن بناء على الخبرة التاريخية للقرارات الاسرائيلية، فإن إسرائيل لا تريد الذهاب وحدها في حرب ضد ايران، بل تريد من الولايات المتحدة والدول الحليفة القيام بهذه المبادرة . بينما هي من جانبها تعمل بجهد كبير، من خلال ادواتها في واشنطن،على تسخين البيئة المواتية. تارة بالتهويل من الخطر الايراني، وتارة بالدفع نحو تضييق الخناق على طهران عبر تشديد العقوبات الاقتصادية لتحفيز غضب إيران وجرها لاتخاذ أية خطوات، قد تكون استفزازية للولايات المتحدة واسرائيل والعالم ، ومن ثمّ تشكيل تحالف كفيل بإشعال مواجهة عسكرية مع ايران.
المسألة اليوم تختلف عن حرب 2006 بين اسرائيل وحزب الله، ففي ذلك الوقت ورغم بشاعة المشهد استمرت الحرب محصورة بين أهداف الطرفين. أما اليوم اسرائيل تستبيح ثلاثة عواصم عربية دمشق وبيروت وبغداد بهجمات معلنة ، وهي ثلاثة بلدان تعاني من سيولة امنية شديدة وتلعب فيها ايادي كثيرة وخلايا مسلحة ما انزل الله بها من سلطان .
ارتياح نتنياهو مرده إلى أنه أصاب هدفين على المدى القريب :
الأول: هو النجاح في استفزاز حزب الله وجره إلى رد كانت اسرائيل متأهبة له، مع حرب نفسية وتهديد عالي الصوت على لبنان بتحطيم الاخضر واليابس إذا تمادى حزب الله في رده . الأمر الذي جعل رئيس الحكومة سعد الحريري يتحرك بسرعة شديدة مع عواصم عالمية .
والثاني: رصيد بنك التصويت الانتخابي، فقد استطاع نتنياهو تحقيق معادلة التفاف جميع الاحزاب والمنافسين حول "سيد الأمن" وبات الجميع يتحدث عن أمن اسرائيل فقط ضد هجمات حزب الله "الارهابية" حسب تعبيرهم! وبهذا نجح في الابقاء على حالة اللاسلم واللاحرب التي تضمن له تسويق خطابه الانتخابي على الدوام .
عموماً إن منطقة الشرق الاوسط ككثبان الرمال لا يضمن أحد فيها السير بسلام وهو يلعب بالنار، وما بين عقيدة المقاومة وتخمة القوة الاسرائيلية يتصاعد شبح الحرب القادمة التي لا مفر منها ولا تنفع معها ضربات مدروسة...
بقلم/ د. اماني القرم