قراءة في تقرير الأونكتاد الذي يحذر من إنهيار وشيك للاقتصاد الفلسطيني

بقلم: ماجد أبودية

تحظى "الأونكتاد"، مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية، باهتمام كبير، كونها الهيئة الرئيسية التابعة للأمانة العامة لهيئة الأمم المتحدة في مجال التجارة والتمويل، اذ تضم في عضويتها حوالي 188 دولة، تساعدهم على الاستقرار الاقتصادي، وتقيس من خلالهم التقدم المحرز في تحقيق أهداف التنمية، واتساق السياسات على المستوى العالمي.

من هنا تبدو أهمية التقارير الصادرة عن هذه المنظمة، التي ترصد الأوضاع الاقتصادية في البلدان، وتوضح أسباب التباطؤ والركود فيها، وهذا كان أهم ما جاء في التقرير الأخير الذي عرضت نتائجه اليوم الثلاثاء في مؤتمر صحافي عقد في مقر معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني "ماس" برام الله، حيث حذر التقرير من انهيار وشيك للاقتصاد الفلسطيني، بسبب زيادة وإحكام قبضة الاحتلال، وخنق الاقتصاد المحلي في غزة، وتراجع الدعم المقدم من المانحين بنسبة 6% بين عامي 2017 و2018، وتدهور الحالة الأمنية، وانعدام الثقة بسبب الآفاق السياسية القاتمة، ولعل هذا التقرير الذي يحمل إدانات واضحة للاحتلال الإسرائيلي الذي يحرم الشعب الفلسطيني من استغلال موارده من النفط والغاز الطبيعي في قطاع غزة والضفة الغربية، مما ألحق بالاقتصاد الفلسطيني خسائر متراكمة بمليارات الدولارات، وتكريس تبعية الاقتصاد الفلسطيني لإسرائيل، من خلال عزل الشعب الفلسطيني عن الأسواق العالمية، واجباره على الاعتماد على إسرائيل، حيث أنه ما نسبته 80% من صادرات الشعب الفلسطيني تذهب إلى الأسواق الإسرائيلية، وما نسبته 58% من وارداته، أيضا من الأسواق الإسرائيلية، وهذا من شأنه أن يبقى فجوة التجارة الخارجية مع إسرائيل التي تتراوح بمتوسط 400 مليون دولار، بشكل دائم.

وقد أشار التقرير بكل وضوح إلى أهم القطاعات الإنتاجية التي يفرض عليها الاحتلال قيوداً متعمدة تحت ذريعة مواد ثنائية الاستخدام مثل الأسمدة والمبيدات والمواد الخام، وهما قطاعي الزراعة والصناعة، حيث انخفضت حصة الزراعة والصيد من 12% إلى نسبة زهيدة تقل عن 3% من الناتج المحلي،  وما يترتب على ذلك من عجز تجاري ضخم يؤثر سلباً على النمو الاقتصادي، وما يعني أن هناك فرصاً كبيرة للاستثمار في هذان القطاعين وزيادة نسبة المساهمة في الناتج المحلي الإجمالي، ودورهم الكبير في التشغيل وامتصاص البطالة ومحاربة الفقر، فيما لو تم الضغط على إسرائيل وإجبارها على فتح كل المعابر التجارية ودخول شتى أنواع البضائع دون قيود أو شروط مسبقة و السماح بتسويق وتصدير جميع أنواع المنتجات الصناعية و الزراعية من قطاع غزة إلى أسواق الضفة الغربية و العالم الخارجي.

أما فيما يخص الصدمة المالية التي تعانيها الحكومة الفلسطينية جراء أزمة المقاصة مع إسرائيل، فقد كانت سبباً في التدهور غير المسبوق في الظروف الاجتماعية والاقتصادية، حين أقدمت الحكومة الفلسطينية على تبني خطة طوارئ بموجبها قلصت الرواتب إلى مادون النصف، والقيام بتخفيضات مؤلمة للمساعدات الاجتماعية المقدمة لأشد الفئات فقراً، مما دفع بمعدلات الفقر إلى مستويات مقلقة عالمياً حيث تجاوزت النصف، وكذلك ارتفاع معدلات البطالة خاصة أوساط فئة الشباب والخريجين.

وهذا كان دافعاً لأن يتنبأ التقرير أن التوقعات الاقتصادية لفلسطين على المدى القصير، ستبدو أكثر قتامة.

إن هذا التقرير بمثابة شهادة حية من جهة دولية أممية حيادية، تدعم توجه السلطة الفلسطينية إلى المحكمة العليا للتحكيم الدولي للفصل في قضية الاستقطاع من أموال المقاصة التي تقوم بجبايتها إسرائيل لصالح السلطة كما أن التقرير يعترف بحقوق الفلسطينيين في مواردهم الطبيعية من نفط وغاز وأراضي صالحة للزراعة لم تستغل، ويعيد التركيز على بروتوكول باريس الاقتصادي، الذي كان سبباً في تكريس تبعية الاقتصاد الفلسطيني لإسرائيل، وجعل من السوق الفلسطيني رابع أكبر سوق عالميا للصادرات الاسرئيلية، مماعمق فجوة التجارة الخارجية، وأتاح مجالاً كبيراً أمام إسرائيل لفرض المزيد من القيود على السلع والمواد الخام تحت ذرائع كثيرة، منها ثنائية الاستخدام، وهذا مدعاه للحكومة الفلسطينية، بأن تعجل من إجراءات الانفكاك الاقتصادي، وتنفيذ قرارات المجلس الوطني في دورته الـ 29، بالتحرر من التبعية الاقتصادية التي كرسها بروتوكول باريس الاقتصادي.

 

-------

بقلم الباحث الاقتصادي/ ماجد أبودية