انطلقت الحملات الانتخابية (2/9)، في السباق للوصول إلى قصر قرطاج التونسي بإعلان المرشحين عن برامجهم وإطلاق حملات الدعاية عبر وسائل التواصل الاجتماعي لحشد الناخبين للتصويت لهم في الانتخابات المقرّرة في الـ 15 من الشهر الجاري، والتي تمثل اختبارا جديدا للديمقراطية الناشئة في البلاد. وفي اليوم الأول لهذه الحملات، برزت التحديات الأمنية مجدّداً مع إعلان الأجهزة الأمنية عن مقتل شرطي وثلاثة مسلحين (إسلاميين) في تبادل لإطلاق النار في بلدة حدودية مع الجزائر.
عدد كبير من المرشحين!
وكانت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات أعلنت (31/8)، القائمة النهائية للمرشحين المقبولين في هذه الانتخابات المبكرة، وقد ضمّت 26 اسماً بينهم امرأتان، وهم؛ منجي الرحوي (حزب الجبهة الشعبية)، محمد عبّو (التيار الديمقراطي)، عبير موسي (الدستوري الحر)، نبيل القروي (قلب تونس)، محمد لطفي المرايحي، المهدي جمعة (البديل التونسي)، حمادي الجبالي (مستقيل من النهضة)، حمّة الهمامي (تحالف الجبهة الشعبية)، محمد المنصف المرزوقي (رئيس سابق)، عبدالكريم الزبيدي، محسن مرزوق (مشروع تونس)، محمد الصغير نوري، محمد الهاشمي الحامدي، عبدالفتاح مورو، عمر منصور، يوسف الشاهد، قيس سعيّد، إلياس الفخفاخ (التكتل الديمقراطي)، سليم الرياحي، سلمى اللومي (أمل تونس)، سعيد العايدي (وزير الصحة السابق)، أحمد الصافي سعيد، الناجي جلول (قيادي سابق في «نداء تونس»)، حاتم بولبيار (قيادي سابق في النهضة)، عبيد البريكي (حركة تونس إلى الأمام)، سيف الدين مخلوف (سلفي).
ويمثل هؤلاء المرشحون خمسة تيارات سياسية، تشمل التيار اليساري، والتيار الليبرالي، والتيار الإسلامي، والتيار الوسطي، والتيار الشعبوي. وإذا كان الاستقطاب السياسي في «تونس 2011» تمحور بين من هم مع الثورة ومن هم ضدها، وتحوّل في العام 2014 إلى ثنائية إسلامي وعلماني، فيُرجّح في الوقت الراهن أن تلقي الأزمة الاقتصادية والاجتماعية في البلاد بظلالها على هذه الانتخابات، فضلاً عن الانقسام بين من يدعم النظام السياسي القائم ومن هو ضده، علماً أنّ إرث الرئيس التونسي الراحل، الحبيب بورقيبة، يمثّل رمزاً قويا للرؤية والقيادة لدى العديد من المرشحين في هذا السباق الانتخابي.
ويعكس العدد الكبير للمتنافسين مدى التنوع والتعدد في التمثيلات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية المختلفة في البلاد، والتي يرغب معظمها في طيّ صفحة المرحلة الانتقالية الصعبة التي أعقبت انتفاضة يناير 2011، والدخول في مرحلة من الاستقرار السياسي وتكريس العمل والجهد لتحسين أوضاع التونسيين الاجتماعية والاقتصادية.
يُذكر أنه على رغم التقدّم الكبير الذي حقّقته تونس في المسار الديموقراطي منذ سقوط نظام زين العابدين بن علي، إلاّ أنّ الأوضاع الاقتصادية مازالت صعبة، ومازالت الحكومة عاجزة عن تلبية كثير من الاحتياجات المعيشية والخدمية للسكّان، في ظلّ ارتفاع التضّخم البالغ 6,5 %، وكذلك تصاعد نسبة البطالة (15,3 %).
الحظوظ الأوفر
وعلى رغم أنّه لا يوجد بين المتنافسين قادة تاريخيون أو شخصيات تتمتع بكاريزما جذابة، (بمن في ذلك أولئك الذين شغلوا، أو مازالوا يشغلون مناصب حكومية عليا)، إلاّ أن حظوظ بعض المرشحين تبقى أوفر من غيرهم، كما يرى كثير من المتابعين، وذلك نتيجة عوامل عدة، من بينها اعتمادهم على أحزاب قوية، وتوجّههم إلى قاعدة انتخابية عريضة مناصرة لهم. ويعتبر هؤلاء أن يوسف الشاهد (رئيس حركة «تحيا تونس») وعبد الكريم الزبيدي (المرشح المستقل المدعوم من قبل اتحاد الشغل «المنظمة النقابية الأكبر في تونس»، وحزب «النداء» بزعامة حافظ قائد السبسي، وحزب «آفاق تونس» بزعامة ياسين إبراهيم)، وعبد الفتاح مورو مرشح «النهضة»، (وهو أول مرشح لانتخابات الرئاسة في تاريخ هذه الحركة)، هم من بين المرشحين الأوفر حظاً في الوصول إلى الدور الثاني من الانتخابات. ويضيف البعض إليهم رئيس الوزراء السابق مهدي جمعة، والرئيس السابق المنصف المرزوقي.
كما يبقى رجل الأعمال وقطب الإعلام نبيل القروي، أحد أبرز المتنافسين على الرئاسة، على رغم توقيفه بتهم «تبييض أموال وتهرّب ضريبي» وجّهها له القضاء منذ ثلاث سنوات. وقد اتّهم حزبه «قلب تونس» رئيس الحكومة يوسف الشاهد بالسعي إلى قطع الطريق عليه لأنه يشكل منافساً جديا له، ما فاقم التوتر قبل أسبوعين من الانتخابات الرئاسية.
أجواء مشحونة
وفي الواقع، تبدو أجواء الانتخابات مشحونة بالتوتر والاحتقان ويسودها التصعيد وتبادل الاتهامات، وسط ضبابية في الرؤية وفوضى في التصريحات المحكومة بحسابات حزبية أو شخصية وغياب البرامج لدى أغلب المرشحين. وتنتاب غالبية القوى السياسية حالة من القلق بسبب هذا المناخ. وهو ما دفع بعض المرشحين إلى التحذير من تداعيات هذا المناخ على المسار الانتخابي ككل، وعلى إمكان عزوف الناخبين عن المشاركة وإعطاء مشروعية لدعوات المقاطعة التي بدأت تتسع كرد فعل على كثرة المرشحين!.
ونشطت دعوات المقاطعة في محاولة للضغط على المرشحين الذين تبدو حظوظهم محدودة ليتنازلوا لفائدة مرشحين جديّين، وخاصة من الصف المحسوب على القوى الديمقراطية المدنية التي اصطفت في انتخابات 2014 وراء الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي. ولم تحرّك الحملة التي أطلقتها منظمات المجتمع المدني ساكناً لدى التيار الحداثي الذي بقيّ مصرّا على دخول السباق الرئاسي مشتّتاً، الأمر الذي سيعزز من فرص مرشحي التيار الإسلامي.
وكان نشطاء من المجتمع المدني وجّهوا نداء إلى مرشحي «العائلة الحداثية الديمقراطية» بهدف الالتفاف حول مرشح توافقي، بما يسمح لهم بمواجهة قوية لجميع المنافسين الآخرين، ويُعزز من حظوظ فوز أحد ممثليهم، ولكن يبدو حتى الآن أن لا مُجيب لهذه الدعوات!.
بقلم/ فؤاد محجوب