أعرب المركز الفلسطيني لاستقلال المحاماة والقضاء "مساواة" عن خيبة أمله "المتوقعة" من قيام المحكمة الدستورية بشرعنة القرار بقانون رقم (17) لسنة 2019 بشأن تشكيل مجلس قضاء أعلى انتقالي، والذي أُنيط به صلاحيات واسعة النطاق تفتقر إلى بيان المعايير المهنية والقانونية المتعارف عليها في تقييم أداء القضاة، ومساءلتهم، وتستعير معياراً شخصياً ذاتياً يعتمد على رأي أعضاء مجلس القضاء الأعلى الانتقالي، وذلك بنصه في المادة الثالثة منه على صلاحية المجلس الانتقالي في التنسيب لرئيس الدولة بعزل أي قاضي أو إحالته للتقاعد المبكر أو ندبه لوظيفة أخرى إذا وجد مجلس القضاء الأعلى الانتقالي أن في استمرار إشغاله للوظيفة القضائية ما يمس بهيبة القضاء ومكانته وثقة الجمهور به، دون إشارة أو بيان إلى المعايير والإجراءات التي على المجلس الالتزام بها.
ونصه في المادة الرابعة على منح المجلس الانتقالي صلاحيات تشريعية تتمثل في إعداد مشاريع قرارات بقوانين مُعدِّلة لقانون السلطة القضائية، وقانون تشكيل المحاكم النظامية وأي قوانين أخرى من رزمة القوانين القضائية، وذلك في تضادٍ مع مبدأ الفصل بين السلطات، وفي تعارضٍ صريح مع القيمة الاعتبارية لقانون السلطة القضائية بوصفه قانوناً مُكمِّلاً للدستور لا يجوز تعديله إلا من قبل السلطة التشريعية صاحبة الاختصاص الأصيل في التشريع والرقابة، وانفراد السلطة التنفيذية باختيار أعضاء المجلس الانتقالي دون تشاورٍ مع أحد، ودون بيانٍ للاعتبارات والمعايير التي استندت إليها في الاختيار، ما يُؤشر إلى تمسك السلطة التنفيذية بسياسة التفرد والاستبعاد والاستحواذ في شأنٍ يتصل بحقوق أساسية للمواطنين، وبمبادئ دستورية متعارف عليها دولياً، واستمرارها في اعتماد ذات النهج التجريبي الاعتباطي لمواجهة حالة تردِّي منظومة العدالة وانهيار الثقة بها، بمعزلٍ عن المبادئ الدستورية ومتطلبات التوافق المجتمعي، دون مبرر ودون مراعاة لمبادئ دولة القانون، والحق في المشاركة في رسم معالم حاضر ومستقبل المواطنين/ات، والغريب أن المحكمة الدستورية شرعنت إعادة إنتاج ذات الطريق الذي اعتادته السلطة التنفيذية مرات ومرات دون نتيجة، ما يفتح الأبواب على مصراعيها لتعميق الأزمة، والعودة إلى ذات مربع الأداء لمنظومة العدالة الذي لم ينجح في نيل ثقة المواطنين/ات، ولم ينجح أيضاً في حماية وصيانة أحكام القانون الأساسي والاتفاقيات الدولية ذات الصلة بمبدأ الفصل بين السلطات واستقلال القضاء.
واعتبر المركز الفلسطيني أن هذا القرار "مساساً حقيقياً بمبدأ الشراكة والقيم الديمقراطية والدستورية، وتمهيداً لممارسة مذبحة القضاء وتغطيةً للإفلات من العقاب وتكريساً للهيمنة وتعميقاً للأزمة بدلاً من مواجهتها، وإعمالاً لمعايير الولاء للسلطة التنفيذية، وتضييقاً للخناق على حق القضاة في الفصل في المنازعات التي تعرض عليهم وفقاً للقانون والضمير."
وقال إن "قرار (المحكمة الدستورية)، ومن قبله القرار بقانون رقم (17) لسنة 2019 استسهل إجراءات الإصلاح ومتطلباته، وكرّس سياسة استبدال الأشخاص عوضاً عن النهج، وأعمل التقييم الشخصي عوضاً عن التقييم المهني، وأعمل التفرد وضاً عنالمشاركة، وغيَّب إجراءات وأدوات الاصلاح المتعارف عليها دولياً، واستعاض عنها بما يسميه مجلس القضاء الأعلى الانتقالي، وأضاع بالتالي فرصة حقيقية للإصلاح بمشاركة مجتمعية."
وطالب الرئيس محمود عباس بإلغاء القرار بقانون رقم (17) لسنة 2019 واعتماد إرادة سياسية صريحة تُمكِّن مختلف شركاء العدالة الرسميين والأهليين من اختيار مجلس قضاء أعلى انتقالي أو لجنة أو هيئة وفقاً لمعيار شخصي يقوم على أساس ثقة المواطنين/ات بنزاهة وكفاءة وحيدة من يشغلوه، واعتماد سياسة تقييم الأداء المهني النزيه والحيادي لكل من يشغل الوظيفة في منظومة العدالة من أعلى الهرم إلى أسفله، بما يمكن من إعادة البناء على نحو قانوني سليم يتسق مع المبادئ الدستورية والاتفاقيات الدولية، ويمكن من مساءلة من يستحق المساءلة من مشغلي الوظيفة القضائية، ويبقي على من تتوافر فيه شروط إشغالها، بما يصون حقوق الأكفاء، ويسائل منتهكي قواعد عمل القُضاة دونما استثناء، وذلك في إطار عملية إصلاح شاملة لكافة أركان العدالة الرسمية، بدءاً من المحكمة الدستورية، القضاء النظامي، القضاء الشرعي والنيابة العالة، ففشل السلطة التنفيذية المتكرر في الإصلاح بات موجباً لإعمال الشراكة المجتمعية في اختيار الأداء والآلية الملائمة للإصلاح، والمعتمدة في عديد من دول العالم العربي والدولي.
وقال "لا بديل عن المشاركة، ولا بديل عن التقييم المهني الشامل، ولا بديل عن المساءلة، فهل تستجيب السلطة التنفيذية وتعود عن الخطيئة، أم تستمر سياسة التفرُّد والهيمنة؟"