تتصدر الوعود بضم الأغوار وشمال البحر الميت المشهد السياسي الإسرائيلي، بل وباتت من أبرز الشعارات مع اقتراب موعد الانتخابات الإسرائيلية. وبالرغم من التصريحات المستمرة من قبل المجتمع الدولي التي تذكر بضرورة احترام قرارات الشرعية الدولية المتعلقة بالأراضي الفلسطينية المحتلة، نجحت الحكومة الإسرائيلية الحالية بالحصول على دعم الإدارة الأمريكية لهذه التوجهات. حيث أنه في حزيران من هذا الصيف، شددت تغريدة السفير الأمريكي لدى إسرائيل على أهمية سيطرة إسرائيل على هذه المناطق لصالح الأمن القومي الإسرائيلي وأمن المنطقة بشكل عام.
إن الإعلانات التي صدرت عن السياسيين الإسرائيليين خلال الأسابيع الأخيرة بضم مناطق ج وتوسعة المستوطنات بدعوى حماية الأمن القومي الإسرائيلي لا تستند إلى الواقع. حيث صدر تقرير عن جمعية السلام والأمن الإسرائيلية عام 2011، يمثل آراء العديد من خبراء الأمن الإسرائيلي، وخلص التقرير أنه ليس لإسرائيل عمق استراتيجي بضم الأغوار على المستوى العسكري. كما جادل خبراء عسكريين ودبلوماسيين إسرائيليين سابقين أن معاهدة السلام بين إسرائيل والأردن هي التي حققت البعد الاستراتيجي لأمن إسرائيل على حدودها الشرقية، وإن ضم أي حكومة إسرائيلية مستقبلية للأغوار سيؤدي إلى تفاقم عدم الاستقرار على الضفتين الغربية والشرقية لنهر الأردن.
وفي وقت سابق من شهر أغسطس لهذا العام، تم هدم خزاني تجميع للمياه في طوباس في الجزء الشمالي للأغوار الفلسطينية، حيث تأتي عمليات الهدم كجزء من عملية ممنهجة من قبل الجيش الإسرائيلي لدعم التوجه السياسي بضم الأغوار. وقد تحدث تقرير لمؤسسة بيت سيلم عن هدم ما يقرب 698 وحدة سكنية بين عامي 2006- 2017، بالإضافة إلى 806 مبنًى معظمها يستخدم للأغراض الزراعية في نفس الفترة. إن المعيقات التي تمارس من قبل سلطات الاحتلال العسكرية على التجمعات الفلسطينية في الأغوار باسم الأمن ذات تبعات كبيرة على قدرة التجمعات الفلسطينية على الازدهار والصمود وتحديداً في وجه آثار التغير المناخي. ففي حين يصل معدل استهلاك المستوطن للمياه إلى 487 لترًا في اليوم، لا يتعدى معدل حصة الفلسطيني في الغور إلى أكثر من 50 لترًا حسب تقرير اليونيسيف لعام 2010 عن وضع الأغوار.
يعزى هذا الاختلاف بشكل أساسي إلى عدم نجاعة البنية التحتية والقيود المفروضة من قبل الاحتلال للوصول إلى الموارد المائية، وهما أمران ضروريان لدعم النسق الاجتماعي-الاقتصادي الزراعي في غور الأردن. ليس هذا فحسب، حيث تعتمد مقومات الدولة الفلسطينية المستقلة المزدهرة على استقلال وازدهار الأغوار. وقد قدر تقرير صادر عن البنك الدولي عام 2013 أنه في حال سمح للفلسطينيين بتطوير الأعمال والمزارع في المنطقة "ج" سيرتفع الناتج المحلي الإجمالي الفلسطيني بما يقارب 35 في المائة.
إن رؤية مؤسسة إيكوبيس الشرق الأوسط للأمن البيئي والإنساني في المنطقة تلخصت في الخطة الإقليمية لتطوير الحوض السفلي لنهر الأردن. تهدف الخطة إلى إنشاء أداة لتحقيق الاستقرار في المنطقة من خلال التطرق لمصالح جميع الأطراف على حد سواء. إن تحويل وادي الأردن إلى منطقة ناهضة اقتصادياً ومستدامة بيئياً، وتعزيز عوامل النهوض بالدولة الفلسطينية المستقلة هو الطريق نحو الأمن والسلام في المنطقة. وتتوقع الخطة إلى إحداث نمو في اقتصاد وادي الأردن من 4 مليارات دولار في عام 2010 إلى 73 مليار دولار في عام 2050 وذلك على فرض إزالة المستوطنات غير الشرعية بحلول عام 2020. وعليه، فإن الاستمرار بسياسة الاستيطان والهدم والضم في ظل غياب الإرادة السياسية لاستئناف محادثات السلام، تجعلنا بعيدين عن تطلعاتنا للسلام والتنمية في المنطقة.
إن اتخاذ خطوات أحادية الجانب واتباع فرض السيطرة بالقوة لن يفضي إلا للمزيد من الاستفزاز والتطرف. علاوة على ذلك، فإن عقلية تعليق النقاش حول إعادة التوزيع العادل لموارد المياه الطبيعية، القائم على الحقوق المياه الفلسطينية إلى حين استأنف مفاوضات الوضع النهائي ليس سوى نهج يكرس الأمر الواقع الذي سيفضي إلى تبعات وخسائر على مستوى الأمن البيئي والإنساني لكافة الأطراف. إن توفير البيئة التمكينية، المبنية على أساس حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران٬ 1967 بما فيها القدس الشرقية يوفر فرصة يمكن استثمارها عبر التعاون المشترك لحماية ما تبقى من الإرث البيئي الذي لا يعرف الحدود، خاصة في ظل الأزمات المتتابعة الناجمة عن التغير المناخي. يقال بالعامية "كلنا بالهوا سوا"٬ هذه المرة الهواء شديد السخونة على كافة الأصعدة ويحتاج لمجابهته برؤية مشتركة لتمكين جميع الأطراف كشركاء متساويين في الحقوق ليكونوا متساويين في تحمل ما تتطلبه منا الطبيعة من واجبات.
بقلم :ندى مجدلاني