ضاق هامش المناورة أمام رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون بعد أن أقر مجلس العموم قانونا بات ساري المفعول يلزمه طلب تأجيل الانفصال لثلاثة أشهر إضافية ما لم يتوصل لاتفاق مع بروكسل. ومع فقدانه غالبيته البرلمانية بعد انشقاق نواب محافظين عن الحزب وبداية العمل بقرار تعليق البرلمان (9/9)، يبدو المخرج الوحيد للأزمة هو الذهاب إلى انتخابات مبكرة، لكن المعارضة رفضت ذلك.
وكان البرلمان البريطاني وجه صفعة جديدة لجونسون قبل تعليق أعماله، عندما رفض مرة أخرى طلبه إجراء انتخابات تشريعية مبكرة، قبل أن يتم تعليق أعمال البرلمان حتى 14 تشىين الأول/ أكتوبر المقبل، إذ لم يتجاوز عدد المؤيدين لها 293 نائباً، أي أقلّ بكثير من أغلبية الثلثين اللازمة لإجراء انتخابات عامة مبكرة.
وخلال المراسم الخاصة بتعليق البرلمان، ووسط أجواء صاخبة على وقع احتجاجات نواب المعارضة وهتافاتهم، أعلن رئيس مجلس العموم جون بركو أنّ «هذا التعليق هو الأطول منذ عقود، وهو غير تقليدي وغير طبيعي»!.
وكان جونسون أكّد قبل التصويت أنّه لن يطلب «تأجيلاً جديداً لبريكست»، على رغم إقرار وسريان القانون الخاص بذلك، بعد حصوله على موافقة الملكة إليزابيث الثانية!. ولم يوضح جونسون كيف يعتزم التعامل مع الوضع، سواء أكان سيقدم طعنا قضائياً أو يستقيل، أو أي خطوة أخرى يعتزم القيام بها؟!.
سياسة الهروب
ويبدو أنّ جونسون، الذي كبّله مجلس العموم البريطاني برفض استراتيجيته بشأن «بريكست»، يفضّل مواصلة سياسة الهروب إلى الأمام والبحث مجدّدا عن ثغرات قانونية يمكن تطويعها للالتفاف على قرار المجلس، ما يزيد من حدّة الأزمة السياسيّة غير المسبوقة التي عصفت بالبلاد مع إعلان تعليق عمل البرلمان البريطاني منتصف الشهر الجاري، وهي «حيلة سياسية مستندة إلى القانون» لجأ إليها جونسون، للمضي قدماً في استراتيجيّته من أجل الانفصال.
وقال جونسون إنه يفضّل «الموت في حفرة» على تأجيل بريكست، بعد ثلاث سنوات من تصويت البريطانيين في استفتاء على مغادرة الاتحاد الأوروبي. وفي ضوء ذلك، تخيّم الضبابية على المشهد قبيل قمة مهمة للاتحاد الأوروبي الشهر المقبل تُعقد قبل أيام من خروج بريطانيا المرتقب من التكتل، في 31 تشرين الأول/ أكتوبر، إلا إذا طلبت من التكتل تأجيل الموعد ووافق القادة الأوروبيون على ذلك. وهناك احتمال أن يكون قادة الاتحاد الأوروبي قد ملّوا من مراوغة بريطانيا ويرفضوا تأجيل بريكست!.
وبإمكان جونسون أن يُبقي مهلة «31 أكتوبر» إذا تمكّن من التوصل لاتفاق مع الاتحاد الأوروبي يحظى بتأييد غالبية النواب، إلا أنّ هذا الاحتمال يبدو شبه مستحيل. علماً أنّ رئيسة الوزراء السابقة تيريزا ماي توصلت لاتفاق مع بروكسل العام الماضي، لكن النواب رفضوه ثلاث مرّات.
ورفض قادة الاتحاد الأوروبي حتى الآن إعادة طرح النص للتفاوض، واتهموا حكومة جونسون بالفشل في عرض أيّ خطط بديلة ملموسة. وأمل جونسون بأن يقنعهم تهديده بالانسحاب دون اتفاق بإعادة التفاوض، قبل أن يقوّض النواب استراتيجيته بالكامل.
خسارة الأغلبية
وبعد طرده 21 من النواب في حزبه المحافظ الذين رفضوا قانون بريكست، لم يعد جونسون يحظى بالأغلبية في مجلس العموم الذي يضم 650 مقعدا. وذلك يجعله في موقع صعب إذ لا يمكنه إدارة شؤون البلاد فيما بات إجراء انتخابات أمراً لا يمكن تجنّبه، لكن التوقيت لا يزال موضع تساؤل.
وكان جونسون يرغب بأن تجري الانتخابات في 15 أكتوبر، على أمل فوزه بما يكفي من المقاعد في مجلس العموم لتمرير خططه المرتبطة ببريكست. لكن حزب العمال المعارض أعلن أنه يرفض إجراء انتخابات إلا إذا تم التراجع تماماً عن خيار الانسحاب دون اتفاق. وفي حال فاز جونسون في أي انتخابات مقبلة أو تمكّن من التوصل إلى اتفاق مع حزب بريكست المناهض للاتحاد الأوروبي، فسيكون بإمكانه تحقيق بريكست دون اتفاق خلال الأشهر المقبلة.
أما حزب العمال فقد تعهّد في حال فوزه إجراء استفتاء جديد مع خيار للبقاء في الاتحاد الأوروبي، ما من شأنه أن يفضي إلى إلغاء بريكست. واتّهم جونسون رئيس حزب العمال بالتهرّب من الانتخابات المبكرة خوفا من الهزيمة، لكنّ كوربن ردّ عليه بالقول إنّه يريد الانتخابات لكنّه «يرفض المخاطرة بكارثة الخروج من الاتحاد الأوروبي من دون اتفاق». وتريد المعارضة ضمان أنّ «الطلاق بدون اتفاق لن يحصل بتاتاً»، قبل الموافقة على إجراء انتخابات.
بقلم/ فؤاد محجوب