بغض النظر عن حزب الأغلبية الذي أفرزته الانتخابات الإسرائيلية، وبغض النظر عن التكتل القادر على تشكيل الحكومة، فإن السياسة العامة الإسرائيلية لا يقررها شخص، ولا يفصل فيها حزب، فهنالك قواعد رئيسة قامت عليها الدولة، تعتمد الشراكة والمشاورة في القضايا المفصلية من السياسة الإسرائيلية.
قد يكون لرئيس الوزراء الإسرائيلي ولمجلس الوزراء فسحة من التحرك والتجديد والإبداع في مجال المفاوضات والمساومات والمناوشات والاقتصاد والحياة العامة، ولكن القرارات المصرية المتعلقة بالأرض والمتغيرات الاستراتيجية ودخول الحرب لا يقررها إلا الإجماع الوطني، وهذا ما حدث قبل أسابيع، حين التقى نتانياهو مع رئيس المعارضة بني غينتس عشية التصعيد مع حزب الله، وهذا ما حدث في اللقاء التشاوري الذي عقده رئيس الوزراء نتانياهو وقادة الأجهزة الأمنية، عشية سقوط صاروخ فلسطيني على أسدود، وهروب نتانياهو، وقراره الحاسم بالرد على غزة، لقد حضر اللقاء التشاوري كل من رئيس الأركان كوخابي، ورئيس شعبة الاستخبارات العسكرية تمير هايمان، ورئيس جهاز الموساد يوسي كوهين، ورئيس جهاز الشاباك نداف أرغومان، ورئيس مجلس الأمن القومي مائير بن شابات، ومستشار الحكومة القضائي أفيحاي مندلبليت، وكان الرد الحاسم من قادة الأجهزة الأمنية بضرورة دعوة المجلس الوزاري المصغر للانعقاد، كي يتحمل المسؤولية، ويتخذ القرار بالتصعيد والرد على صاروخ غزة الذي أرعب نتانياهو، وهذا ما لم يتحقق، لينتهي اللقاء التشاوري دون أي رد على غزة.
النماذج السابقة تؤكد أن السياسة الإسرائيلية لا يقودها رئيس الوزراء مستقلاً عن مجلس الوزراء، وبعيداً عن المعارضة، وسأشير في هذا المقال إلى العام 2011 حين أصدر نتانياهو أوامره لرئيس هيئة الأركان بيني غانتس، ورئيس الموساد تمير باردو لتجهيز المؤسسة الأمنية واستعدادها لتنفيذ هجوم على إيران بعد 15 يوما من إصدار الأمر، وعلى خلفية المعارضة الشديدة التي أبداها كل من رئيس الأركان ورئيس الموساد، تراجع نتنياهو عن قراره.
الأمثلة السابقة تؤكد أن تقدم هذا الحزب وتراجع ذاك لا يعني تقدم مشروع سياسي وتراجع آخر، ولا يعني استحداث متغيرات هامة على مجمل السياسة الإسرائيلية تجاه القضية الفلسطينية، ولاسيما أن كل الأحزاب الإسرائيلية بما فيها تلك الأحزاب اليسارية مثل الاتحاد الديمقراطي وجيشر والعمل، والتي تظهر رغبة قوية لاستئناف المفاوضات مع الفلسطينيين، حتى تلك الأحزاب الصغيرة لا ترى في القدس إلا عاصمة موحدة لدولة إسرائيل، ولا ترى بالمستوطنات إلا بقاء دائماً على أرض الضفة الغربية، ولا ترى بالعودة إلى حدود 67 أي إمكانية، ولا ترى بقيام الدولة الفلسطينية حلاً نهائياً شافياً، ولا تفكر في إطلاق سراح الأسرى، ولا تعترف بحق اللاجئين الفلسطينيين بالعودة، فإذا كانت هذه مواقف الأحزاب اليسارية، بائعة الهوى السياسي، فكيف حال الأحزاب العقائدية، والأكثر تشدداً ووضوحاً في التمسك بأرض الآباء كما يزعمون؟
حديثي السابق عن مسار السياسة الإسرائيلية فيه رد على بعض الفلسطينيين الذين فرحوا، وحسبوا أن عدم قدرة نتانياهو في تشكيل حكومة يمينية يمثل نصراً، وسيوفر لهم أنبوب التغذية السري، الذي سيعطيهم أمل البقاء، وفي حديثي هذا رد على أولئك الذي يزعمون أن نتائج الانتخابات ستؤثر على الحصار المفروض على قطاع غزة بالانفراج أو التشديد، دون الأخذ بعين الاعتبار أن الأحزاب الإسرائيلية تلتقي على قلب سياسة واحدة، وهي مرغمة على تشكيل حكومة ائتلاف وطني، تضم الحزبين الكبيرين، تحقيقاً لرغبة الجمهور، وللمصلحة العامة التي لا تختلف على فحواها معظم الأحزاب والشخصيات الإسرائيلية.
د. فايز أبو شمالة