رحل فرحان أبو الهيجاء (أبو نزار)ـ ابن مدينة حيفا، وبالتحديد ابن بلدة (عين حوض) قضاء حيفا، البلدة التي شهدت ولادته عام 1939، ومنها انطلق في فتوته الى حيفا، تلك المدينة التي كان يعشقها، ويعرف حواريها بالرغم من صغر عمره في تلك المرحلة التي سبقت نكبة العام 1948 الى حين خروج عائلته القسري من المدينة وقراها الى دياسبورا المنافي والشتات.
فرحان أبو الهيجاء (أبو نزار) الوطني، الدمث، صاحب الإبتسامة الطيبة، والمعدن الفلسطيني النفيس، وبمسحته البرونزية المتشكلة تحت شمس بلادنا، هو الرجل القومي العتيد، حامل تلك الراية الوطنية، القومية، وبوصلته فلسطين، كما حملها من ترافق وإياه في المسار الوطني الصخب والصاخب، منذ خمسينيات القرن الماضي. الجيل الذي عاش النكبة في لحظاتها الصعبة والقاسية، عندما تحوّل أكثر من 65% من أبناء فلسطين الى لاجئين، داخل فلسطين وفي دول الطوق والشتات.
أبو نزار، القومي، العتيد، رافق مرحلة طوفان الفكر القومي التحرري، من أجل فلسطين، فهو من رفاق التيار القومي العربي البعثي الذي ضم من بين ماضم في صفوفه في تلك البدايات التي تلت النكبة الكبرى : شفيق الحوت (أبو الهادر)، وعبد الله الريماوي، وبسام الشكعة، وفريد غنام، وبهجت أبو غربية، واحسان سمارة (أبو القاسم)، وسامي عطاري، ويسار عسكري، وحسني الخفش، وسعد الدين الغندور (أبو عمار سعد)، وفاروق القدومي، وعبد المحسن أبو ميزر، والشهيد الشاعر الرقيق كمال بطرس ناصر، وناجي علوش، وعبد الله الحوراني، وضافي جميعاني، ومحمود المعايطة، وزهير محسن، ومحمد خليفة، وعصام القاضي، وسامي قنديل، ولطف غنطوس، وصلاح معاني، واميل صبيح .... والكم الهائل من طوابير المناضلين من أصحاب الفكرة المتوقدّة، ومن الجناح الثاني في الإتجاه القومي العروبي، ونعني به حركة القوميين العرب بقيادة الرجل الإستثنائي الراحل الدكتور جورج حبش، ومعه الدكتور وديع حداد، وأبو علي مصطفى، واحمد اليماني، وفايز قدورة، ومحمد مسلمي، وأبو أحمد فؤاد، وحمدي مطر، وأحمد مصلح، واحمد سعدات، وجيفارا غزة ...
الإتجاه القومي الذي انضوى في اطاره الراحل فرحان أبو الهيجاء، وبفعل صيرورة الكفاح الفلسطيني المرير خلال خمسينيات القرن الماضي، وصل بتخومه الى الإنطلاقة المسلحة للثورة الفلسطينية المعاصرة، بالتواقت مع الإتجاه الوطني العام، بدءاً من رصاصات حركة فتح وجناحها الفدائي قوات العاصفة، رصاصات الشهيد أحمد موسى الدلكي، الى رصاصات الأخضر العربي (الشهيد أمين سعد)، رصاصات التنظيم الفلسطيني الثاني في حينها من حيث فعاليته السياسية والعسكرية المسلحة، ونعني به منظمة الصاعقة التي كان الراحل فرحان أبو الهيجاء من روادها ومؤسسيها. الى ائتلاف الجبهة الشعبية التي اعلن عن قيامها الدكتور جورج حبش بعد عملية الهجوم الأرضي على مطار اللد أواخر العام 1967...
فرحان أبو الهيجاء، والذي ربطتي معه حالة من التواصل والصداقة، بالرغم من فارق السن، كان بالنسبة لي منهلاً، ومصدراً هاماً، في سبر التاريخ الفلسطيني المعاصر، وفي تكوين المعارف والثقافة الوطنية، فهو من عايش جيل الإرهاصات التي مهدّت الطريق لإنطلاق الثورة الفلسطينية المعاصرة، فكان من أعضاء اللجنة التي اختارها مؤسس منظمة التحرير الفلسطينية الراحل أحمد الشقيري لوضع الميثاق القومي الفلسطيني (اصبح الميثاق الوطني الفلسطيني بعد العام 1968). وشارك في عضوية كل مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية، وخاصة في المجلسين الوطني والمركزي، وبقيت الصاعقة في هذا الإطار والجامع الوطني بالرغم من الإنقسام الفلسطيني في أيار/مايو 1983، ومقاطعة الصاعقة لمؤسسات المنظمة، إلا أن تلك المقاطعة بقيت دون انسحاب من المنظمة، بل وحافظت على العضوية في كافة مؤسساتها. ونأمل ان تعود الصاعقة لدورها في تلك المؤسسات، وهو ماتؤشر له عدة معطيات قائمة الآن.
كنت التقيه دوماً في المناسبات الفلسطينية، ولكن كانت لي لقاءات الحوار الطويل معه، كان اخرها في مكتبه قبل عدة شهور، في جلسة امتدت نحو ثلاثة ساعات متواصلة، شارك بالجزء الأخير منها العميد الركن مروان أبو دبوسة رئيس الدائرة لعسكرية بالصاعقة، وقد تناولنا من خلالها كل التفاصيل، بشأن الوضع الفلسطيني، مع مراجعات تاريخية هامة، فكان صدره واسعاً في سياق الإستماع للملاحظات والملاحظات النقدية، ومناقشتها بروح وطنية، بعيداً عن التزمت والتعصب الفصائلي. وبعد انتهاء تلك الجلسة اتفقنا على استكمال التواصل بجلساتٍ لاحقة.
رحل فرحان أبو الهيجاء (أبو نزار) رحمه الله، وقد سبقه بقيادة منظمة الصاعقة كلاً من، وبالترتيب : اللواء ضافي جميعاني (أبو موسى)، اللواء محمود المعايطة (أبو ساهر)، الشهيد زهير محسن، عصام القاضي،ـ محمد خليفة، فرحان أبو الهيجاء... ليصبح سامي قنديل الأمين العام الجديد. كما جرت عملية تغيير دائمة لممثليها في اللجنة التنفيذية للمنظمة تاريخياً...
عاش فرحان أبو الهيجاء (أبو نزار) حياته بين أبناء شعبه في مخيم اليرموك وغيره . ودفن في مثوى الشهداء (الثاني) بالمخيم. فلاحياة ولاموت إلا بين الناس، بين شعبنا. فسلاماً للراحل ولكل شهداء وأبناء شعبنا. وصيتنا لك يا أبا نزار ان تبلغ من رحل بأن راية فلسطين لن تسقط، مادام هناك مضغة في رحم ام فلسطينية. سلم لنا على الجميع ... على أبو جهاد وأبو العباس وطلعت يعقوب وعبد الكريم الكرمي ، وأبو صبري، وجهاد جبريل، وسعد صايل .... وجميع الشهداء...
(ملحق : الصورة الأولى أبو عمار مع فرحان أبو الهيجاء عام 1974. والصورة الثانية مع زهير محسن في قاعدة فدائية للصاعقة جنوب لبنان عام 1975).
بقلم علي بدوان