يقف الانسان عاجزا أمام مسرحية هزلية ساخرة اسمها الحياة، تعبر عن مدى ظلم البشر لبني البشر، فتى يخطو في مراحله الاولى من مسيرة الحياة، يرافقه شقيقه مسيرة تلك الحياة بكل قسوتها، رحل والده .. فمات سنده في الحياة، فواجه ظلم اقاربه، بأن رموه في الشارع لكي يستولوا على مسكنه، عاش مع شقيقه في الشوارع والازقة، افترش الارض والتحف بالسماء، كان منزله حديقة الجندي المجهول تحت الاشجار ينام مع شقيقه، يأكل من الصدقات وأيدي المحسنين. ناشد المسؤولين الذين يتمتعون برفاهية الحياة أن يتكرموا عليه بمسكن ليعيش مع شقيقه حياة كريمة، فاكتشف أن المسؤولين اصيبوا بالصم والعمى، فعاد تحت الاشجار يلتمس دفء التراب. قابله الاعلام فشرح حالته ومطالبه، ونشر الاعلام صوته وصورته، فلم يهتم أحد. فتى صغير جميل لم ينبت شعر ذقنه، لم يغسل ملابسه منذ فترة، ولم يستحم منذ فترة، توقف عقله عن التفكير حين رأى المتنزهين يضحكون ويترفهون ويتسامرون، ويغادرون إلى بيوتهم مع اطفالهم وابنائهم، وهو جالس يتحسر على نفسه، ويبكي من الظلم الذي وقع عليه. لم يعد يستطع التحمل، ويسأل نفسه ما قيمة الحياة التي لا أجد فيها لقمة العيش، وبيت أنام فيه، فسيطر عليه الشيطان، الا انه لم يسرق .. ولم يرتكب جريمة بحق الاخرين، بل ارتكب الجريمة بحق نفسه وامام العالم الذي تخلى عنه، فسكب البنزين على ملابسه واشعل فيها النار .. حمله شقيقه إلى المستشفى، ودخل العناية المركزة، وهو يدعو الله ان يسامحه، ويغفر له، قائلا: يا الله انا لم انتحر، بل انا لم اعد استطيع العيش في هذه الحياة، انا من حقي ان أكون مثل الاخرين أقراني في بيت يأويني، وأحصل على لقمة عيش تكفيني، هذه مطالبي، هل هذا كثير يا الله سامحني واغفر لي. لم يأت أحد لزيارته غير شقيقه، ولم يسأل عنه أحد من المسؤولين، أو المحسنين، وبقي بين الحياة والموت في المستشفى لنصف شهر، وفجأة سكنت الأجهزة لأن قلبه توقف عن الحياة. نقل إلى ثلاجة الموتى، في انتظار من يأتي ليتسلم جثته، وبعد اربعة أيام جاء شقيقه، واستلم جثته بمساعدة بعض اصدقائه، واستأجر سيارة وحمل الجثة إلى المقبرة لكي يدفن شقيقه إلى جانب والده، لم يكن هناك مشيعين بل شقيقه فقط من دفنه، واستقبل العزاء من المارة على قبره. وعندما خرج من المقبرة استوقفه حارس الاموات، ليطالبه بثمن القبر، فنظر اليه شقيق يحيى طويلا والدموع في عينيه، وقال: حسبي الله ونعم الوكيل.
ناهض زقوت
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت