على مدى سنوات عمل الشاب محمد أبو عمرة (23 عاما) من قطاع غزة بلا كلل ليبني عش الزوجية الذي جمعه لأيام فقط بعروسه مروة أبو عمرة (23 عاما)، قبل أن تحول الطائرات الإسرائيلية منزلهما خلال التصعيد الأخير إلى أثر بعد عين، تاركة خلفها شهر عسل لم يكتمل، وفرحة صرعها في مهدها قصف لا يرحم.
ليل الأربعاء، 13 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، كان منزل أسرة العروسين “أبو عمرة” الكائن في بلدة القرارة شرقي خان يونس جنوبي القطاع والذي يقطنه أكثر من 20 فردا على موعد مع القصف الإسرائيلي الذي دمره عن بكرة أبيه دون أن يتمكن ساكنوه حتى من أخذ أي من مقتنياتهم.
يجلس العروسان في حزن شديد بين تلال الركام يفتشان عن ذكرى ربما بقيت من ليال جميلة، اغتالتها صواريخ لم تمنحهم سوى دقائق للخروج من المنزل قبل قصفه.حسب تقرير لوكالة "الأناضول"
لا يعثر العروسان خلال رحلة بحثهما الحزينة بين أنقاض عشهما المنهار سوى على بقايا فستان أحمر، كانت العروس قد ارتدته يوم حنتها، ومبلغ 20 شيكلا إسرائيليا (6.5 دولار).
يقول محمد “3 سنوات أعمل وأجتهد، حتى وفرت ثمن مهر العروس، وتمكنت من بناء شقة، زادت تكلفتها عن 20 ألف دولار، وضعت بها عفشا كاملا: ثلاجة، وغسالة، وأثاث، وأجهزة كهربائية، وملابس، وغاز طهي..، لم أترك شيئاً إلا وضعته بها، وكنت سعيداً جدا للحظة العمر التي يتمناها أي عروسين، أن يُزفا ويعيشا في أمان ويكونا أسرة، ويخططا سويا للمستقبل”.
ويضيف “كنت أحلم أن تدوم سعادتي مع زوجتي، وأن يكتمل شهر العسل ويكون قادم أيامنا أجمل، لكن تعب وشقاء السنين، دمرته الطائرات الإسرائيلية في ثوان، دون ذنب وبلا رحمة، أو اكتراث لمشاعر مدنيين عزل، لا دخل لهم في أي نشاط عسكري”.
ويتذكر “محمد” لحظات قصف منزله الواقع في منطقة نائية، يصعب التحرك فيها ليلا ونهارا في أوقات التصعيد والحروب، لكثرة عملية القصف التي تستهدفها، بجانب تعرضها لعشرات الاجتياحات البرية من قبل القوات الإسرائيلية، لقربها من السياج الحدودي الذي لا تبعد عنه سوى 1500 متر تقريباً.
في تلك الليلة، دق هاتف والد محمد من شخص عرف نفسه بأنه رجل مخابرات إسرائيلي، طلب منهم الخروج من المنزل في غضون ثلاث دقائق، تمهيدا لقصف المنزل، وطلب التنبيه على الجيران للإخلاء، وعند الابتعاد عن المنزل تم قصفه بصاروخ من طائرة حربية بدون طيار، وتبعه بدقائق قصفه مجددا بصاروخ من مقاتلة حربية دمرته بالكامل، كما يروي محمد.
عاد محمد ومروة إلى عشهما بعد قصفه فوجداه وكأنه شجرة اقتلعت من جذورها، إذ أحدث الصاروخان حفرة كبيرة مكانه حولته إلى ركام، وقطع متناثرة في الأرجاء.
الآن لم يعد العروسان يفكران في المستقبل بشكله السابق، بل كل ما يشغلهما هو المصير المجهول الذي ينتظرهما، وكيفية تدبير مكان بديل يأويهما، خاصة وفي الانتظار أيام باردة يخفيها شتاء يقرع الأبواب.
يوضح محمد أنه فقد كل ما بشقته، وهرب مع عروسه ليلة القصف بملابسهما فقط، دون أن يتمكنا من إنقاذ أي من حاجياتهما؛ مضيفا “أرتدي أنا وزوجتي ملابس من الجيران، ونبيت في منزل أحدهم مؤقتا، ونجلس في النهار فوق الركام؛ أنظر بحسرة للمكان، وأتساءل متى سيعود المنزل كما كان يأويني مجددا مع عروسي وبقية أسرتي”.
ويقول إن زوجته تبكي كل يوم بحرقة بعدما فقدت مصاغها الذهبي ومقتنياتها التي تتباهى بها أية عروس، فيما مازال الأمل يحدوها في العثور على شيء منها، رغم أن ذلك يبدو في واقع الأمر مُستحيلا مع حجم الدمار الهائل.
غالبت مروة الدموع، إلا أنها سرعان ما انفجرت باكية، تاركة المكان ركضا نحو منزل الجيران محل إقامتهما المؤقت.
لم تستطع العروس الباكية الحديث إلا بعد أن هدأت قليلا قائلةً “قتلوا فرحتي، ودمروا منزلي، أريد ذهبي وملابسي وأغراضي الشخصية، وهي حقي كعروس؛ أنا حزينة جدا الأن، لا أستطيع استيعاب ما حدث ولم أصدقه، ولم أعد أتمالك نفسي، أقضي معظم اليوم وأنا أبكي على ما حدث”.
وشنّ الجيش الإسرائيلي عملية عسكرية، منذ فجر الثلاثاء وحتى فجر الخميس على قطاع غزة، بدأها باغتيال القائد البارز في سرايا القدس، الذراع المسلّح لحركة الجهاد الإسلامي، بهاء أبو العطا وزوجته.
وأدت هذه العملية، وفق معطيات وزارة الصحة، إلى استشهاد 34 فلسطينيا من بينهم 8 أطفال و3 نساء، وإصابة 111 آخرين بجراح مختلفة.
وفجر الخميس، أعلنت حركة الجهاد الإسلامي، التوصل لوقف إطلاق النار مع إسرائيل بغزة، بوساطة مصرية.
بدورها، قالت وزارة الأشغال العامة والإسكان الفلسطينية، الخميس، إن الغارات الإسرائيلية التي استهدفت قطاع غزة، على مدار يومين، تسببت بتدمير 30 وحدة سكنية بشكل كلي وبليغ، و500 بشكل جزئي.
وبيّنت الوزارة أن قيمة الخسائر الإجمالية التي لحقت بالمساكن والمنشآت بلغت حوالي 2 مليون دولار.