المتتبع لمجريات الأحداث على الأرض العربية يدرك تماماً أن منطقتنا تمر بمخاض عسير في ظل ظروف صعبة للغاية تكتوي بنارها منذ العقد الأخير من القرن الماضي واحتلال العراق في العام 2003 ، وأملنا لم شتاتها وأن يفضي هذا المخاض لميلاد أمة تقود ولا تقاد ، فما آلت إليه الأمور من تفكك وضعف وتخلخل في أمنها وزعزعة استقرارها ، يعود أولاً وآخراً للفساد المستشري في كل مفاصلها ، سواء فساد " الضمير ، الرأي ، الاجتهادات الخاطئة ، الأخلاق ، العصبية ، الطائفية و "الأمية السياسية " التي تعني جهلاً شديداً في صنع القرار وكيفية إدارة الصراع السياسي مع أعداء الأمة والقوى المضادة أحد أسباب كبوتها والتي تقف حائلاً دون نهضتها ، ما أفسح المجال لأجهزة دول طامعة وطامحة ترتيب أوراقها مع الصهيونية من مخابراتية واستخباراتية كالولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني والقوى المرتبطة بهما لتبقى مستنفرة للحيلولة دون تمكن وتمكين قوى التغيير نحو الأفضل في المنطقة العربية من فرض إرادتها والتخلص من اللصين الأمريكي الإيراني وشريكتهما الدولة العبرية ، حيث تقود استخبارات تلك الدول ومن يسير في فلكها " الطابورين الخامس والسادس " حملات لاختراق وتمزيق لحمة لبنان والعراق والسودان ومناطق السلطة الفلسطينية وبخاصة في القدس العاصمة التاريخية لفلسطين وباقي دول العالمين العربي والإسلامي ، وهي تحاول جاهدة وقف عجلة التوافق في كل من تونس والجزائر التي أثمر الحراك فيهما عن توافق سيقود الوضع فيهما حتماً نحو التطور والاستقلال الحقيقي ولما يقود الأمة نحو الصلاح والفلاح .
فالحراكات الشبابية الوطنية أثمرت في كل من لبنان والعراق والسودان عن بروز تيار وطني رافض للطائفية والتبعية للعلوج والأعاجم والصهاينة ، حيث بات احتضان أمريكا وإيران والدولة العبرية للتيار الذي يترسخ جراء تدخلاتهم وترتيباتهم ويتهدد وحدة أراضيها تزداد تأثيراته في مجتمعاتهم ، وهي تتهدد في حال نجاحها سلامة بناها ما يؤدي لاقتسامها وتقسيمها وبالتالي سقوط النظام العربي من أساسه وبالكامل ، فدأبت تلك الأجهزة الاستخباراتية والمخابراتية لتمويل زمر الفساد والطائفية من الطابورين الخامس والسادس المستشري في جنبات الأمة للعمل على إفشال أي تحرك بناء في خدمة الشعب والدولة العربية والعمل على زيادة الشرخ وتكريس نهج الطائفية لإشعال الفتن هنا وهناك ، من خلال كما ذكرت استخباراتهما وطابوريهما الخامس والسادس في كل قطر ومواصلة دورها المرسوم حتى اللحظة في فرض الوصاية على كل قطر من خلال خربطة الأوراق في البلدان العربية ودفع الأمور فيها إلى الانهيار التام وسلاحها الأهم في ذلك الفاسدون والمفسدون والسائرون خلف أجندات صهيو أمريكية مكرسين مبدأهم التدميري بالمحاصصات الطائفية وسلب خيرات البلاد والعباد لصالح أعداء الأمة .
فالوضع اللبناني العراقي بعد تفجر ثورة الحرية والتوحد فيهما هما بمواجهة القوى المضادة والمرتبطة بالعلوج والأعاجم والصهاينة التي استنفرت قواها وباتت تصنع مجازر وتقود تصفيات للحيلولة دون بروز قيادات فيها تقود البلاد نحو الخلاص الوطني والتحرر من العبودية ومصاصي دماء الشعب ، وعليه فإن الأمور فيهما مرشحة لسوء وتعقيد ونحو الانحدار أكثر فأكثر ، لأن هناك إصراراً سياسياً أمريكياً إيرانياً صهيونياً على عدم تمكين الحراك الشعبي في كلا البلدين من تحقيق أهداف حراكهما الرامي لإسقاط زمر الفساد والإفساد والنهج الطائفي الذي يستهدف إبقاء البلاد تحت سطوة الأجنبي ونهب ثرواته ، وهي لهذا الغرض تُمكِّن أعمدتها فيهما من المراوغة والسعي لتأجيج المواقف أكثر فأكثر حتى تخرج عن نطاق السيطرة والهدف المنشود من الحراك والنجاح في كتم كل صوت حر تمهيداً لإسقاط الهيكل في كل دولة على رؤوس أصحابها بترتيب صهيو إيراني أمريكي ، وهذا هو واقع الحال في مختلف الأقطار العربية منذ ما أعلن بوش الإبن من ليس معنا فهو ضدنا .
الأمريكان يحاولون منذ عقود مضت بجميع الوسائل التعامل مع الموقف بأساليب متعددة عسكرية واستخباراتية ومرتبطين بها ، لكن رغم ذلك لم يتمكنوا حتى اللحظة من امتلاك زمام الأمور بالكامل في أي منها ، فالحراك الشعبي اللبناني ضد الفساد والطائفية المقيتة ما زال مشتعلاً ، والعراق ما زال كذلك مشتعلاً ، وسيمتلكان قرارهما بفعل صحوة الشباب المكتوي بنار أصحاب المصالح الشخصية التي تتخذ من الطائفية حصانها الأسود الذي يوصلها لقمة مجد السلطة وتسليم البلاد لسطوة الأجنبي .
* عبث أمريكي : بومبيو أعلن أكثر من مرة ، أن بلاده مع لبنان وستقف إلى جانبه لكن وكما هو باد للقاصي والداني فإن ذلك لن يكون إلا بعد دمار الدولة اللبنانية بإعلان بنوكها المتوقع عجزها عن الدفع لعدم توفر السيولة ، لتكون صيداً ثميناً للدولة العبرية ، تفرض عليها أجندتها ، فتسرق غازها وماءها كما تفعل في غزة المحاصرة منذ ما يزيد على العقد من الزمان وتنتهك حرمات أرضها وتشعل نيران حرب طائفية فيها لا تبقي ولا تذر؟؟؟!!! وفي العراق تجري الرياح بلا ما لا تشتهي سفن أمريكا وإيران والدولة العبرية والإنفصاليين فيه من حراك شعبي ، وعليه زار ترامب العراق سراً وطالب حكومته الأشبه بحكومة فيشي الفرنسية المعينة من ألمانيا النازية بالتنازل عن نفطه لصالح أمريكا ، والأمور فيه مرشحة للمزيد من الدمار وبحرب طائفية تحرق اليابس والأخضر فيه وعلى ما يبدو أن نفط العراق هو الكنز الذي سيكون الاقتتال عليه دون أن ينال منه أحد شيئاً بدليل ما تحدث عنه أحد الأكراد أنه ليس مع توحد العراق بل مع تقسيمه .
* وقاحة أمريكية : بعد انتصار المحكمة الجنائية الدولية لفلسطين ، يتضح من الموقف الأمريكي المعلن رسمياً برفض قرار المحكمة عزمها التحقيق في جرائم الحرب التي ارتكبها الكيان الصهيوني في الاراضي الفلسطينية وفق ما جاء في تغريدة وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو عبر تويتر ، مساء الجمعة الماضية، والتي جاء فيها أن الدولة العبرية ليست دولة طرف في المحكمة الجنائية الدولية ، وأنه يعارض بشدة هذا التحقيق غير المبرر الذي يستهدفها بشكل غير عادل ، وفي هذا وقاحة يظهر بوضوح رعاية الولايات المتحدة للإرهاب الدولي وخروجها عن اللياقة الأدبية والأخلاقية في تعاملها مع حق الشعوب في الحياة ونيل حريتها واستقلالها وهي تفعل بالنسبة للكيان العبري نفس ما صنعه بوش الإبن بتشريع قرارات تمنع النيل من أي جندي أو ضابط في الجيش الأمريكي ارتكب جريمة حرب في العراق وأفغانستان .. وتظهر بوضوح أن ما يرتكبه الكيان المحتل هو بمباركة وحماية أمريكية لا بد من مساءلة قادتها " أمريكا " كذلك أمام المحاكم الدولية .. كما يظهر أن فلسطين بدعم أمريكي مرشحة لانتهاكات صهيو أمريكية خطيرة جداً تستهدف كل فلسطيني على أرض فلسطين .
* تدخل سافر في الشأن الليبي يزيد من اشتعاله : بعد أن تم تدمير ليبيا ، صراع محتدم فيها بين فئات تتصارع على المستوى الداخلي بخصوص اقتسام ثرواتها وكل منها مدعوم بطرف إقليمي سواء عربي أو تركي أو دولي يورو صهيو غربي والتي كان آخرها اقتسام المياه الإقليمية الاقتصادية بين تركيا والحكومة الانتقالية في طرابلس ، وهذا يفضي في نهاية المطاف لإفساح المجال لسيطرة أمريكية صهيونية على النفط الليبي ، حيث باتت ليبيا تشكل خطراً على ما يحيط بها من دول تمس أمنها واستقرارها في حال لم يتم إيقاف عجلة تدهوره وتشكيل حكومة وطنية تحفظ أمنه واستقراره وحقه في ثرواته واستغلالها لصالح شعبه والأمة.
* الفتنة السورية واليمنية : أنا هنا لست في وارد أطرافها ولا المتسبب فيها ، ولكن ما يمكنني القول هنا أنها فتنة إقليمية دولية دفع الثمن فيها الشعبين العربيين السوري واليمني وتحتاج لأموال طائلة ولجهود وطنية مضنية في سبيل إعادة بناء بناهما التحتية وجسر ما انكسر بين أطراف الصراع والنزاع فيهما حيث في سوريا تنمر العدو الصهيوني الذي استباح أجواءها ودمر ما دمر وقتل من قتل بصورة توحي بأن المغول قد عادوا في العصر الحاضر من جديد ، وأدعو الله تعالى أن يعيد الأمن والاستقرار فيهما وأن ينعم على شعبيهما الأمن والاستقرار.
فما تنتظره أمريكا أن يصبح كل قطر عربي على الأرض ليفرضوا عليه الحل واستلام غازه ونفطه وثرواته لاستخراجه واستغلاله من قبلها والكيان العبري خاصة في غزة ولبنان والخليج العربي لبيعه للعرب أنفسهم أولاً ولأوروبا ثانياً فسيناريو لبنان والعراق والسودان يتجه لسيناريو مشابه للسيناريو الفنزويلي حين تم دفع رئيس البرلمان الفنزويلي للإعلان عن انقلاب وعزل رئيسها المنتخب ، بظهور من يتبنى وجهة النظر الأمريكية بتسليم البلاد للأمريكان لتصنع فيها ما تشاء أو الترتيب لحروب أهلية فيها تحرق الأخضر واليابس ، و في حال لم يتم تدارك الأمور في هذه البلدان فالسيناريو جاهز لتصفية الحراكات الوطنية الشبابية في كل منها وتحريك رموزها الفاسدة فيها لتجزئة الوطن الواحد بالطائفية البغيضة..
لذلك رأينا أكراداً يتحركون إلى جانب القيادات الطائفية لتقسيم العراق ، فالأمور مرشحة في الوطن العربي لمزيد من السوء والفوضى والاقتتال ، والحل في الأفق لن يكون إلا بالانتصار للشارع الوطني وبحكومات وطنية تقدم كافة الفاسدين والمفسدين وكل من له علاقة بالفساد للمحاكمة واستعادة المال المنهوب منهم وإلا فإن الأمور كما ذكرت تتجه بوصلتها نحو انهيار البلدان الثلاثة لبنان والعراق والسودان وسيتبعها لاحقاً بلدان أخرى وبخاصة ذات التأثير الإقليمي الأقوى ، فما معنى الآن أن يجري البحث من دول تمثل بعدد سكانها ما يزيد عن نصف المسلمين في العالم عن حلول تنقذ حالة التردي في الأمة ؟ . فالشباب العربي الناهض وتشكيل حكومات وطنية لدرء المخاطر عن جسد الأمة الأمل في إسقاط نهج أمريكا والصهيونية راعيتا الفساد والإفساد وحماية العالمين العربي والإسلامي من التدمير الشامل.
* عبدالحميد الهمشري
[email protected]
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت