شهدت القدس في العهد العثماني نهضة ثقافية وعمرانية ورياضية بعد أن حكمت الدولة العثمانية فلسطين مدة خمسة قرون من عام 1516 حتى عام 1917. ساهم في هذه النهضة الاهتمام الكبير بالأماكن المقدسة فيها وأهميتها في الإسلام، وانتشرت الألعاب التي كان يمارسها العثمانيون كسباق الخيل، والجري، وألعاب إظهار القوة كالمصارعة، والسباحة، وألعاب شعبية أخرى.
تطورت الرياضة في القدس منذ عام 1906 حين اهتمت الجامعات والمدارس والمعلمون بالرياضة المدرسية فشكلت جزءًا مهمًّا من الحركة الرياضية في فلسطين عمومًا وفي القدس خصوصًا، وكان جليًّا النمو الرياضي في العديد من المدارس من خلال تشكيلها فرقًا رياضية خاصة بها في كرة القدم والسلة والتباري مع الفرق المدرسية الأخرى ومع الفرق الرياضية في الأندية المختلفة، ناهيك عن تشكيل خريجي المدارس أندية خاصة بهم قامت بنشاطات رياضية وتبارت مع فرق الأندية في فلسطين.
ويقول وليد الخالدي في كتابه التاريخ الفوتغرافي لفلسطين: ومن المعلوم أنه في عام 1908 تم تشكيل أول فريق لكرة القدم على مستوى مدرسي في مدرسة المطران St. George في القدس. وفي عام 1909 تغلب هذا الفريق على فريق الجامعة الأمريكية في بيروت (الذي كان يعدّ من أقوى الفرق في المنطقة) في عقر داره, في القدس أيضًا وفي الفترة نفسها شكلت كلية روضة المعارف (تأسست عام 1906) فريقاً لكرة القدم وضم في صفوفه نخبة اللاعبين.
ويقول الدكتور خليل سكاكيني في مذكراته: كانت اللقاءات المدرسية الودية تجرى ضمن بطولات تنظمها دائرة المعارف للمدارس الحكومية، أو دائرة الأوقاف للمدارس التي كانت تابعة لها مثل مدرسة النهضة ودار العلوم بيافا ودار الأيتام الإسلامية في القدس والمدرسة العباسية بالرملة ومدرسة الفلاح في غزة. هذا إضافة إلى اللقاءات التي كانت تجري بين المدارس الخاصة في مدن فلسطين مثل القدس (مدرسة المطران، صهيون، تراسنطا، الفرير) ورام الله (مدرسة الفرندز)، وكانت الفرق المدرسية تتبارى أحيانًا مع الفرق الرياضية للأندية، ومع الفرق الكشفية والفرق الحكومية.
وبعد احتلال فلسطين من قبل الانتداب البريطاني عام 1917، كانت هناك عقبات جمة أمام الرياضة المدرسية التي كانت مرتبطة بنظام التعليم العام في فلسطين الذي بدوره كان خاضعاً للسياسة البريطانية في فلسطين والتي كانت تسعى لطمس الروح الوطنية ووقفت إلى جانب الرياضة الصهيونية وحاربت الرياضة المقدسية والفلسطينية. وقد كان لجهود المخلصين من التربويين الفلسطينيين أثر إيجابي وإن كان محدوداً للعناية بالتعليم عمومًا وبالتعليم الرياضي خصوصاً.
بعد فرض انتدابها على فلسطين قامت بريطانيا بتشكيل العديد من الفرق الرياضية التابعة لها، وقد مارست هذه الفرق العديد من الرياضات مثل كرة القدم والملاكمة والدراجات الهوائية والسباحة والتنس والكريكيت والرجبي والهوكي والبولو وكرة القاعدة ومن هذه الفرق نادي القدس الذي تأسس عام 1921. ويعدّ الكثير من الباحثين الغربيين أن هذه الرياضات كانت جزءًا من الحداثة الثقافية التي أحضرها البريطانيون إلى القدس وفلسطين وكان لها تأثير كبير في الوعي الاجتماعي لدى السكان. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هل ساهم انتشار هذه الأنواع من الرياضة في دفع الرياضة الفلسطينية (العربية) في الوقت الذي كانت به بريطانيا والرياضة البريطانية في فلسطين داعمة للرياضة الصهيونية التي كانت تهدف في نهاية المطاف إلى إقامة الوطن القومي اليهودي؟
كانت رياضة الانتداب البريطاني ممثلة بفرق البوليس الفلسطيني والجيش والطيران وحرس الشواطئ والهندسة الملكية وغيرها، وكانت هذه الفرق تلتقي بمباريات مع الفرق العربية واليهودية والأرمنية والفرق الكشفية ومع نظيراتها في الأقطار الأخرى مثل مصر وشرق الأردن بالإضافة إلى الفرق العسكرية البريطانية والفرنسية والأسترالية التي كانت تزور فلسطين.
أقيم أول دوري بين الدوائر الحكومية وهو أول دوري لكرة القدم في فلسطين في مدينة القدس وكان دوري الدوائر الحكومية يضم العاملين في سكك الحديد والبريد والجمارك والأراضي والكهرباء والهجرة والزراعة والمعارف والأشغال العامة والبريد والعدلية والبلديات و يعد موسم 1924 هو نقطة التحول للعبة كرة القدم لأنه في هذا العام ولدت منافسات كأس ودوري الزهرة وكأس البلديات في القدس وكانت الفرق المقدسية تشارك فيها بقوة كما شاركت في دوري الاتحاد الفلسطيني العام بعد إعادة تشكيله عام 1944,وتكاثرت الأندية المقدسية في هذه الفترة حتى العام 1948 (عام النكبة) ومن هذه الأندية المعروفة : نادي الدجاني ، والنادي الأرثوذكسي في القدس، والنادي القروي، والنادي الأهلي العربي، ونادي الهومنتمن، ونادي الهومنتمن (الاكس) .
أما بالنسبة إلى الملاعب المقدسية، فقد كان في مدن فلسطين وقراها عدد من ملاعب كرة القدم بمستوى دولي، إضافة إلى ملاعب المدارس التبشيرية في القدس، وكان أهم ملعب في فلسطين هو ملعب جمعية الشبان المسيحية في القدس، والذي كانت تقام عليه المباريات الدولية للفرق الزائرة لفلسطين، وهو ملعب بمقاسات قانونية، وله مدرج ضخم، وملعب النادي القروي وملاعب الكليات والجامعات في القدس كملعب كلية النهضة وكلية روضة المعارف والكلية الإبراهيمية ومدرسة دار الأيتام ومدرسة الأمة.
اشتهرت في القدس رياضات الغولف (نادي القدس للغولف تأسس عام 1938 والكريكت (مدرسة المطران St. George في القدس) وكرة القدم والملاكمة والتنس والدراجات الهوائية والبولو والباص بول (كرة القاعدة ) والسباحة وسباق الجري.
تأسست أول صحيفة رياضية في القدس (جريدة النيل الرياضية) عام 1944 وكانت تبحث في الشؤون الرياضية المصورة وتصدر مرة واحدة في الأسبوع باللغة العربية وكانت تطبع في القدس في دار الأيتام الإسلامية وقد ساهمت هذه المجلة والمقالات الرياضية في جريدة فلسطين في دعم الحركة الرياضية في القدس وكامل فلسطين ومؤسسها هو المصري حسين حسني الذي سكن القدس حينها وكان يكتب أيضًا في جريدة فلسطين في العمود الرياضي.
وذكرت صحيفة فلسطين في 22 آذارعام 1945 أن العائلات الرياضية الأشهر في القدس هي عائلة الديجاني ورباح والياس وجورج ووليام وفكتور ونسيبه وفراج.
وبعد نكبة عام 48، شاركت الأندية الفلسطينية والمقدسية بالدوري الأردني بعد قيام الوحدة عام 1952 إلى حين حدوث حرب 1967 ومن هذه الأندية المقدسية نادي الموظفين والنادي الثقافي وغيرهم من الأندية في الدرجات الأخرى.
وفي ضل الغياب التام في هذه الفترة للمرجعيات الرسمية الرياضية الفلسطينية ولدت الروابط والتجمعات الرياضية التي ترعى العمل الرياضي وتطوره وتحافظ على الأندية والالعاب , وعند قدوم السلطة الفلسطينية 1994 وعودة المجلس الاعلى الى فلسطين , اعيد تشكيل الاتحادات الفلسطينية بكل انواعها وانخرطت اندية القدس كباقي اندية الضفة فيها لتعزيز العمل الوطني الرياضي الفلسطيني حيث شاركت اندية القدس بكل تخصصاتها في البطولات الرسمية .
ومن أهم الرياضات في القدس : كرة القدم وكرة السلة والطائرة وكرة الطاولة والالعاب القتالية والشطرنج وغيرها من الالعاب الرسمية والاتحادية .
حاليًّا تعد كرة القدم وكرة السلة والكرة الطائرة ، الأكثر شعبية في مدينة القدس،وفيها حوالي 25 ناديا من جميع الدرجات ويعد نادي جبل المكبر(تأسس عام 1976) من أشهر الأندية المقدسية والذي يلعب بالدوري الفلسطيني الممتاز بالضفة الغربية وهو بطل اول دوري للمحترفين ، ونادي هلال القدس ( تاسس عام1972 )بطل الدوري في الأعوام الثلاثة الاخيرة وهو من ضمن فرق الاحتراف , ومن الأندية الفلسطينية الأخرى في القدس: العربي بيت صفافا، الأنصار المقدسي، دي لاسال (من ابطال السلة الفلسطينية )، أهلي القدس بطل (الطاولة المقدسية )، جبل الزيتون، إسلامي سلوان ، أبناء القدس، أرثوذكسي القدس (اقوى اندية السلة )،ونادي جمعية الشبان المسيحية وقلنديا (بطل السلة الفلسطينية ) وصور باهر (بطل سيدات الطائرة ) فرق جمعية اللقلق (الموظفين )وغيرها.
ونظرًا إلى احتلال القدس فإن الملاعب في القدس الغربية يشغلها الاحتلال وأنديته وفيها معظم الملاعب , وبالتالي تتخد الأندية المقدسية ملاعب الرام ملاعبها البيتية وبعض الملاعب في الشطر الشرقي من القدس (للدرجات غير الاحترافية )، ومن أهم الملاعب في محافظة القدس : ملعب حسني الأشهب وملعب فيصل الحسني ، وملعب جبل المكبر وملعب قلنديا وملعب جبل الزيتون والشيخ جراح والعيساوية وبدو (محافظة القدس) والقاعة المقفلة في الرام التي تقام عليها عدة ألعاب كالطائرة والسلة والصالات والألعاب القتالية والطاولة.
عرفت الرياضة نهوضًا ملحوظًا في القدس منذ أن تنظم العمل الإداري في اتحاد الكرة واللجنة الأولمبية الفلسطينية وكان لأندية القدس نصيباً وافراً من الاهتمام الرسمي و ذلك لأهمية اندية القدس العريقة ولأهمية القدس كونها العاصمة الفلسطينية فتالقت الأندية المقدسية وأخرجت ابداعها وما زالت .
وتعتبر رابطة الأندية المقدسية العامود الفقري للرياضة المقدسية بكل انواعها ,واكد محمد أبو سرور رئيس مجلس الرابطة على ان الرابطة هدفها الاساسي هو النهوض ورفع مستوى الاندية المقدسية على جميع المستويات سواء الرياضية والثقافية والاجتماعية وحتى المالية منها لتعزيز صمودها في وجه الخطط التهويدية في القدس من قبل الاحتلال وترعى الرابطة كافة النشاطات الرياضية بشتى الالعاب على مدار السنة كما ترعى البطولات المدرسية ومن اجل ذلك عقدت اتفاق شراكة مع المجلس الاعلى للشباب والرياضة الفلسطيني للتكامل في العناية والرعاية و العمل .
وتبرز الأكاديميات الرياضية في القدس التي تسعى إلى احتضان الناشئة من أبناء القدس وتطويرهم ويقول أبو ميالة مدير الأكاديمية الفلسطينية للمواهب في القدس التي تظم أكثر من 1500 طفل مقدسي إن العمل مع المواهب ضرورة للبقاء وأساس في البناء, كما تبرز الرياضة النسائية بكل الرياضات حتى في كرة القدم حيث تشكل اول فريق نسائي عام 1988 .
يحاول الاحتلال جاهداً إعاقة وحصار الرياضة المقدسية الرسمية والشعبية من خلال منع النشاطات الرياضية ,بدأها منذ أحتلاله للقدس , وأقفل النادي العربي واقفل الملعب الرسمي لمدرسة المطران جورج وملعب الروضة الذي حوله الى كراجات للسيارات ,وملعب مدرسة عبدالله الحسين الى ملاعب خاصة له ,و إغلاق مقر رابطة الاندية المقدسية في حي الرشيد في القدس في العام 2002و منع الترخص للمراكز والاندية في القدس وآخرها منع إقامة دوري العائلات المقدسية والذي تشارك فيه سنويا ً اكثر من 150 عائلة من فلسطيني القدس على ملعب جمعية اللقلق في القدس القديمة ويقول السيد ناصر غيث رئيس الجمعية أن الاحتلال لا تعجبه أن تجتمع العائلات المقدسية بهذه القوة والعدد ذلك لأن اي تجمع فلسطيني فيه الوحدة يخشاه فيمنعه .
وكان الاحتلال صعد في السنوات الأخيرة من إجراءاته بمنع الأنشطة الرياضية والثقافية والمجتمعية في مدينة القدس المحتلة، بداعي رعاية أو تمويل السلطة الفلسطينية لها. ومنع حرية الحركة للاندية واحيانا كثيرة المنع الكامل لتنقلاتهم وملاحقة ادارات الاندية واللاعبين وتم اغلاق بعض الأندية و حولت مراكزها الى مقرات يستعملها الكيان الغاصب كنادي سلوان الرياضي .
ومن أجل مواجهة هذا العدوان من قبل الاحتلال برزت المؤسسات والجمعيات وبنك القدس والأطر الرسمية الفلسطينية بالعمل على تقديم المشاريع التي تزيد من صمود الاندية واللاعبين وكان آخرها ما قدمه البنك الاسلامي بالتعاون مع بكدار بتمويل 3 مشاريع رياضية وهي: تأهيل ملعب بيت حنينا وملعب الصوانة لكرة القدم، وتوريدات وأجهزة ل15 ناديا مقدسيا، إلى جانب أنشطة رياضية وتطوير القدرات البشرية .
ستبقى القدس عروس المدن العربية وأميرة المدن الرياضية ومهما اشتد عليها الحصار وهذا لن يثني المقدسين عن الثبات فيها مهما صعد الاحتلال من تعسفه و ستبقى القدس منارة الأمة وعنوان الطهارة وعاصمة لفلسطين وعاصمة لرياضتها وأنديتها .
بقلم: أ. خليل إبراهيم العلي، مدير المؤسسة الفلسطينية للشباب والرياضة في لبنان.
المصدر: موقع مدينة القدس "مؤسسة القدس الدولية"، 19-1-2020
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت