شهدت الولايات المتحدة حدثا تاريخياً (23/1)، حين بدأ مجلس الشيوخ للمرة الثالثة في تاريخ البلاد، (الأولى في القرن الـ 19، عندما حوكم الرئيس أندرو جونسون، والثانية في نهاية القرن العشرين، عند محاكمة بيل كلينتون)، الإجراءات القانونية الأولية لمحاكمة الرئيس دونالد ترامب، بتهمتي "إساءة استخدام صلاحياته الدستورية"، على خلفية ضغطه على أوكرانيا من أجل إجراء تحقيق في أنشطة نجل نائب الرئيس السابق جو بايدن، إضافة إلى "عرقلة التحقيق" في القضية.
وفي مقابل الجدية والوقار الذي اتسمت بها مراسم افتتاح المحاكمة، تعامل ترامب كعادته باستخفاف مع إجراءات المحاكمة، وواصل اتهامه لها بأنها؛ "خدعة من الديمقراطيين لاستخدامها ضده في الانتخابات الرئاسية المقبلة". كما انتقد كبير المدافعين عنه القضية بأكملها، ووصفها بأنها "لا أساس لها"، بينما قال النائب الديمقراطي البارز، آدم شيف، إن "ثمة أدلة دامغة على ارتكاب مخالفات تبرر المساءلة".
وقبل ذلك، كان مجلس الشيوخ أقرّ (بأغلبية جميع الأعضاء الجمهوريين، أي 53 صوتاً مقابل 47)، "خطة المحاكمة والقواعد المنظمة لها"، والتي شملت "تأجيل المناقشات بخصوص استدعاء الشهود حتى منتصف المحاكمة". وذلك بعد أن رفض ثلاث محاولات من قبل "الديمقراطيين" للحصول على وثائق وسجلات متعلقة بالمحاكمة، في إشارة مبكرة إلى أنّ "الإجراءات قد تمضي وفق اتجاهات حزبية تصبّ في مصلحة ترامب"!.
ويصرّ "الديمقراطيون" على استدعاء عدد من المسؤولين السابقين والحاليين، بمن فيهم مستشار الأمن القومي السابق جون بولتون، (الذي وصف الاتصالات والضغوط على أوكرانيا أنها بمثابة "صفقة مخدرات")، بينما يعارض الجمهوريون استدعاء هؤلاء الشهود، بتشجيع من الرئيس ترامب". ولاحظ محللون أنّ الأعضاء الجمهوريين في الكونغرس "أصدروا أحكامهم مسبقاً ببراءة ترامب". وخصوصاً بعد أن أظهروا انضباطا قوياً، خلال محاكمته في مجلس النواب، ولم يبرز أي صوت منهم "ينتقد الرئيس وممارساته غير التقليدية وانتهاكاته للقوانين".
ويتطلب عزل ترامب تصويت ثلثي مجلس الشيوخ لصالح ذلك، وهو ما يبدو متعذراً مع سيطرة الجمهوريين عليه، وذلك على رغم استمرار الكشف عن أدلة جديدة تثبت أنّه ومساعديه "ضغطوا بالفعل على أوكرانيا لفتح تحقيق بدور نائب الرئيس السابق ونجله هنتر بايدن، الذي كان عضواً في مجلس إدارة شركة أوكرانية للطاقة".
ثلاثة مفاجآت ضد ترامب
وقبل ساعات من بدء جلسات المحاكمة في مجلس الشيوخ، برزت على السطح ثلاث قضايا ليست في صالح ترامب أبداً. أولاها؛ تقرير أصدره مكتب المحاسبة الحكومية (هيئة مستقلة تابعة للكونغرس)، أكد فيه أنّ "البيت الأبيض انتهك القانون حين جمّد تسليم صفقة أسلحة لأوكرانيا، كان أقرها الكونغرس بقيمة 391 مليون دولار، سعياً منه للضغط على أوكرانيا وإرغامها على التحقيق بفساد بايدن الابن، في محاولة لتلطيخ سمعة بايدن الأب انتخابياً.
القضية الثانية هي الكشف عن "تسجيل مصور نشرته وسائل إعلام أميركية" (25/1)، يظهر أنّ الرئيس ترامب "طلب إقالة سفيرة الولايات المتحدة لدى أوكرانيا ماري يوفانوفيتش"، الشخصية الرئيسية في المحاكمة الجارية.
وكشف هذا التسجيل المحامي والمتهم ليف بارناس، شريك رودي جولياني المحامي الشخصي لترامب. وذلك في سياق مقابلة تلفزيونية أجراها مع شبكة إخبارية، واعتبرت هي القضية الثالثة التي قد تستخدم ضد ترامب، إذ قال بارناس خلالها إن "ترامب كان على علم بما كان يجري بدقة بشأن جهوده، وجهود شريكه فرومان، للضغط على السلطات الأوكرانية للتحقيق مع بايدن".
وظهر بارناس في المقابلة، بعدما نشر الديمقراطيون وثائق كشفت أن جولياني عمل معه للضغط على كييف للتحقيق مع بايدن. وكانت محكمة فيديرالية ألقت القبض على بارناس في المطار، وهو في طريقه للهروب إلى كييف ببطاقة سفر من دون عودة، واعتقلته بتهم جرائم مالية مختلفة. ويبدو أنّه فضّل "التعاون في التحقيقات"، على أمل التخفيف من وطأة الاحكام المتوقعة عليه!.
فؤاد محجوب
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت