ذكيٌ ومبدعٌ، حسّاسٌ ومتميز بين أقرانه، فإذا قرّر القيام بعملٍ أنجزه بشغف. يتألق وينتظر غالباً التصفيق لاسيما وأنه استنفذ كل ذكاء الطفولة والشباب وشحذ مهاراته، واستثمر معرفته وتميزه الرباني في انجازه. إنه شخص لا يقبل الفشل!
في الغالب نضع المبدع أمام خيارين لا ثالث لهما؛ إما أن نقبل تميزه؛ أي الإقرار بأنه أفضل وأذكى منا نحن الفريق المحيط به، وهذا ليس بالأمر السهل أو المعتاد! وإما أن لا نتفهم ابداعه ونضعه في مصاف الفشلة، تماماً كما يفعل المعلم مع الطالب العبقري في الرياضيات مثلاً والضعيف في بقية المواد، أو البارع في الرسم والضعيف المُهمِل في بقية المواد، ونجده دوماً منغلقاً على نفسه، في المقعد الأخير في الصف، لا يلتفت إليه المعلم سوى بالزجر والتوبيخ!! وحين يسافر يصبح فناناً أو عالماً مشهوراً.
في الحالة الأولى التي يصعب فيها على زملاءه تقبله، تقع المسؤولية على "المسؤول" الذي لابد من أن يتابعه مباشرة ويحتضنه، ويفصله عن أقرانه الذين لن ينفكوا احباطه، واقصاءه، وهو في العادة لا يحب الحروب، وربما لا يعرف إدارتها.
لماذا على المسؤول أن يحذر المبدعين؟ لأن اقصائهم يعني فشله في قيادة مؤسسة يمكن لها أن تنجح بشكل لافت، وبغيابهم وانتقالهم إلى مكان آخر وبعد مرور بعض الوقت ونجاح المبدع في العمل الجديد، سيعرف ذاك المسؤول يوماً ما أنه لم يكن قائداً حقيقياً، بل قائداً لحفنة من الموظفين والأشخاص الذين لا يحبون الخير للناجحين، ولا يؤمنون بنجاح المؤسسة بل بنجاحهم كأفراد، فيما يعود النجاح الباهر للعمل الجماعي. على المسؤول أن يحذر المبدعين ويحتضنهم لأن المبدع أكثر الأشخاص تقديراً للمسؤول الذي منحه الدعم والمساحة الكافية لهم، فالمبدع غالباً ما يكون قد تعرض منذ صغره للاهمال والتوبيخ بسبب ابداعه، إنه أكثر الأشخاص احتراماً للآخرين ومشاعرهم، لأن الآخرين بالنسبة إليه جمهوره المفترض أن يدعم أفكاره الخلّاقة. الابداع بالفطرة مرتبط بالأخلاق، والشر يعد عائقاً امام الابداع والنجاح.
في الغرب ترتكز الاستراتيجية على التصفيق للجميع؛ للناجحين وغير الناجحين، على تفاوتهم، وبالتالي يستمر الناجح في احراز النجاحات، فيما يستمر الآخرين في المحاولة، لأنهم يؤمنون أن في كل انسان نقطة مضيئة يمكن البناء عليها. أما "اللااستراتيجية" العربية فترتكز على أن النجاح مرتبط بعلاقة الموظف بالمسؤول أولاً والتي تُبنى عادة على أسس لا تتعلق بالانجاز والعمل، بقدر ما تتعلق بالاطار الذي يتم وضع صورة المسؤول فيه من قبل الموظف، صورة تداعب غرور المسؤول لا أكثر، وهو أمر شكلي للغاية بعيد عن السعي لإحراز النجاح الحقيقي، كما ترتكز على علاقات وهمية بين المسؤول والموظفين والتي تنتهي فور انتقال المسؤول إلى عمل آخر، تتكسر العلاقة التي لم تُبنى على أسسٍ سليمة، كما ترتكز أخيراً على أن الفاشل لا يمكن أن ينجح، والمبدع متعب في العمل، وفي النهاية حين ينظر المسؤول إلى الخلف يقول: ليتني احتفظت بالاثنين؛ المبدع كي يبدع، والآخرين كي يجدوا من ينافسوه ويشحذهم على الفعل والانجاز، موازنة ليست بالبسيطة وتعتمد على قدرات القيادة والقائد الحقيقي. إنه المبدع فقط من يمنحك مذاقاً استثنائياً في العمل؟ فيما يمنحك الآخرين مذاقاً عادياً، وحروباً تدفعك إلى الخلف...
بثينة حمدان
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت