وقف التنسيق الأمني .. من يمتلك القرار؟

بقلم: ماجد الزبدة

ماجد الزبدة

رؤي

"السلطة الفلسطينية ستنهار خلال أسبوع حال أوقفت التنسيق الأمني"، بهذه العبارة وجه وزير داخلية الاحتلال آريه درعي قبل أيام تهديداً مبطناً للسلطة الفلسطينية ورئيسها محمود عباس إذا ما فكر باتخاذ خطوة فعلية بإيقاف التنسيق الأمني مع جيش الاحتلال، ويأتي هذا التهديد المبطن رداً على تلويح رئيس السلطة الفلسطينية بتغيير الدور الوظيفي للسلطة عقب إعلان الرئيس الأمريكي خطته للسلام التي تبنّت بنودها الرؤية المعلنة لليمين الصهيوني لحل الصراع، فهل كان الوزير الصهيوني صادقاً في تصريحه أم أنه أراد التلويح بحجم الخسارة التي ستتكبدها السلطة الفلسطينية حال أقدمت على تلك الخطوة!!

يدرك قادة السلطة الفلسطينية جيداً بأن غالبية الجمهور الفلسطيني تمقت التنسيق الأمني وتطالب بإيقافه، ويؤكد هذه الحقيقة جميع استطلاعات الرأي التي أجرتها المراكز البحثية المتخصصة طيلة السنوات الأخيرة، ومنها على سبيل المثال مطالبة سبعة وسبعين بالمائة من الفلسطينيين وقف التنسيق الأمني مع الاحتلال بحسب استطلاع أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية في رام الله مطلع شهر فبراير الحالي، بينما أظهر استطلاع أجراه ذات المركز في سبتمبر من العام الماضي أن ثلاثة أرباع الفلسطينيين يرون قرار عباس بوقف العمل بالاتفاقات مع إسرائيل هو مجرد مناورة إعلامية لامتصاص غضب الجمهور، فيما طالب ستون بالمائة باستقالته.

لا شك أن التنسيق الأمني الذي يمقته الفلسطينيون لا يُقصَد به التنسيق المدني الذي يتعلق بتسيير حياة الشعب الفلسطيني اليومية في ظل استمرار الاحتلال وهو حق كفلته المواثيق والقرارات الدولية لجميع الشعوب التي ترزح تحت نَير الاحتلال، وإنما ما يبغضه الكل الفلسطيني هو تبادل المعلومات الأمنية التي تؤدي إلى ملاحقة واعتقال وقتل المقاومين الفلسطينيين، وهي أفعال تمارسها الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية على مدار الساعة، وهنا نستحضر على سبيل المثال ما أعلنته وسائل الإعلام الصهيونية نهاية سبتمبر الماضي عن تعاون أجهزة الأمن الفلسطينية مع جهاز الأمن العام الصهيوني "الشاباك" ما أدى إلى اعتقال مجموعة من المقاومين يتبعون لحركة الجهاد الإسلامي في الضفة، وأيضاً مطالبة رئيس الأركان السابق لجيش الاحتلال "غادي آيزنكوت" في يناير من العام الماضي بضرورة دعم الأجهزة الأمنية الفلسطينية بعد نجاحها في العثور على أسلحة ومواد متفجرة تعود للجناح العسكري لحركة حماس في الضفة المحتلة أيضاً.

المطالبة بإيقاف التعاون الأمني لم تقف عند الجمهور الفلسطيني، بل تعدتها إلى مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية التي طالبت مراراً بإيقاف التعاون الأمني غير المُجدي فلسطينيا مع دولة الاحتلال التي تنصلت من جميع التزاماتها تجاه الحقوق الفلسطينية وفي مقدمتها حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير، فقد أكد المجلس الوطني الفلسطيني في مايو من العام ألفين وثمانية عشر على وجوب تنفيذ قرارات المجلس المركزي المتكررة بوقف التنسيق الأمني بكافة أشكاله، كما أكد المجلس المركزي الفلسطيني في أكتوبر من العام نفسه على ذات المطلب دون جدوى!!

في ظل تلكؤ السلطة الفلسطينية المتواصل في إيقاف التنسيق الأمني مع جيش الاحتلال بات كثير من الفلسطينيين يشككون بقدرتها على تطبيق تلك الخطوة، فهل تستطيع أجهزة السلطة الفلسطينية إيقاف تعاونها الأمني مع جيش الاحتلال؟ وما الذي تستفيده السلطة عملياً من استمراره في ظل تواصل تهويد القدس واتساع الاستيطان، وفشل خيار المفاوضات وتدمير حلم بناء الدولة وانسداد أي أفق سياسي مع دولة الاحتلال؟

التنسيق الأمني في الاتفاقيات

ربما لا يدرك كثيرون أن التنسيق الأمني مع جيش الاحتلال يمثل جوهر جميع الاتفاقيات التي وقعتها منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية لاحقاً مع دولة الاحتلال، والتي نذكر منها باختصار ما يشير إلى هذا التعاون الأمني البغيض:

-       اتفاقية إعلان المبادئ المعروفة باسم "اتفاقية أوسلو" المُوَقَّعة في سبتمبر من العام ثلاثة وتسعين نصّت على تشكيل "لجنة ارتباط مشتركة إسرائيلية وفلسطينية" من أجل توفير تطبيق هادئ للاتفاقية وأية اتفاقات لاحقة ومعالجة القضايا ذات الاهتمام التي تتطلب التنسيق المشترك.

-       اتفاقية أوسلو (2) المُوَقَّعة في مايو من العام خمسة وتسعين نصت على "إنشاء لجنة مشتركة للتنسيق والتعاون بشأن أغراض الأمن المتبادل".

-       بروتوكول إعادة الانتشار في مدينة الخليل المُوَقَّع في يناير من العام سبعة وتسعين حدد مسئوليات السلطة الفلسطينية بتعزيز التعاون الأمني، ومكافحة "الإرهاب" أي المقاومة، ومنع التحريض ضد الاحتلال، ومصادرة الأسلحة، واعتقال المقاومين وتقديمهم للمحاكمة.

-       اتفاقية "واي ريفر" المُوَقَّعة في أكتوبر من العام ثمانية وتسعين نصت على تعاون أمني ثنائي ومكافحة منهجية وفاعلة ضد فصائل المقاومة الفلسطينية بوصفها "منظمات إرهابية".

-       اتفاقية شرم الشيخ حول مفاوضات الوضع النهائي، والمُوَقَّعة عام تسعة وتسعين نصّت على التزام السلطة بالتعاون الأمني وتبادل المعلومات، واستمرار جمع الأسلحة، واعتقال "المشبوهين" أي المقاومين.

-       لجنة ميتشل لتقصي الحقائق المنبثقة عن مؤتمر سلام الشرق الأوسط طالبت في تقريرها الذي قدمته في ابريل من العام ألفين وواحد باستئناف التعاون الأمني فوراً بين السلطة الفلسطينية وجيش الاحتلال، وأكدت على ضرورة بذل السلطة جهود مائة بالمائة لمنع "العمليات الإرهابية" أي عمليات المقاومة، وسجن "الإرهابيين" أي المقاومين.

-       خطة جورج تينيت مدير وكالة الاستخبارات الأمريكية التي قدمها في يونية من العام ألفين وواحد أكدت على دور السلطة الفلسطينية في تبادل المعلومات، واعتقال "الإرهابيين" أي المقاومين، وتسليم أسمائهم لجيش الاحتلال، ومنع التحريض أو الهجمات ضد الاحتلال.

-       وثائق سرية نشرتها قناة الجزيرة في يناير ألفين وأحد عشر كشفت عمق العلاقة بين جهاز المخابرات الفلسطينية وجيش الاحتلال بُعَيد أحداث الانقسام الفلسطيني، حيث امتدح المنسق الأمني الأمريكي كيث دايتون "جماعات المخابرات" واصفاً إياهم: "إنّهم جيدون، الاسرائيليون يحبونهم، يقولون إنهم يعطون بالقدر نفسه الذي يأخذونه منهم".

ولا يفوتنا أن نذكر في هذه الجزئية تحديداً ما نصت عليه خطة الرئيس الأمريكي للسلام والتي أعلنها نهاية يناير الماضي تحت عنوان "السلام من أجل الازدهار" والتي وسمت المقاومة الفلسطينية عشرات المرات بمصطلح "الإرهاب"، وأكدت على دور أجهزة الأمن الفلسطينية في "منع الهجمات الإرهابية" وضمان الأمن العام.

التأكيد على دور السلطة الفلسطينية في تعزيز التعاون الأمني مع جيش الاحتلال في جميع الاتفاقيات المبرمة بينهما يوضح شيئاً من الالتباس حول تجاهل السلطة لمطالب غالبية الجمهور الفلسطيني بإنهاء التنسيق الأمني، وعدم قدرتها الفعلية على تطبيق قرارات المجلسين الوطني والمركزي، كما أنه يفسر إصرار رئيس السلطة الفلسطينية على تقديس التنسيق الأمني مع الاحتلال، وتمسكه في خطابه الأخير أمام مجلس الأمن بخيار المفاوضات مع الاحتلال، وتجاهله التلويح بإنهاء التنسيق الأمني رغم أنه لوح بإيقافه قبلها بأيام في القاهرة أمام جامعة الدول العربية، فالرجل يدرك أن سماح دول الاحتلال باستمرار وجود السلطة الفلسطينية في الضفة المحتلة مرتبط بشكل مباشر بمدى تمسكها بالتنسيق الأمني، وهذا يفسر أيضاً تصريح الناطق بلسان رئاسة السلطة نبيل أبو ردينة خلال الساعات الأخيرة بأن "العلاقات الأمنية بين "إسرائيل" والسلطة الفلسطينية مستمرة، وأنها تسعى لأن "يفهم المواطن الإسرائيلي بأن السلطة تكافح الإرهاب"، في إشارة مسيئة لنضال ومقاومة الشعب الفلسطيني أجمع.

مدى الحاجة لاستمرار التنسيق الأمني

استمرار التنسيق الأمني من وجهة نظر قادة السلطة الفلسطينية يمثل الرئة التي تمنح السلطة صلاحياتها الأساسية مثل إصدار جوازات السفر واستلام أموال المقاصة، ومن خلالها تقبل دولة الاحتلال بتدفق الدعم المالي لمؤسسات السلطة الفلسطينية التي أقر رئيسها قبل سنوات أنه يعيش تحت بساطير الاحتلال، فيما أشار كبير مفاوضيها متشائماً أنها لا تملك قرارها، وأن الرئيس الحقيقي للشعب الفلسطيني هو وزير جيش الاحتلال بينما رئيس الوزراء الفعلي هو ضابط الإدارة المدنية الصهيونية.

إقدام السلطة الفلسطينية على إنهاء التنسيق الأمني مع جيش الاحتلال يشكل هاجساً أمنياً لدولة الاحتلال نظراً لما توفره السلطة من خدمات أمنية يعجز جيش الاحتلال الحصول عليها دون مساعدة الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية، فلا زال جيش الاحتلال يواجه مقاومة متصاعدة في الضفة والقدس، فبحسب تقرير صهيوني نشره موقع فلسطين اليوم الإخباري فقد نُفذت في الضفة المحتلة تسعة عشر عملية مقاومة خلال عام 2019م، قتل فيها خمسة صهاينة محتلين، فيما أشار تقرير إحصائي نشره مركز القدس لدراسات الشأن الإسرائيلي والفلسطيني إلى مقتل أحد عشر صهيونياً واصابة 159 آخرين بجراح خلال الفترة (يناير – أكتوبر 2018م).

ورغم أن دولة الاحتلال تعمل على تجاوز دور السلطة من خلال إعادة تفعيل الإدارة المدنية في الضفة المحتلة إلا أنها تبقى في ظل تصاعد المقاومة بحاجة ماسة لاستمرار التنسيق الأمني مع أجهزة السلطة الفلسطينية التي ترى في المقاومة الفلسطينية عدوا مشتركاً بينها وبين جيش الاحتلال.

واليوم وبعد انجلاء الستار عن وهم التسوية مع الاحتلال يبدو واضحاً بأن إنهاء التنسيق الأمني مع جيش الاحتلال ليس وارداً في أذهان قادة السلطة الفلسطينية الذين أضحت مصالحهم وارتباطاتهم تدفعهم للتمسك باستمرار الاحتلال لا تحرير الأرض وبناء الدولة الفلسطينية المستقلة، وربما يعزز هذا الرأي ما صرح به مسئول فلسطيني رفيع المستوى لموقع ميدل إيست آي البريطاني ونشرته الجزيرة نت في الرابع من فبراير الحالي بأنه "على الرغم من الكلمات القوية التي قالها عباس في اجتماع وزراء الخارجية العرب، فإن قطع العلاقات على الفور لم يكن أبدا جزءا من تفكير عباس" وأن الأمر كان مجرد تلميح لا أكثر.

ختاماً هل نمتلك كفلسطينيين قرار إيقاف التنسيق الأمني، وهل نستطيع أن نطهّر قضيتنا من هذا العار الذي أضحى وسيلة وضيعة لتبرير التطبيع العلني مع دولة الاحتلال، الإجابة بكل بساطة: نعم، إذا قررنا التخلص من اتفاقية أوسلو التي أحدثت انقساما حاداً بين أبناء شعبناً، وما تبعها من اتفاقيات قزمت تطلعات شعبنا الفلسطيني وكبّلت مقاومته، وبددت أحلامه بنَيل الحرية والاستقلال، وفي المقابل عززت المشروع الصهيوني وأطالت عمر دولة الاحتلال.

 

بقلم: ماجد الزبدة

 

المصدر: معهد فلسطين للدراسات الاستراتيجية ورقة تحليل وأبعاد - بقلم: ماجد الزبدة

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت