مواكب تشييع الشهداء في مخيم اليرموك

بقلم: علي بدوان

علي بدوان

تشييع الشهداء 3


 

مخيم اليرموك، أول مخيم وتجمع فلسطيني على الإطلاق يشهد مسيرات تشييع الشهداء في الثورة الفلسطينية المعاصرة، وعموم الحركة الوطنية الفلسطينية بعد العام 1965. فمثوى الشهداء القديم في اليرموك كان أول مثوى لشهداء فلسطين خارج أرض فلسطين التاريخية وبه المتحف الخاص الذي كان يضم صور الشهداء في المثوى وسيرتهم الخاصة. وبعدها مثوى الشهداء في عمان، وبعدها مثوى الشهداء في بيروت. حيث أقيمت في مخيم اليرموك قرب حارة المغاربة وعلى حدود قرية (يلدا) في حينها، ودفن فيها أول شهيدين هما الشهيد على الخربوش من عرابة البطوف، والشهيد مفلح السالم من صفورية، من الكتيبة الفلسطينية (68) العاملة في الإستطلاع الخارجي في الجيش العربي السوري، كان هذا منتصف العام 1964، وقبل ذلك كان يدفن الفلسطينيون شهدائهم من العاملين في الجيش العربي السوري وغيره من المجوعات الفدائية الفلسطينية في مقابر مختلفة، كان منها مقبرة الشهداء في الدحداح.

بعد المثوى الأول للشهداء في مخيم اليرموك، تم احداث المثوى الثاني للشهداء عام 1984. وضم مثوى اليرموك في المقبرة الأولى الثانية، العديد من الشهداء العرب الذين انتظموا وقاتلوا في صفوف الثورة الفلسطينية، ومعهم شهداء أمميون من اوربا وامريكا اللاتينية وغيرها.

مسيرات تشييع الشهداء، كانت مُغايرة لكل ما قد يراه أو يتوقعه الإنسان، منذ تلك المسيرات التي تدفقت من خلالها توابيت العشرات من القوافل الأولى لشهداء الثورة الفلسطينية في معارك الجولان والأغوار في الأردن وجنوب لبنان.

في تلك المسيرات التي شَهدتُها عندما كُنت طفلاً، كانت زغاريد النساء تملأ شوارع اليرموك، في وقت كان فيه الجميع يندفع للمشاركة في تشييع الشهداء من عموم المواطنين السوريين والفلسطينيين.

تشييع الشهداء 2


 

أذكر من تلك الجنازات، مسيرة تشييع تسعة شهداء لحركة فتح في شباط/فبراير عام 1967 أي قبل حرب العام 1967، كان منهم الشهيد (منهل توفيق شديد) (من علار قضاء طولكرم)، وأحمد الأطرش ... ففي تلك المسيرة من تشييع الشهداء، شاركت وحدات فدائية من قوات العاصفة بلباسها العسكري، وكان الظهور الأول والعلني للراحل ياسر عرفات وأبو علي إياد وأبو جهاد وكمال عدوان وغيرهم، فتمت الصلاة على الشهداء في مسجد فلسطين، وأطلقت أثناء التشييع العيارات النارية في وقت كانت فيه أجواء التشييع تصدح بزغاريد النساء التي ملأت الأجواء والتي لم تتوقف، وحينها قال الرئيس جمال عبد الناصر في إحدى المناسبات "لم أرى أو أشهد أو أسمع" عن تشييع للشهداء مترافقاً مع زغاريد النساء إلا عند الشعب الفلسطيني.

وهكذا تتالت مواكب الشهداء التي كانت شبه يومية في مخيم اليرموك والى حين ليس بالبعيد. كانت مواكب ضخمة للشهداء، وكان منها تشييع العديد من القادة والكوادر المعروفين، وبمشاركة قيادات عليا عربية وفلسطينية كما حصل مع تشييع جنازة الشهيد زهير محسن الأمين العام لقوات الصاعقة صيف العام 1979 بمشاركة الرئيس الراحل حافظ الأسد والرئيس الراحل ياسر عرفات عندما سار كلاً منهما مشياً على الأقدام من منطقة سينما الكرمل باتجاه مقبرة الشهداء. ومسيرة تشييع أبو صبري صيدم، وسعد صايل، وخليل الوزير، وطلعت يعقوب، وفتحي الشقاقي، وجهاد جبريل، وعبد الكريم الكرمي، وائل زعيتر، يعقوب أبو غزالة، عز الدين القلق ....

أي مسيرةٍ لتشييع شهيدٍ أذكرها، أو أستطيع إستحضارها من ذاكرتي، فذاكرتي مُتخمة بصور مسيرات التشييع التي لا أنساها مهما صدأت الذاكرة بفعل عامل الزمن... تشييع شهداء معسكر الهامة، شهداء معسكر حمورية، شهداء معسكر عين السخنة ..... مسيرات تشييع شهداء المرحلة الأردنية وأحداثها، معارك زغرتا من الكتيبة (11) من قوات حطين التابعة لجيش التحرير الفلسطيني، مسيرات تشييع شهداء معارك بيروت عام 1976، شهداء معارك البقاع خلال وبعد إجتياح لبنان عام 1982، مسيرات تشييع وتشييع وتشييع ... والفرقة النحاسية لموسيقا الثورة تعزف ألحان الأناشيد الوطنية (جابو الشهيد جابوه ... يافرحة أمه وأبوه).. ونشيد عائدون ونشيد فدائي ....

مسيرة مُكتظة، كُتبت بدم زهرات الشباب والمناضلين، مسيرة حاشدة، مسيرة متواصلة على درب الخلاص والجلجلة، كان الأمل فيها وسيبقى سيد الموقف، مع مرور تلك السنوات الطويلة منذ أن حمل أبناء مخيم اليرموك على أكتافهم توابيت الشهداء الملفوفة بالعلم الفلسطيني لأول مرة منذ نكبة عام 1948.

لوكانت الصورة الفوتوغرافية حاضرة في تلك المسيرات، ولو كانت الصورة المتحركة حاضرة لنطقت الآن تلك الفعاليات الوطنية بما يعجز القلم عن تدوينه.

بقلم علي بدوان

المصدر: -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت