مع ارتدائه بدلة سوداء ووشاح أحمر أنيق حول عنقه، سار الموسيقار التونسي الشهير كمال شريف باتجاه وسط "المسرح" وجلس ببطء وأمسك بآلته الموسيقية الوترية...فقد أصبحت غرفة المعيشة في منزله بمثابة مسرحه في فترة "العزل" بسبب انتشار فيروس كورونا الجديد. وأثناء العزف، أخذ يتلقى الرموز والتعليقات الدالة على الإعجاب من مستخدمي الإنترنت في الزاوية اليمنى السفلية من البث المباشر عبر الإنترنت...فهكذا بات "تصفيق" الجمهور في عصر الإعلام الجديد.
لقد أصبح انتشار مرض فيروس كورونا الجديد (كوفيد-19) "مصدر قلق جديد" لشعوب بلدان الشرق الأوسط التي عانت من حروب واضطرابات وصعوبات اقتصادية في السنوات الأخيرة؛ وجاءت الموسيقى لتجلب العزاء والأمل للناس المعزولين في منازلهم عبر منصات إعلامية جديدة مثل الإنترنت.
في مصر، أطلقت وزارة الثقافة المصرية مبادرة بث حفل عبر الإنترنت، لعدد من كبار المطربين والموسيقيين، وهم: مدحت صالح، وعلي الحجار، وريهام عبد الحكيم، وأمينة خيرت، مع الموسيقار عمر خيرت. ومن ناحية أخرى، قام فنانون من دار الأوبرا المصرية بالقاهرة ودار أوبرا لياونينغ بالصين بعزف موسيقى "مسيرة النصر" الكلاسيكية العالمية عبر الإنترنت معا، وهو عمل مشترك لاقى إشادة وأصداء واسعة من جانب مستخدمي الإنترنت في البلدين.
كما قام 46 فنانا من الأوركسترا السيمفوني اللبناني "بتقديم عرض على الإنترنت" لتشجيع الناس على تعزيز ثقتهم أثناء العزلة المنزلية، وعلق الجمهور على مواقع التواصل الاجتماعي على العرض قائلين "شكرا لكم!"
وفي سوريا، عادت الفرقة السيمفونية الوطنية السورية لجمهورها عبر أقنية العالم الافتراضي من خلال تقديم مقطوعة موسيقية لاتينية نشرت عبر صفحة دار الأسد للثقافة والفنون الرسمية.
وتؤكد الدراسات الطبية أهمية تعزيز الجانب النفسي للتصدي لفيروس كورونا وتعزيز مناعة الإنسان عبر ممارسة أنشطة متنوعة للابتعاد عن الأجواء السلبية وملء أوقات الفراغ بأشياء مفيدة.
وقد أطلقت مؤسسات وأفراد سوريون داخل الوطن وخارجه نشاطات تظهر مجموعة "موسيقى الحجر الصحي السورية" والتي انطلقت عبر صفحات ومواقع العالم الافتراضي. وقال محمد إبراهيم، وهو من مؤسسي المجموعة، إن الإيجابية والفرح يتحققان عبر ممارسة الموسيقى، فهي فضاء متاح للجميع ولأي شخص يحب أن يعبر عن نفسه بالموسيقى بغرض إيجاد مساحة للتغلب على الضغوط النفسية.
أما المغنية الفلسطينية لينا صليبي فقد قالت من خلال وسائل التواصل الاجتماعي إن "الصين تحولت من بلد موبوء إلى بلد منتصر". وغنت الأغنية اللبنانية "خليك بالبيت"، مشجعة الجميع على "البقاء في المنزل" لتجنب انتشار الفيروس الذي تكافحه حاليا بلدان الشرق الأوسط.
ومن ناحية أخرى، شاهد أكثر من 800 ألف شخص، في غضون أقل من 24 ساعة على وسائل التواصل الاجتماعي، حفل عازف البيانو التركي الشهير غولسين أوني على الإنترنت وسط تهديد فيروس كورونا الجديد. وذكر عازف البيانو ذائع الصيت أن "كل من شاهد حفلة الأمس كان سعيدا للغاية. لقد تلقيت رسائل من جميع أنحاء العالم".
وفي إيران، أخذت عاشقة الموسيقى الإيرانية شيفا عبيدي تعزف على آلة الكمان الفارسية التقليدية على سطح منزلها، فيما قام محمد مالكلي من الأوركسترا الوطنية الإيرانية بالعزف على آلة الساكسفون قرب نافذة منزله. ومع تكرار هذه المشاهد، صارت "حفلات الشرفات" من العروض الفنية الشائعة على وسائل التواصل الاجتماعي.
وفي الواقع، عبر الروائي المصري الراحل نجيب محفوظ، الحائز على جائزة نوبل في الأدب، في كتابه "أصداء السيرة الذاتية" عن نظرته المتفائلة عندما أشار إلى أهمية الحب والغناء لمداواة القلب الحزين. وهي نظرة أضاء بها الأديب الشهير نورا للحياة وسط هذه الجائحة الخطيرة.