الواقع الفلسطيني بعد وقف التنسيق الأمني..

بقلم: أشرف صالح

اشرف صالح
  • اشرف صالح

عندما نتحدث عن وقف التنسيق الأمني , فنحن نتحدث عن تغيير واقع سياسي وإقتصادي وجغرافي وعسكري وأمني وإجتماعي أيضاً , فليس من السهل أن تتخذ السلطة الفلسطينية قرار بوقف التنسيق الأمني دون أن تدفع الثمن غالياً , وهذا بالإضافة الى الثمن الذي سيدفعه الشعب الفلسطيني بأكمله , وتحديداً في الضفة الغربية , والتي لا تخلوا شوارعها وقراها مدنها ومحافظاتها من المستوطنات والحواجز وجدار العزل أيضاً , ومن هذا الواقع المعقد يجب أن يكون لدى السلطة خطط وبدائل وإستعدادات جاهزة , والأهم من ذلك كله , أن تكون السلطة مستعدة للأثمان التي ستدفعها نتيجة وقف التنسيق..

لا ينكر أحد أن قرار السلطة  بوقف التنسيق الأمني مع إسرائيل هو قرار وطني بإمتياز , بالإضافة الى أنه مطلب شعبي وفصائلي , ولكن إسرائيل وبصفتها كيان إحتلال ستجعل عودة التنسيق الأمني وبكل فروعه , هو المطلب  الشعبي الأول على قائمة المطالب الحياتية , لأنه وبكل صراحة التنسيق الأمني هو عبارة عن بروتوكولات وإرتباطات ميدانية مباشرة إنبثقت  عن إتفاق سلام من المفترض أن يكون شامل بين الفلسطينيين وإسرائيل "أوسلوا"  بمعنى أصح هو تنسيق ميداني مباشر بين دولتين تعيشان على بقعة جغرافية واحدة وضيقة , وهذا يتطلب أن تكون كل حياة الشعب الفلسطيني مرتبطة جغرافيا وسياسياً وإقتصادياً وأمنياً وعسكرياً بإسرائيل , والأهم من ذلك أنه وفي حال فشل عملية السلام أوسلوا , وقد فشلت بالفعل , وفك الإرتباط وإلغاء التنسيق الأمني وجميع البروتوكولات , سنكون نحن كفلسطينيين تحت سكين الإحتلال بصفته إحتلال , وهذا بسبب  أن كل تفاصيل حياتنا اليومية بحاجة الى تنسيق , وهذا ما يزيد من صعوبة مهمة السلطة كونها لا زالت تعمل على أرض الواقع كسلطة , فهي مضطرة أن تلبي إحتياجات المواطنين اليومية  , وبالطبع فإحتياجات المواطنين اليومية بحاجة الى الشق الأهم في التنسيق الأمني , وهو التنسيق المدني , وبالطبع إسرائيل لن تسمح  بسريان مفعول التنسيق المدني والذي هو شق من التنسيق الأمني , دون سريان مفعول التنسيق الأمني كرزمة واحدة..

وللتفصيل أكثر حتى نعلم أن الموضوع ليس سهلاً , إن هناك تنسيق أمني ضروري للسطة من الناحية الإدارية والعمل المؤسساتي , مثل تحركات الرئيس ورئيس الوزراء والوزراء والقادة بشكل عام في حدود مناطق نفوذهم وتحديداً مناطق "أ" , بالإضافة الى تحركاتهم خارج حدود الوطن , وهناك تنسيق ضروري لتحركات رجال الأمن الفلسطيني بشكل عام في مناطق نفوذهم أيضاً , وأيضاً إستلام أموال المقاصة مثلاً يحتاج الى تنسيق , وغالب الأمور الإدارية للسطة تحتاج  الى تنسيق ,  وهناك تنسيق مدني ضروري يخص عامة الناس في حياتهم اليومية , سواء في السفر أو التجارة , أو العلاج , أو العمل , أو حتى التنقل من مدينة الى مدينة , وهناك تنسيق أمني بإمتياز مرتبط بإتفاق أوسلوا وكأنها سارية المفعول حتى يومنا هذا , وهو بهدف الحفاظ المتبادل على الأمن بين السلطة وإسرائيل , وبالطبع هذا النوع من التنسيق يجب أن يكون قد إنتهى بموجب إنتهاء إتفاق أوسلوا , وتنصل إسرائيل من حقوق هذا الإتفاق , ولكن إسرائيل وبقوة الإحتلال تتجه الى إجبار السلطة ومساومتها من أجل البقاء في ربع هذا التنسيق , رغم ان السلطة غير مستفيدة فعلياً من هذا التنسيق المجاني , وغير ذلك فإسرائيل ربطت إستمرار التنسيق المدني الحياتي بالتنسيق الأمني المجاني..

إسرائيل اليوم وللأسف وضعت السلطة في حرب وأزمة وإختبارات كفيلة أن تقلب الدنيا رأس على عقل , فهي إنسحبت من عملية السلام بشكل علني وصريح , وأعلنت عن ضمها للضفة والقدس , وإبقاء وجود السلطة كحكم ذاتي محدود الجغرافيا والهوية , وربطت ما بين إبقاء التنسيق الأمني المجاني والتنسيق المدني الحياتي والضروري للشعب الفلسطيني , وطلبت من السلطة أن تختار , إما نكمل التنسيق بكل فروعه سوياً , أو ننفصل عن التنسيق بكل فروعه  , والسؤول هنا , والذي لا يملك الإجابة عليه غير السلطة بصفتها سلطة , وعبر ترجمة على أرض الواقع , هل السلطة تمتلك أدوات تغيير الواقع والتصدي لتداعيات إنسحاب إسرائيل من عملية السلام , ووقف التنسيق الأمني بكل فروعه؟ وهل السلطة أدركت أن هذا الوقت بالذات هو وقت إنهاء الإنقسام والذي هو من أهم أدات تغيير الواقع  والتصدي للإحتلال..؟ أما الإجابة من وجهة نظري ككاتب  فهي , نعم تستطيع السلطة تغيير الواقع إذا غيرت من بعض أدبياتها ومفاهيمها في إدارة البلاد , وإتبعت فلسفة جديدة تتناغم مع واقع جديد , حينها ستتجه السلطة الى تسخير كل ما يحيطها كمصدر قوة لها , وعلى رأس هذا بالطبع قطاع غزة , وذلك عبر بوابة مصالحة حقيقية وشاملة . 

المصدر: -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت