بغداد وواشنطن.. حوار غامض ومتعسّر تحت أنظار القوى الإقليمية

بقلم: فيصل علوش

  • فيصل علوش

انتهى اللقاء الأوّل من «الحوار الاستراتيجي» بين العراق والولايات المتحدة (11/6)، الذي كان لقاءً تعارفيّاً بروتوكوليّاً، ومع ذلك فقد شكّكت فيه بعض الأحزاب والقوى التي تزايد الآن على رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، واعتبرت أن الجانب الأميركي «يمعن في انتهاك السيادة الوطنيّة العراقية»!.

وكان الكاظمي أطلع قيادات الصفّ الأوّل العراقي، قبل الحوار وبعده، على أبرز نقاط البحث وآليّة التفاوض مع الجانب الأميركي. وكذلك القيادة الإيرانيّة التي «أعربت عن ارتياحها»، لكنها رهنت موقفها الأخير بـ«الصيغة النهائية للتفاهم بين بغداد وواشنطن».

وقال الكاظمي في تصريحات متلفزة: إن «الحوار سيعتمد أوّلاً على المصلحة العراقية ورأي المرجعية (الدينية) والبرلمان... وحفظ السيادة». وأضاف أنّ الحوار يجري «وفق مصالح مشتركة، وسيغطي قضايا عدة من ضمنها ملف الأمن والثقافة والاقتصاد والتبادل التجاري»، وهو ما يتقاطع مع ما قاله السفير الأميركي في العراق حول أنّ الحوار «لن يقتصر على التعاون الأمني بين الطرفين، لكنّه سيشمل مختلف الجوانب السياسية والاقتصادية وحتّى الثقافية».

أما البيان الصادر حول اللقاء، فأكّد أن الولايات المتحدة ستواصل خلال الأشهر المقبلة تقليص قواتها، وأنها لا تسعى إلى إقامة قواعد أو وجود عسكريّ دائم. وأشارت معلومات متداولة إلى أن دفعة كبيرة من القوّات الأميركيّة ستنسحب مطلع الخريف المقبل، في «بادرة حُسن نيّة»، أما الانسحاب الكُلّي، أو «إعادة التموضع»، فـ«مرهونٌ بتوقيع اتفاق جديد».

غموض وضبابية

وتثار في العراق أسئلة ملحّة بشأن قدرة البلد في وضعه الراهن المثقل بالأزمات، على إدارة حوار جادّ وندّي مع قوّة عظمى من حجم الولايات المتّحدة، وتحصيل مكاسب من خلاله بما يخدم المصالح العراقية العليا.

ويشكك كثيرون بالنوايا الأميركية وأهداف واشنطن من الحوار، ومدى استعداد إدارة دونالد ترامب في الأشهر الأخيرة من ولايته الرئاسية لإدخال تعديلات ذات شأن على طبيعة العلاقة مع العراق؛ من قبيل إعادة صياغة الوجود العسكري الأميركي وتقليصه وصولاً إلى إلغائه، وفق ما تطالب به أطراف سياسية مشاركة بشكل فاعل في العملية السياسية العراقية، وتعرف بانحيازها لإيران ذات المصلحة الكبرى في تقليص النفوذ الأميركي في العراق.

وقال مراقبون إنّ أدنى ما تحتاج إليه بغداد، عاجلاً، هو أن تواصل واشنطن إعفاءها من الالتزام بالعقوبات الأميركية المشدّدة المفروضة على إيران، حتى تتمكّن من مواصلة استيراد الكهرباء والغاز من إيران، وتفادي حدوث أزمة طاقة كبيرة من شأنها أن تزيد من تأجيج الغضب في الشارع المتحفّز منذ خريف العام الماضي للتظاهر والاحتجاج.

كما تسود حالة من الضبابية بشأن هذا الحوار؛ مفاوضات أم حوار؟. هل سيسفر عن توقيع اتفاقية جديدة؟، أم تعديل الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة سابقاً بين البلدين عام 2008؟، أم فقط مذكرة تفاهم جديدة؟. كما أنه من غير المعروف متى ستكون النتائج النهائية للحوار؟؛ قبل إجراء الانتخابات الرئاسية الأميركيّة، في تشرين الأوّل/ أكتوبر المقبل، أم بعدها؟.

عروض أميركية!

وإلى ذلك، تحدثت مصادر سياسية عن تلقي حكومة الكاظمي عرضاً يفيد بـ«استعداد أميركي لدعم حملة تنمية شاملة في العراق، لقاء التعاون على تقليص نفوذ إيران في العراق، وتحجيم دور الجماعات العسكرية الموالية لها».

ولم تستبعد المصادر أن تلجأ واشنطن إلى استغلال حاجة العراق الشديدة إلى إسناد مالي عاجل، والتلويح بحزمة مساعدات لقاء قبول العرض السابق. ولكنّ المراقبين أعربوا عن استهجانهم واستغرابهم إزاء هذا العرض، وتساءلوا؛ لو أنّ الأميركيين أرادوا ذلك وفعلوه منذ غزوهم للعراق، لما وصل إلى الأوضاع الكارثية التي هو عليها الآن؟!.

ورغم مسحة التفاؤل الواضحة، التي تطبع الأجواء الحكومية بالتزامن مع بدء الحوار، إلا أن مراقبين حذروا من أن واشنطن ربما تتخذ مسار العقوبات مع بغداد، في حال أيقنت أنّ «تشجيعها على فك ارتباطها بطهران لم يعد مفيداً»!.

استهداف المصالح الأميركية

في غضون ذلك، وقع أكثر من هجوم صاروخي على محيط السفارة الأميركية في المنطقة الخضراء، والمعسكرات التي يوجد فيها جنود أميركيون، أثناء وبعد انتهاء الجولة الأولى من الحوار. وتزامن ذلك مع حملة منسقة قادتها جماعات سياسية محسوبة على إيران، من أجل الضغط على المفاوض العراقي لحصر الحوار في ملف إخراج القوات الأميركية من البلاد، وهو الهدف الذي يتقاطع مع أهداف ومصالح طهران في العراق والمنطقة.

وقال مراقبون إن التصعيد العسكري والسياسي من قبل الأحزاب والجماعات العسكرية التي تعتبر موالية لإيران، يعكس مخاوف الأخيرة من النتائج التي قد تترتب على التواصل بين بغداد وواشنطن، في ظل وجود حكومة عراقية تسعى لتعزيز استقلالية قرارها السياسي، وموازنة علاقاتها بين الولايات المتحدة وإيران، وتعلن علناً أنها ضد تحويل العراق إلى ساحة لتصفية الحسابات بين هاتين القوتين!.

 

المصدر: -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت