الحركة الشعبية، كانت وستبقى عصية على محاولات تعليبها

بقلم: معتصم حمادة

  • معتصم حمادة

واهم من يعتقد بإمكانية تعليب الحركة الشعبية لتنساق خلف شعاراته وتحت سقف سياساته

تابعنا بقلق (نعم بقلق) ما يسمى بالمؤتمرات الوطنية التي عقدت في بعض محافظات الضفة الفلسطينية برئاسة المحافظ وأركان المحافظة، بهدف «استنهاض» الحالة الشعبية، ووضع خطة تحرك في مجابهة خطة الضم.

وتساءلنا في السياق، عن جوهر وحقيقة الوظيفة الموكلة إلى المحافظ، وما سياق العلاقة مع الحركة الجماهيرية وترؤس المحافظ لأنشطتها ورسم شعاراتها، وسقف تحركها.

وقرأنا في مثل هذه «المؤتمرات الوطنية» أقصر السبل لإحباط الحركة الشعبية، وتقويض أركانها، وتأخير نهوضها. إذ ثمة مساحة واسعة بين دور المحافظ وواجباته، وبين نهوض الحركة الشعبية لتخوض معركة مجابهة خطة الضم، بكل ما تتطلبه هذه الخطة من صمود وثبات. ولا يفيد القول هنا إن دور المحافظة هو تسهيل التحركات الشعبية فهذه مسألة إدارية، محدودة، يمكن حلها بمذكرة ترفع إلى المحافظ.

جوهر الموضوع سياسي قبل أن يكون أي شيء آخر. وجوهر الموضوع هو «تحت أي سقف سوف تتحرك الحالة الشعبية»، وجوهر الموضوع «ما هو المدى الذي سوف تذهب إليه الحالة الشعبية في تحركها». هل تبقى «مقاومة سلمية» لا تحتك بالاحتلال والاستيطان، وتكتفي بالتعبير عن رأيها في مسيرات معلبة، ومهرجانات معلبة لها سقف سياسي وحدود لتحركها، أم أن وظيفة المؤتمرات تنظيم برنامج تحرك جماهيري في الميدان، للتصدي لإجراءات الاحتلال على اختلاف ممارساتها. مثل تشكيل مجموعات التصدي لدوريات الاحتلال في اجتياحها للأحياء، أو حماية المنازل المهددة بالهدم، أو حماية المزروعات والأراضي المهددة باجتياح المستوطنين، أو مقاطعة البضائع الإسرائيلية على اختلاف أنواعها، أو تشكيل صناديق التكافل الاجتماعي، في ظل توقف السلطة عن دفع رواتب الموظفين، أو مراقبة شعبية للتجار لعدم استغلال الظروف واحتكار المواد الغذائية ورفع أسعارها، أو غير هذا من العديد من المهام الشعبية التي راكمها الشعب الفلسطيني في انتفاضته الأولى، ونظم مجتمعه في ظل الاحتلال، وحقق انتصارات باهرة في الميدان، وفي المحافل الدولية، وأعاد لمنظمة التحرير الفلسطينية ألقها وبريقها ممثلاً شرعياً  ووحيداً للشعب الفلسطيني، واستنهض الحركة الشعبية في الـ 48 في إطار المعركة الواحدة، وشق الطريق أمام إعلان الاستقلال، كهدف ثابت للنضال الفلسطيني لا تراجع عنه.

*    *   *

يخيل لنا أن البعض في الضفة الفلسطينية (كما في قطاع غزة مع تحركات مسيرة العودة وكسر الحصار) يحاول أن يستعيد التجربة الفاشلة للبيروقراطية الدبلوماسية الفلسطينية في الهيمنة على الحركة الشعبية في الخارج. في الدول العربية، وأوروبا، والأميركيتين.

فبعض سفراء السلطة يصرون على فرض الوصاية على فروع الاتحادات الشعبية [عمال، مرأة، كتاب..] بحيث تعقد الفروع مؤتمراتها في السفارة برعاية السفير، يرسم لها مخرجات ونتائجها، ويتدخل في «تركيب» هيئاتها الإدارية، ويصر على أن تعقد الهيئات الإدارية اجتماعاتها في السفارة بحضوره، وتحت رقابته، ووصايته على قراراتها وأنشطتها وبياناتها السياسية بحيث تأتي تلبية للون الواحد، على قاعدة إعلان الولاء بشكل دائم، لضمان المصالح الشخصية (أيضاً) بشكل دائم. هذا في بعض دولنا العربية.

أما في أوروبا، فإن تجربة محاولة فرض «الوحدة الوطنية»، على الجاليات الفلسطينية، في إطار واحد، يخالف ومبدأ الديمقراطية التعددية السياسية والحزبية والمجتمعية. وكثيراً ما تم قصف التجارب الديمقراطية لبناء المؤسسات الجالوية، بتهمة أنها صيغ حزبية علماً أن من قصفها إنما كان هدفه فرض وصايته الحزبية على الجاليات، بدعاوي الوحدة الوطنية والخلاص من التجزئة، وكأن الوحدة الوطنية، كما هي ممثلة في م.ت.ف، لا تقوم إلا على الاندماج في «الأخ الأكبر» وإلغاء كل ما هو خلاف ذلك.

 في كل الأحوال، وكما يصلنا على الدوام، فشلت سياسة تعليب الجاليات في أوروبا، أو في أميركا اللاتينية في مؤسسات أهلية «تحت الطلب»، وواصلت الجاليات بناء أطرها الديمقراطية على قاعدة الانتماء الحر، والتعددية السياسية تحت سقف م.ت.ف الممثل الشرعي والوحيد، وبرنامجها السياسي بعنوانه المعروف «العودة وتقرير المصير والاستقلال».

وكما يصلنا على الدوام، يبدو لنا أن بعض فروع الاتحادات الشعبية الفلسطينية في بعض العواصم العربية، «قد شبت عن الطوق»، وتحررت من وصاية السفارة وهيمنتها، وبدأت تشق طريقها ولو بصعوبة  نحو الترجمة الحقيقية لمفاهيم العمل الجماهيري، المتحرر من أية وصاية، عنوانه وشعاره، تلبية مصالح الفئات التي يمثلها هذا النشاط الحر والديمقراطي.

*    *    *

وأهم إلى حد كبير من يعتقد أن بإمكانه أن يطلب الحركة الجماهيرية في قوالب خاصة به، يرسم لها شعاراتها، وأهدافها، يستدعيها عند «الحاجة»، ويعيدها إلى المستودعات عندما تنتفي الحاجة.

مثل هذه الحركة الشعبية ستذوب عند أول شعاع شمس للحقيقة، والخطير في هذا أن من علب هذه الحراكات الشعبية سيكون هو الخاسر الأكبر، لأنه سيستدعيها يوماً ما، لكنها لن تستجيب حين لا تجد في الدعوة ما يلبي مصالحها. ولعل تجربة حراك المعلمين العموميين، والموظفين العموميين، ومعركة قانون الضمان الإجتماعي، أكدت بالملموس، أن الحراك تشكل أساساً خارج إطار  الحسابات الحزبية والفصائلية، وخارج حسابات من كان يعتقد أنه بالوظيفة، والرتبة والراتب، إستطاع إمتلاك قرار الشارع، وإستطاع إمتلاك مفتاح تحريك الشارع أو إحالته إلى التقاعد، كمن يحرك لعبة آلية، ثم يعيدها إلى صندوقها.

وواهم من يعتقد أن بإمكانه أن يفرض شروطه على الحركة الشعبية وأن يرسم لها خطتها بديلاً عنها.

ولا نعتقد أن القضية تتعلق في الجوانب الإدارية والتقنية لإنجاح تحرك ما ضد الإحتلال وضد الضم فكثير من بؤر الصدام مع الإحتلال والإستيطان انتظمت خارج سياق الفصائل ودعواتها.

وكثير من «العمليات» الفردية، بل ربما معظمها، تمّ بدون تخطيط أو إيعاز مباشر من هذا الفصيل أو ذاك.

السبيل إلى إستنهاض الحركة الشعبية، هو خروج الموقف السياسي الرسمي من غموضه وحسم خياراته السياسية في المعركة. فالشارع على قناعة أنه لا يمكن مجابهة مشروع الضم تحت سقف أوسلو.

فمتى تنسحب السلطة من أوسلو وتعلن إلغاءه رسمياً وتبلغ ذلك إلى المحافل الدولية؟

السبيل إلى استنهاض الحركة الشعبية هو سحب الاعتراف بإسرائيل.

فمتى تعلن السلطة بشكل واضح سحب الاعتراف بإسرائيل وتبلغ ذلك رسمياً إلى المحافل الدولية؟

السبيل إلى استنهاض الحركة الشعبية هو سن قانون واضح بالمقاطعة الاقتصادية، وتكليف اللجان الشعبية بتطبيقه فمتى تأخذ السلطة مثل هذا القرار الجريء والضروري والذي لابد منه، وإن كان ثمنه مكلفاً؟

الحركة الشعبية تحتاج إلى اليقين بأن السلطة لن تتكيف مع مشروع الضم كما تكيفت مع غيره من المشاريع سابقاً، منها ضم القدس وتشريع الاستيطان وشطب حق العودة.

وعندما يتولد اليقين بجدية المجابهة.

عندها يجوز الحديث عن ضرورة بناء القيادة الوطنية الموحدة!

المصدر: -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت