استعادت الجزائر، يوم الجمعة، رفات 24 من شهداء المقاومة الشعبية ضد الاحتلال الفرنسي الذي دام 132 عاما وانتهى بالاستقلال في 5 يوليو 1962.
وجاءت تلك الخطوة لتكشف عن ملمح جديد للتضامن والتلاحم بين الشعبين المصري والجزائري، إذ أنه من بين تلك الرفات جمجمة لمواطن مصري شارك في مقاومة الاحتلال الفرنسي للجزائر، يدعى موسى بن الحسن المصري الدرقاوي.. أو صاحب الجمجمة رقم 5942.
ولد موسى بن الحسن المصري الدرقاوي بالقرب من مدينة دمياط بشمال مصر، توفي أبوه وهو طفل صغير، وفي سنة 1822 أصابه مرض خبيث في الرأس أجبره للذهاب لسوريا للعلاج الذي استغرق سنة كاملة، توجه بعدها إلى القسطنطينية بتركيا ومنها إلى غرب الجزائر مجنداً ضمن الفرق العسكرية العثمانية، التي ما لبث أن فرّ منها نحو قسنطينة ثم إلى تونس.
وانتقل بن الحسن المصري بعد ذلك إلى طرابلس سنة 1826 حيث التقى بالشيخ سيدي محمد بن حمزة ظافر المدني شيخ الطريقة الشاذلية (1780 – 1847)، وهناك تلقى العلوم الشرعية، قبل أن يستقر في مدينة الأغواط بوسط الجزائر سنة 1829.
وأحسن سكان الأغواط استقبال موسى الدرقاوي تقديرا لعلمه وبنوا له زاوية ومنحوه أراضا وحدائق (تعرف الآن بزقاق الحجاج) حيث أقام بها لمدة سنتين انتقل بعدها لمدينة مسعد التي أسس له سكانها زاوية وأصبح له الكثير من المريدين وامتد صيته لمدينة قصر البخاري والمدية.
وبحسب المؤرخين فقد اختلف الدرقاوي مع الأمير عبد القادر القائد التاريخي للثورة الجزائرية بسبب توقيع الأمير معاهدة ديمشال مع الفرنسيين، وأدى هذا الخلاف بينها لمعركة عسكرية في عام 1935 انتصر فيها الأمير عبد القادر، ليلجأ الدرقاوي بعدها لجبل موزاية ومنه إلى مدينة مسعد حيث بدأ تنظيم صفوفه من جديد.
وطارد الجنرال الفرنسي "ماري مونج" الدرقاوي في مدينة مسعد، فلجأ لقبيلة بني لالة بالقبائل، حيث مكث هناك 3 سنوات، ثم توجه جنوباً نحو متليلي الشعانبة سنة 1847، حيث رحب به أهلها لما سمعوه عنه.
وحاول الشيخ موسى الدرقاوي توحيد الطرق الصوفية، وجمع أكبر عدد من الأتباع الذين كان أغلبهم من الفقراء والمعدمين حيث لم يلتحق به الميسورون لأنه كان يفرض نظاماً قاسيا لمريديه.
وتروي كتب التاريخ أن الشيخ بوزيان أحد كبار أعوان الأمير عبد القادر حاول الاتصال بشيوخ الطرق والزوايا لتحضير لـ"ثورة الزعاطشة" فاتصل بالشيخ موسى بن الحسن المصري الدرقاوي، الذي رحب بالجهاد، وذهب إلى مدينة مسعد واصطحب معه حوالي 80 مقاتلا من أولاد نائل، وقاموا ببسالة الحصار المفروض عليهم بالواحات حتى جاء يوم 26 نوفمبر 1849 حيث تم نسف دار الشيخ بوزيان، وأمر القائد الفرنسي "هيربيون" بقطع رأس زعيم الثورة الشيخ بوزيان ورأسي ابنه والشيخ الحاج موسى الدرقاوي وتعليقهم على أحد أبواب بسكرة.
ونقلت بعد ذلك الجماجم إلى فرنسا، حيث تم حفظها في متحف الإنسان بباريس، وعلى مدار أكثر من 170 عاما حملت جمجمة الدرقاوي رقم 5942 إلى أن عادت إلى الجزائر الجمعة.
وكان الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون على رأس مستقبلي الرفات بمطار هواري بومدين بالجزائر العاصمة، حيث جرت مراسم استقبال جنائزية رسمية لها، ونقلت إلى قصر الثقافة "مفدى زكريا" لتمكين المواطنين من إلقاء النظرة الأخيرة عليها، قبل أن توارى الثرى يوم الأحد في مربع الشهداء بمقبرة العالية بالجزائر العاصمة.