يلقي القرار الفلسطيني بوقف العمل بالاتفاقيات مع إسرائيل، بظلاله السلبية على واقع الحياة اليومي للسكان الفلسطينيين في ظل تشابك عميق للعلاقة بين الجانبين.
يشمل ذلك أزمة مالية متفاقمة تواجهها السلطة الفلسطينية وإشكاليات في السفر إلى الخارج للمواطنين الفلسطينيين فضلا عن مصاعب في عمل الأجهزة الأمنية الفلسطينية بفعل وقف التنسيق الأمني مع إسرائيل.
ويقول المحلل السياسي في رام الله غسان الخطيب لوكالة أنباء "شينخوا"، إن وقف أشكال العلاقات مع إسرائيل "أدى إلى معاناة استثنائية للمجتمع الفلسطيني الذي يدفع ثمنا كبيرا للتشابك في العلاقات مع إسرائيل".
ويشير الخطيب إلى أن المجتمع الفلسطيني دخل منحنى جديدا من صعوبة الأوضاع المعيشية والاجتماعية بما في ذلك صعوبات السفر وتراجع الإمكانيات المالية ووقف التنسيق المدني والأمني.
ويضيف "لكن المجتمع الفلسطيني لا يشتكي لأنه يؤمن بضرورة الصمود في مجابهة مخطط الضم لأراض فلسطينية وما يجرى من تطورات جزء من المواجهة مع الاحتلال الإسرائيلي".
ويحذر الخطيب من مخاطر انهيار السلطة الفلسطينية في ظل استمرار تفاقم الأزمة الراهنة لاسيما في ظل تقليص الإمكانيات المتاحة في الوفاء بالتزاماتها وتقديم الخدمات العامة.
وأعلنت القيادة الفلسطينية في 17 مايو الماضي التحلل من كافة الاتفاقيات والتفاهمات مع إسرائيل احتجاجا على الخطة الإسرائيلية لضم أجزاء واسعة من الضفة الغربية.
وبموجب ذلك رفضت السلطة الفلسطينية تلقي عائدات أموال الضرائب الفلسطينية التي تجبيها إسرائيل، للشهر الثاني على التوالي وهو ما قلص من قدرتها على الوفاء بالتزاماتها المالية.
ولجأت الحكومة الفلسطينية إلى صرف جزئي لرواتب موظفيها الحكوميين بفعل أزمتها المالية التي دفعتها للاقتراض من البنوك المحلية لتأمين الأموال اللازمة للرواتب.
وأعلن وزير المالية الفلسطيني شكري بشارة أن الميزانية الفلسطينية تواجه انخفاضا بالموارد المالية بنسبة 80 في المائة بسبب وقف استلام أموال عائدات الضرائب من إسرائيل بموجب قرار التحلل من الاتفاقيات معها، وتداعيات أزمة فيروس كورونا الجديد (كوفيد-19).
وقبل يومين، منعت السلطات الإسرائيلية فلسطينيتين وطفلتيهما من السفر عبر معبر (الكرامة) الواصل بين الضفة الغربية والأردن، بحجة أن الطفلتين غير مسجلتين لديها كمولودتين جديدتين.
كما أعلنت وزارة الخارجية والمغتربين الفلسطينية أن السلطات الإسرائيلية منعت 11 فلسطينيا من السفر بدعوى تجديد جوازات سفرهم حديثا دون تلقيها البيانات اللازمة لذلك.
وعمدت السلطة الفلسطينية مؤخرا إلى تسجيل المواليد الجدد وبطاقات الهوية لمن تجاوزوا 16 عاماً وإصدار جوازات السفر دون إبلاغ إسرائيل بهذه التحديثات.
وكان تحديث السجل السكاني الفلسطيني، الذي يتم إرساله إلى إسرائيل بصفة يومية، يشمل كل ما يتعلق بالمواليد والوفيات، وإصدار أو تجديد بطاقات الهوية الشخصية، وجوازات السفر، ورخص القيادة.
ويتم إرسال كل هذه المعلومات عبر قنوات التنسيق المدني الفلسطينية إلى المقر العام للإدارة المدنية التابعة لوزارة الجيش الإسرائيلية، وهي الجهة المسؤولة عن إدارة شؤون الضفة الغربية.
وعقب توقيع اتفاقية أوسلو للسلام المرحلي عام 1994، تولت السلطة الفلسطينية إدارة السجل السكاني المدني، غير أن أي وثيقة لا تصبح سارية المفعول إلا بعد إرسالها إلى إسرائيل.
وتبعاً لذلك، فإن أي مولود يحمل شهادة ميلاد فلسطينية لم يتم إرسال بياناته إلى الإدارة المدنية الإسرائيلية، لا يستطيع السفر مع عائلته عبر (جسر الكرامة)، كونه يقع تحت السيطرة الإسرائيلية.
في سياق قريب، تواجه الأجهزة الأمنية الفلسطينية مصاعب تتعلق بفرض الأمن والسيطرة على مناطق واسعة من الضفة الغربية لاسيما المناطق المصنفة (ج) على إثر وقف التنسيق الأمني مع إسرائيل.
وتقسم إسرائيل الضفة الغربية حسب اتفاق (أوسلو) للسلام المرحلي الموقع بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية عام 1993 إلى ثلاث مناطق الأولى (أ) وتخضع لسيطرة فلسطينية كاملة، والثانية (ب) وتخضع لسيطرة أمنية إسرائيلية وإدارية فلسطينية، والثالثة (ج) وتخضع لسيطرة أمنية وإدارية إسرائيلية.
ويؤكد مدير مركز (مسارات) للأبحاث والدراسات في رام الله هاني المصري، أن "التشابك في العلاقات بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية واسع جدا ومترابط في مختلف المجالات وبالتالي تجاوز الاتفاقيات القائمة ليس عملية سهلة تتم بقرار".
ويقول المصري لـ "شينخوا"، إن "تطبيق القرار الفلسطيني بالتجاوز للاتفاقيات مع إسرائيل يتطلب عملية طويلة الأمد يجب أن تبدأ بخطوات تدريجية ضمن إجراءات متتالية للوصول إلى مرحلة التحرر الكامل من الاتفاقيات".
ويرى أن هناك "عدم وضوح في الرؤية الفلسطينية بعد قرار التحلل من الاتفاقيات بشأن مسائل معقدة في العلاقات مع إسرائيل بما في ذلك التنسيق المدني والأمني والمعابر والتبادل الاقتصادي، وهو ما يتطلب من القيادة الفلسطينية البحث عن مخارج واضحة برؤية متدرجة".
وبحسب المصري، فإن إلغاء اتفاق أوسلو يتطلب إما حل السلطة الفلسطينية أو تغيير شكلها ووظائفها، ولا يمكن الجمع بين التحلل من الاتفاقيات وبقاء السلطة كما هي كون إسرائيل تتحكم بمجمل الحياة الفلسطينية.
واتفاق أوسلو المعروف رسميا باسم إعلان المبادئ حول ترتيبات الحكم الذاتي الانتقالي وقعته إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن الأمريكية في 13 سبتمبر 1993.
ونص الاتفاق الذي سمي نسبة إلى مدينة أوسلو النرويجية التي تمت فيها المحادثات السرّية عام 1991، على إقامة سلطة حكم ذاتي انتقالي فلسطينية تقيم علاقات تعاون اقتصادي وأمني ومدني واسعة مع إسرائيل.
بموازاة ذلك، كشفت وزارة الاقتصاد الفلسطيني عن توقف جزئي لحركة استيراد البضائع إلى الأراضي الفلسطينية بما يشكل نحو 30 في المائة من إجمالي الاستيراد كونها تحتاج إلى تنسيق مسبق مع إسرائيل.
ويؤكد المحلل الاقتصادي من رام الله طارق الحاج لـ "شينخوا"، أن حدة ارتباط الاقتصاد الفلسطيني بنظيره الإسرائيلي يترك تداعيات كبيرة على التوجه الفلسطيني للانفكاك عن إسرائيل.
ويشير الحاج إلى أن إسرائيل تتحكم بالمنافذ والمعابر الفلسطينية وتقيد حركة تدفق البضائع سواء للتصدير أو الاستيراد وهو ما يسبب إشكاليات كبيرة للاقتصاد الفلسطيني متوقع تفاقمها خلال الأشهر المقبلة.
ويشدد على أن الانفكاك التدريجي عن الاقتصاد الإسرائيلي يتطلب فلسطينيا الاعتماد على بناء اقتصاد قوي وتنمية الموارد المحلية وهو أمر سيبقي يواجه مصاعب كبيرة.