- د. طلال الشريف
غزة وثلاث قضايا كبرى مهمة وخطرة ..
1- حالة الركود الإقتصادي وارتفاع معدلات الفقر والبطالة المتواصلة سنوات طويلة في قطاع غزة تتصاعد، وآثارها السلبية، وإفراز ظواهر أخطر جديدة على المواطنين والمجتمع ... ولا حلول.
2- الإستنفار الأمني المتواصل سنوات طويلة وآثار الحروب السابقة، وتهديدات الحرب الدائمة، وآثارها السلبية على حياة الناس ... ولا حلول.
3- تراجع الخدمات وشح الموار ونقص المساعدات وإدارة التوزيع غير العادل لها وآثارها السلبية لسنوات طويلة .. ولا حلول.
ترتب على هذه القضايا الثلاث الكبرى مضاعفات أخرى، وظواهر فرعية أخطر على المجتمع في قطاع غزة، حيث غيرت بتراكم آثارها من ثقافة المجتمع، وعاداته، وتماسكه، وأولوياته، ونتج عنها ظواهر سلبية متعددة في كل الإتجاهات.
نحن ندرك أهمية المقاومة لقضيتنا ولكن بعد سنوات من التراجع والإخفاق، فإن لقمة العيش أهم من مقاومة غير منتجة وطنياً وإجتماعياً.
هنا ظواهر مقلقة على المستقبل الوطني والإجتماعي الفلسطيني في قطاع غزة وكذلك في الضفة الغربية، ولكن حصار القطاع طويلا وإنسداد آفاق الحلول، علينا أن نعيد قراءة المشهد والأولويات، رغم المؤمرات المستمرة على قضيتنا، والبحث هن طرق بديلة لدعم صمود شعبنا ليس إنكساراً، بل إعادة لترتيب الأولويات بدل الجمود، وقلة الحيلة، والإحتكام لأجندات خارجية، ومصالح حزبية، على حساب مستقبل الشعب وطموحاته، فمصلحة شعبنا أكبر من كل الأجندات والأحزاب.
أفرزت القضايا الثلاث الكبرى التي بدأنا بها أعلاه، ظواهر، ومؤشرات، أخطر على المجتمع من خلافات السياسيين، والإنقسام، رغم مساهمة الأخيرتين، بشكل مباشر في معاناة شعبنا، وإضعاف قضيتنا، تعالوا نرى كثير من ظواهر أخرى غير القمع، وكبت الحريات، واستغلال الموارد، والفساد الإداري، والمالي، والوظيفي، واستثمار الحزب، والمتنفذين، التجاري، والفشل السياسي، وضياع الأرض، هنا ظواهر اجتماعية أخطر قد تدمر ما تبقى لنا من مستقبل في قطاع غزة:
- تشكل مجتمع الكراهية، وخراب العلاقات البينية في المجتمع حتى داخل الأسرة، واستخدام العنف بجرعات أكبر في السلوك اليومي بين الناس.
- ظاهرة إرتفاع معدلات التدخين رغم أسعار السجائر المرتفعة جدا، وهذا يسحب من ميزانيات الأسرة المتدنية أصلا بسبب البطالة، وعدم توفر فرص العمل.
- إدمان المخدرات والعقاقير المخدرة للهروب من الواقع المهين وضيق العيش.
- خلل في كيفية إدارة الأسرة الخلية الأولى في المجتمع، من ناحية الفقر، ومساوئ التغذية، ونقص عناصر الغذاء الكامل، ونتج عن ذلك أمراض تصيب أفراد الأسر المعوزة وهم النسبة الأكبر في المجتمع ، والتي تقلل الطاقة الإنتاجية لهؤلاء، وفي نفس الوقت تثقل ميزانيات الصحة المنقوصة أصلا، وتفرز ظواهر أخرى منها:
- ظاهرة إقحام الأطفال في العمل، وظاهرة التسول، وظاهرة الجنوح نحو الإنحراف السلوكي، كالعنف، والإجرام، والسرقة، والإصابة والموت لهؤلاء الأطفال.
- الطلاق وتفكك داخل الأسرة وما يترتب من آثاره السلبية.
- المشاجرات الدائمة داخل الأسرة، ومع الجيران، ومع المجتمع، بسبب ضيق الحال التي تنهك حياة تلك الأسر، وما يترتب عليها من آثار التوتر والقلق الدائم لأولياء الأمر، والأقارب، والشرطة، والقضاء، لمتابعة تلك الآثار، وكلها عناصر ضغط وقلق، ومصاريف زائدة.
- إستقواء عناصر حماس ومناصريهم على المجتمع في أي خلاف واتتصارهم لبعضهم في أي قضية مجتمعية والتحيز على خلفية حزبية وليس على أساس العدل بين الناس.
- وكل ذلك رفع من ظاهرة محاولات الإنتحار، والهروب والهجرة من القطاع طوال السنوات الماضية.
- إنفلات في كل شيء، كذب، تزوير، نميمة، شيكات مرجعة وبدون رصيد، ونصب، وغش، واحتيال، وتدليس في كل شيء واستغلال من بعض أرباب المهن وأسوأها فيما يخص حياة الإنسان، والجشع، وعدم الإكتراث بالضعفاء واستغلال معاناتهم، وظواهر مخجلة لا نستطيع الحديث عنها، لإنها عار على الجميع.
كل ذلك مقلق مستقبلاً، ولكن هنا أريد التركيز على قضية متصاعدة هامة وهي:
ظاهرة التسلل عبر السياج الفاصل، وعبور السلك الحدوي إلى الجانب الإسرائيلي من قطاع غزة،
وتزايد تلك الأعداد من سكان قطاع عزة؛ خاصة الشباب الباحث عن عمل في ظل الحصار الخانق، وارتفاع معدلات البطالة، وندرة فرص العمل في القطاع.
هذه الظاهرة، هي مؤشر، يجب الإنتباه له، من حيث ما نشاهده في الضفة الغربية بكثافة، رغم وجود مجموعات كبيرة من العمال تدخل بتصاريح، أو بطريقة منظمة، ولكن من يهربون للجانب الإسرائيلي عبر السور الفاصل هم أعداد أكبر بكثير بسبب ضيق العيش أيضا هناك، رغم ظروفهم الأفضل من قطاع غزة المحاصر طويلا، ولكن لابد من التفكير في حلول قبل تفاقم الظاهرة في قطاع غزة بالشكل الأوسع، والأكثر عددا، فقد تصبح فجأة، إو إقتربت أن تصبح هي المخرج الوحيد للناس للبحث عن الرزق، وقطاع غزة، ليست دولة لضبط الحدود بالرغم من وجود المقاومة، وما تفعله لمنع دخول المتسللين للجانب الإسرائيلي للعمل هناك، ومادام هؤلاء المتسللين لا يحملون نوايا أمنية كما ثبت في كل مرة، فهو مؤشر على أن المعاناة كبيرة وتدفع الناس للتسلل رغم الخطر الكبير على حياتهم. فلماذا لا نسهل لهم ذلك ولماذا لا نتركهم يذهبون للعمل هناك لإعالة أسرهم ما يخفف الضغوطات على سكان قطاع غزة، ومادام حكام، وتنظيمات قطاع غزة غير قادرين على توفير العيش الكريم، وإيجاد فرص العمل لهؤلاء، وإن كان الجانب الحمساوي لا يريد تنظيم دخول العمال، وسلطة رام الله ترفض العناية بذلك، ويذهب الناس ضحايا للخلاف السياسي المعطل لقدرات وامكانيات شعبنا، فاتركوا المواطن يبحث عن رزقه كيفما يشاء كما تبحثون عن رزقكم، مهي حياتنا صارت أرزاق، ودون إدعاء لهواجس الأمن والمقاومة، وأين هي المقاومة التي يمنع الناس من البحث عن رزقهم بسببها، فمخاطر الجوع والفقر والبطالة لسنوات دون حلول، هي أخطر على المجتمع من أمنكم وسلامتكم، إن كنتم تمنعون الناس لأجل ذلك، فالناس والمواطنين ليسوا كلهم خونة وجواسيس وضعاف يمكن إستغلالهم، وهم يعرفون كيف يتصرفون، ولكن الضغوطات والمعاناة التي يحياها أهل قطاع غزة،كبيرة وتهدد مستقبل مجتمع كامل، الجوع والفقر والقمع كافر، ويحولهم لأسوأ من الخيانة والجوسسة ..
إفتحوا لهم الحدود للعمل بأي طريقة، فهي الطريقة الوحيدة لتقليل معاناتهم، وإلا بعد كل هذه السنوات والمعاناة، أوجدوا لهم حلاً، أو، فرصاً للعمل، لكي لا نفقد مجتمعا كاملا بمركبات وآثار سلبية ممتدة لإنسان غزي تراكمت مشاكله وغيرته نحو ظواهر وأمراض أكثر فتكاً بالمستقبل .. أو حتى إجعلوها معركة جوع ورزق ورغيف عيش يتحمل الإحتلال المحتل لأراضينا وخيراتها مسؤوليتها وسهلوا للناس العبور ولا تشاركوا في منعهم فهذه معركة من معارك الصمود .. ورغيف العيش أهم من مقاومة غير منتجة وطنياً وإجتماعياً طوال سنين مضت.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت