- بقلم / على طقش
- / مستشار وخبير تخطيط
أكتوبر 1956 ..
بعد شفاء عبد الحميد، وخروجه من مستشفى المعمداني "الأهلي الآن" عاد إلى داره في خان يونس، وبعده بفترة خرج ياسين من مستشفى تل الزهور "بلدية غزه الآن"
بقيت أختي خديجة وأختي حليمة معه في داره في مدينة خانيونس و عادت الوالدة والحبيب ياسين إلى دارنا في المعسكر، كليها لم يكن في حاله صحية مستقرة ولم تشفى بعد جراحهما.
قطعت يد عبد الحميد اليمنى بسبب الرصاصة التي أصابته، لذلك كان هذا الصباح كئيب من شهر أكتوبر، كانت رجل ياسين المصابة برصاص الغدر و الجبن لا تزال لم تشفى بعد وبقيت لسنوات مصدر ألم له.
في ظلام الليل وجو الخوف من المجهول وما هو قادم، كنت أنا والوالدة وياسين نيام سمعنا طرق شديد على باب الدار، من القادم في ظلمات الليل وماذا يريد؟ يا رب استر، لا يمكن أن يكون خيراً، في تلك الأيام لم نتوقع خيراً من قادم في عمق الليل ليطرق الباب بشدة، تجمد الدم في عروقنا، احتضنتنا الوالدة كما تحتضن الأم رضيعها... وبدون وعى أو تفكير حاولنا أن نتمسك ببعضنا، وتمنينا أن يكون حلم مزعج سنصحو منه قريباً ... لكن الطرق استمر وبشده أكبر!
ثم طرق وطرق... شعرنا أن الطارق قد يخلع الباب... ثم بدأنا نسمع أصوات عالية كادت أن تهدم أرواحنا .
قالت والدتي: "ابقوا في فراشكم، سوف أفتح أنا".
انكمشنا واقتربنا من بعضنا أنا وياسين
خرجت أمي وهى تقول: "بسم الله الرحمن الرحيم، خير اللهم اجعله خير، مين مين على الباب"
سمعنا صوت طرق على الباب و صوت غريب
"افتحي الباب، , افتحي الباب"
"شو بدك، مين انت؟"
"افتح إلباب"
ردت الوالدة : أنا لحالي"
"افتح الباب"
"أنا مش لابسة... استنى أحط اشى عليا"
فتحت أمي الباب وإذا بسيارة جيب عسكري اسرائيلي وجنود واقفين في الشارع
"مين بدك؟ ايش بدك؟ أنا لحالي"
"هذه دار محمد طقش " قال صوت من السيارة المقفلة
ردت أمي : "لا..."
"تعالى معنا دلينا عليه"
"بس محمد طقش مش في البلد"
رد الصوت من السيارة: "بدنا الأستاذ محمد.. تعالي معي دلينا عليه"
بعدها أخذوا أمي لدار أخي الأستاذ عبد الحميد وكان الوقت بعد منتصف الليل
ذهبوا لبيت عبد الحميد واعتقلوه وأخذوه للمعتقل.
وتركوني أنا وياسين ، نصارع دقائق الصمت والخوف والوحدة... علي ذو العشر سنوات الذي رأى مجزرة قبل ما يقرب من شهرين... وياسين الذى غادر مستشفى تل الزهور في غزة من أيام قبل أن يكتمل علاجه، ولا زال جرحه نازفاً ولم يكن قادراً على المشي!
حاولنا أن ننام، ولكن من أين يأتي النوم وسط كل هذا الإرهاب
ماذا يريدون من عبد الحميد، أين أخذو أمي... اسئلة بلا نهاية ولا إجابة لها . احتضنت ياسين وحاولنا النوم، ولكن صوت طرق عالي من الغرفة المجاورة، جعلنا نعتقد أنهم عادوا، أو أن شياطين الإنس والجن يلعبون معنا لعبة "الجن والإنسان" .
لم نتمكن من النوم، وكيف ننام وقد أخذوا أمي عنوة...
وهذه الأصوات في مخيلتنا لا تزال تملأ البيت .
عادت أمي في صباح اليوم التالي بعد اعتقال عبد الحميد ، مرت علينا عدة أيام في ذهول وحيرة وشعور بالعجز وقلة الحيلة . أين عبد الحميد ؟!
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت