- كتب : شاكر فريد حسن
في العام 1988 صدرت مجلة " المنبر " الثقافية الشاملة والفكرية الجامعة، وكان محررها المسؤول د. أحمد هيبي، الذي شاءت المصادفات والأقدار أن نلتقي ونتعرف على بعض في أحد فنادق العاصمة المصرية القاهرة، وأشغل رئيس التحرير الياس عطا اللـه، والمدير العام د. نمر بياعة، ومستشارو التحرير : علي عثامنة، عمر هنداوي، نهاد جدعون، منى عودة، وعامر جنداوي.
وقد فتحت المجلة صفحاتها أمام الكتاب والمبدعين والمثقفين جميعًا، بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية والفكرية والحزبية، وعلى أساس المادة الجادة التي تتوفر فيها شروط النشر، وكانت كاسمها منبرًا للكلمة الحرة الجادة الرصينة.
وتنوعت المواد والمساهمات التي نشرت في المجلة، في شتى فنون الثقافة والأدب والفكر والمجتمع، ومنها المواضيع الاجتماعية والتجارب الأدبية الابداعية والمتابعات النقدية.
وكان لي شرف الكتابة في هذه المجلة الرائدة التي امتازت بالجدية والموضوعية والتعددية والتنوع، وذلك في زاوية " كتاب الشهر" وحينها كتبت عن ديوان الشاعرة نداء خوري " أعلن لك صمتي ".
وكان للمجلة إسهام نوعي واضح في تطوير النقد المحلي، من خلال زاوية " شعاع النقد " حيث نشرت عددًا من الكتابات النقدية للصديق الشاعر د. عامر جنداوي، والكاتب عمر هنداوي حول أعمال أدبية لشعراء وكتاب من بلادنا.
وكان الدكتور أحمد هيبي كتب في احدى افتتاحيات المجلة، موجهًا كلامه للكتاب والشعراء، قائلًا: " والحق الحق اقول لكم انه لا يكفي ان تكون الكتابة " جيدة " لكي تستحق الحياة. ولا يكفي ان يكون الشعر موزونا او وطنيا لكي يستحق القراءة، فإنكم تعرفون ان الكلمات لا تؤكل وانتم تعرفون ان القصائد لا تحارب، والا لما كانت الاندلس طارت مع كثرة الدواوين.
الحق الحق اقول لكم لكم الكتابة الجيدة ينبغي ان تثير. ان تخرج المرء من ثيابه، من كان جالسا يقف، ومن كان واقفا يركض، ومن كان راكضا فلتمزقه الريح، او يعود لكي يعيد الكرة.
الكتابة يجب ان تخلق من لا شيء، او تهدم كل ما هو مألوف. انها تعلي وتخفض، تجعلنا نمسك رؤوسنا بأيدينا ونفكر في كل شيء مجددا. الكتابة الجيدة ليست اضافة للعالم، ولكنها تجاوز العالم. انها تجاوز لليومي وتجاوز للاعتيادي و " الجيد " بمفهومكم، ولا يكفي ان يكون العمل الفني " ما فيش عليه حكي " لكي نتقبله، بل يجب ان يكون كل الحكي يدور حوله يوم الصدور.
الحق اقول لكم اننا نريد كتابة جديدة وخلق جديد، كتابة مؤثرة، نريد كلاما لم نقرأه في مكان آخر".
وقد كان طموحنا أن تبقى مجلة " المنبر " وتواصل الصدور، لكنها للأسف توقفت واحتجبت ولم تعمر طويلًا لأسباب مختلفة ومتنوعة.
وكم نحن بحاجة إلى مجلات كالمنبر، شاملة وجامعة، إذ أننا نعاني في السنوات الأخيرة من غياب المجلات الثقافية، ولم تعد تولد مجلات جديدة إلا ما ندر، متنوعة تعنى بشتى الشؤون والشجون الثقافية والأدبية، وتسهم في اضفاء لمسات تنويع وتجديد في طبيعة المشهد الثقافي الإبداعي والإعلامي، ومن ثم الاسهام النوعي في عكس ومناغمة مختلف الجوانب في المشهد الثقافي المجتمعي العام. ولا نجد في الميدان الثقافي الإعلامي الراهن سوى مجلة " الإصلاح " التي تصدر بانتظام عن دار الاماني في عرعرة، ويرأس تحريرها الأديب مفيد صيداوي، ونامل لها الاستمرار ومواصلة رسالتها ودورها في خدمة الأدباء والمثقفين من أهل هذه البلاد.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت