اليرموك وكيان فلسطين

بقلم: علي بدوان

اليرموك في محنته
  • علي بدوان ... عضو اتحاد الكتاب العرب

في اليرموك وقبل محنته، كان الجميع من سكانه ومواطنيه في بوتقة وطنية واحدة، هي بوتقة متماسكة، تُوحّد ولا تُقسم، تُجمّع ولا تُفتت. فاليرموك ومنذ بداياته عام 1954 كانت غالبية سكانه ومواطنيه من الإقليم الجنوبي لسوريا من اللاجئين الفلسطينيين. وقد أقام بينهم عددٌ من العائلات الدمشقية، وبالتحديد في حارة الفدائية وامتدادها وجوانبها، وهي الحارة الأولى في اليرموك، وقد إندمجوا جميعاً في بوتقة وطنية وحتى عائلية حيث ساد التصاهر المشترك، ومع التوسع المضطرد في حدود مخيم اليرموك الإدارية وإلتصاق الأحياء المجاورة به، فقد باتت الغالبية من السكان هي من المواطنين من الإقليم الشمالي لسوريا الطبيعية، فيما بقيت (لبة) اليرموك تضم الغالبية من مواطني الإقليم الجنوبي (أي من اللاجئين الفلسطينيين).

اليرموك، كما كانت فلسطين، فعندما كان لفلسطين كياناً مادياً سياسياً ملموساً على الأرض بعد خروج العثمانيين وولادة حكومة فلسطين في ظل الإنتداب البريطاني، كانت حاضنة لكل أبناء المنطقة والعروبة، ولأبناء بلاد الشام على وجه الخصوص.

عندما كان لفلسطين كياناً وحكومة على الأرض، كانت تمنح بطاقات إثبات الشخصية لكل من يدخل ارض فلسطين، ونسبه الى العائلة التي كان يعمل لديها كمزارع على سبيل المثال.

كانت مدن شمال فلسطين حتى منتصف الساحل عند مدينة يافا قبل النكبة، تَغُصُ بأبناء جنوب سوريا، من دمشق وريفها، ومن حوران وجبل العرب. الحوارنة كانوا يعملون بشك كبير في ميناء يافا، واهالي جبل العرب في حيفا وعكا عند اقارب لهم في قرى عكا وحيفا. فيما تركز اهالي دمشق في المدن العامرة بالأسواق ومنها حيفا وسوق الشوام الكبير بها، والقدس وعكا ويافا ونابلس .. فيما كانت تغص الأرياف الفلسطينية الشمالية بأبناء سوريا من مناطق وسط سوريا من حماه وحمص وريف حلب.

 

مدخل اليرموك


أما اللبنانيين، فكانت الغالبية العظمى منهم من فلاحي الجنوب الذين وجدوا في أرياف فلسطين موئلاً لهم، للعمل في مهن مختلفة منها : صناعة الأحذية وتصليحها، ومهنة الكندرجية، ومهنة تجليخ الأدوات، والتببيض للآواني النحاسية، والمياومة بمختلف الأعمال بشكلٍ عام. بينما كانت العائلات البيروتية والصيداوية والطرابلسية تعمل في ميادين التجارة وصناعة السفن والقوارب وغيرها، ومنها عائلات معروفة باتت فلسطينية أكثر من كونها لبنانية، كعائلة الحوت، وقليلات، وبعضاً من عائلة فرنجية ... فيما كان عدد من الإقطاعيين اللبنانيين يمتلكون الأراضي الشاسعة بإعتبارهم مواطنين تماماً كالمواطن الفلسطيني، في سهل الحولة الخصيب، ومنهم :  عائلة سرسق (ميشال ويوسف ونجيب وجورج)، عائلة سلام، عائلة تيان (أنطون وميشال)، عائلة تويني، عائلة الخوري، عائلة القباني، عائلة عمران، عائلة الصباغ، عائلة بيهم، عائلة الأحدب ...الخ. وكذا الحال مع العائلات السورية والدمشقية منها على وجه الخصوص، ومنها  عائلة اليوسف، وعائلة المارديني، وعائلة الخوري، وعائلة القوتلي، وعائلة الجزائرلي، وعائلة الشمعة، وعائلة العمري...الخ.

فلسطين الوطن، البلد العروبي الأصيل، والتي كانت تضم بين ثناياها، غالبية سكانية عربية صافية، لدرجة أن الأقليات القومية على أرضها أمست منذ زمن بعيد قبل النكبة عروبية صافية، ومنهم  الأكراد، الشركس، التركمان، البوشناق، الأرمن ... الذين يعتبرون أنفسهم عرب فلسطينيون قبل أي إنتماء أخر، فقد إنصهروا في بوتقة الوطن الفلسطيني بشكل لامثيل له في أي من بلدان العالم. في الوقت الذي لامكان فيه في فلسطين للإنقسام أو الإنتماء الإثني على حساب الإنتماء الوطني.

الفلسطينيون، لم يكونوا  في أي يومٍ من أيامهم، عنصريين، بل كانوا ومازالوا يعتبرون من يعيش معهم، منهم وفيهم، لذلك نرى الآن بعد تشكيل السلطة الوطنية الفلسطينية أن الأعداد الكبيرة من المواطنين العرب من الذين ساهموا بالعمل الوطني الفلسطيني باتوا مواطنين وحتى قياديين في السلطة الوطنية الفلسطينية.

المصدر: -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت