- وسام زغبر
- عضو اللجنة المركزية للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
■رحل القائد الوطني البارز الرفيق سالم خلة «أبو زياد» في العشرين من كانون أول (ديسمبر) 2020 جسداً، ولكن انسانيته وطيبته وعطاءه تبقيه خالداً في قلوب أحبته وذويه ورفاق دربه الذين عايشوه وعملوا معه، في مختلف ميادين العمل السياسي والتنظيمي والعسكري والجماهيري على أرض الوطن وفي عدد من ساحات التواجد الفلسطيني.
القامة الوطنية الرفيق سالم خلة، الذي يعد أحد مؤسسي الجبهة الديمقراطية تحرير فلسطين والتي تسلم فيها عدداً من المسؤوليات الحزبية والتنظيمية المفصلية منها عضوية اللجنة المركزية لعدة دورات، ومسؤولية منطقة صيدا في لبنان، ومسؤولاً للجبهة ومنظماتها في اليمن والعراق، وعضواً في أمانة سر اللجنة المركزية ضمن هيئة الإشراف على تنظيم الأرض المحتلة، إلى جانب مسؤوليات حزبية وجماهيرية بعد العودة للوطن ومن بينها مسؤولياته في محافظتي نابلس وقلقيلية.
ذلك الشهم الذي ولد في مدينة يافا وعاش عاماً فيها قبل نكبة عام 1948 والتي بموجبها هُجر مع أهله وأبناء شعبه من أرضهم وممتلكاتهم على يد العصابات الصهيونية، وهاجرت عائلته الوطنية المناضلة نحو بلدة يعبد في محافظة جنين عرين عز الدين القسام، لينخرط فيما بعد منذ بواكير عمره في العمل الطلابي والوطني، ويساهم بشكل فعال في نهوض حركة المقاومة الفلسطينية المسلحة، حيث كان من أبرز مؤسسي القوات المسلحة الثورية التابعة للجبهة الديمقراطية في لبنان عام 1969.
ارتبط اسم الرفيق القائد أبو زياد بعد العودة إلى أرض الوطن «فلسطين» عام 1996 بصفته عضواً في المجلس الوطني الفلسطيني، بملف استرداد جثامين الشهداء، حيث كانت جهوده جبارة في فضح الاحتلال الإسرائيلي وجرائمه وتعرية الدولة الوحيدة في العالم التي تمارس سياسة الابارتهايد بأوسع صوره وأشكاله ومنها احتجاز جثامين الشهداء في مقابر الارقام وفي ثلاجات الموتى. ويسجل للحملة الوطنية لاسترداد جثامين الشهداء، الذي عمل منسقاً فيها، الفضل الكبير بتحرير جثامين مئات الشهداء وتوثيق البقية أمام أكاذيب ودجل الاحتلال بضياع المئات من الجثامين.
إن نجاح جهود الحملة الوطنية لاسترداد جثامين الشهداء بعد انطلاقتها في السابع والعشرين من آب (أغسطس) 2008، ساهم بإقرار اليوم الوطني من مجلس الوزراء الفلسطيني، واليوم العربي من جامعة الدول العربية، وإقراره يوماً عالمياً لاسترداد الجثامين من الجمعية العامة للأمم المتحدة.
اتذكر يوماً في نهاية عام 2019، أنني اتصلت هاتفياً بالرفيق سالم خلة اسأله عن جهود ونشاطات الحملة الوطنية لاسترداد جثامين الشهداء، وكان حينها في المشفى وأبلغني بكلمات قليلة، «الاحتلال يراوغ بملف جثامين الشهداء، وهذه الدولة الوحيدة في العالم التي تنتهك حقوق الموتى بأبشع الأشكال، ناهيك عن انتهاك حقوق الإنسان في حياته»، «نبذل جهوداً قانونياً لاسترداد جثامين الشهداء، لكن الاحتلال يضرب بعرض الحائط أي قرار يصدر من أية جهة قانونية دولية، رغم أن «اتفاقية جنيف الأولى في مادتها (17) تلزم الدول المتعاقدة باحترام جثامين ضحايا الحرب من الإقليم المحتل وتمكين ذويهم من دفنهم وفقاً لتقاليدهم الدينية والوطنية»».
يدرك الرفيق سالم خلة «أبو زياد» ان الانتصار لفلسطين وقضيتها الوطنية وحقوق شعبها ومكانة وكينونة م.ت.ف يكون بإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية، والتسريع بتطبيق قرارات الإجماع الوطني، ومنها مخرجات اجتماع الأمناء العامين لفصائل المقاومة الفلسطينية عبر تشكيل القيادة الوطنية الموحدة للمقاومة الشعبية على طريق المواجهة الوطنية الشاملة وصولاً إلى العصيان الوطني الشامل لدحر الاحتلال والاستيطان الإسرائيليين، وإنجاز خطة وطنية لإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية وتعزيز أسس الشراكة الوطنية وبناء النظام السياسي الفلسطيني بمرجعية وثيقة الوفاق الوطني «وثيقة الأسرى» واستناداً للبرنامج الوطني المرحلي الذي فتح بوابة الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني، لذلك أسس أبو زياد مع رفاق دربه حراك «وطنيون لإنهاء الانقسام» وشارك في عدد من الحراكات الوطنية والديمقراطية ومنها «التجمع الديمقراطي الفلسطيني»، التي سعت لتوحيد القوى الديمقراطية من جهة وإنهاء التشرذم والانقسام من جهة أخرى.
ليست صدفة أن توجه البوصلة الوطنية نحو محافظة جنين، ليرحل القائد سالم خلة ويتبعه بسويعات الشاب ابن السابعة عشر ربيعاً محمود كميل من بلدة قباطية قضاء جنين – تلك البلدة التي انحدر منها الشهيد خالد نزال عضو اللجنة المركزية للجبهة الديمقراطية ومسؤول قوات اسناد الداخل في القوات المسلحة الثورية-، لينفذ عملية بطولية قرب باب حطة أحد أبواب المسجد الأقصى بمدينة القدس المحتلة رفضاً لاقتحامات المستوطنين لباحات المسجد الأقصى بحماية جنود الاحتلال الإسرائيلي، ومنع الفلسطينيين من الوصول إليه لأداء صلواتهم إلى جانب التضييق على المقدسيين وطردهم من مدينتهم وإحلال المستوطنين مكانهم.
رحلت مبكراً وجثامين الشهداء لم تعد وبقيت أسيرة في مقابر الأرقام وثلاجات الموتى لدى الاحتلال، رحلت والانقسام والشرذمة في الحالة الوطنية الفلسطينية لم تنته بعد، وفلسطين ما زالت تحت نير الاحتلال والاستيطان معاً، وحق العودة للاجئين وفق القرار الأممي 194 لم يتحقق بعد، ولم تعد أيضاً إلى مدينة يافا لتمسك بيدك برتقالها وحفنة من ترابها. لا نقول وداعاً لروحك الطاهرة، فلك منا ألف سلام ■
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت