- فادي أبوبكر
- كاتب وباحث فلسطيني
تسعى مجموعة ميونيخ التي تضم كل من ألمانيا وفرنسا ومصر والأردن، منذ تشكّلها على هامش مؤتمر ميونيخ للأمن الذي عُقد في ألمانيا في شباط /فبراير 2020، إلى تحقيق هدف رئيسي يتمثّل في إعادة إطلاق المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية، وتُقّدم هذه الورقة قراءة في سياقات وتحديات وأهداف ودلالات توقيت جهود مجموعة ميونيخ.
صيغة مجموعة ميونيخ
بدأت مجموعة ميونيخ أولى اجتماعاتها في نفس يوم تشكيلها في ألمانيا، وعقدت بعد ذلك اجتماعاً عبر آلية الإتصال المرئي، واستضافت العاصمة الأردنية عمان الاجتماع الثالث بتاريخ 23 أيلول/ سبتمبر 2020 لتأطير مجالات التنسيق المصري الفرنسي الألماني الأردني المشترك[1].
وبتاريخ 17 تشرين ثاني/ نوفمبر 2020 التقى وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي بنظيره الألماني هايكو ماس في العاصمة الألمانية برلين، لبحث دور مجموعة ميونيخ، والتأكيد على أن تكون عملية إطلاق المفاوضات المستقبلية مستندة الى قرارات الشرعية الدولية بما تتضمنه من الالتزام بحل الدولتين والقانون الدولي ووقف الإستيطان، وأن تجري في اطار متعدد الاطراف وفق دعوة الرئيس الفلسطيني محمود عباس[2].
وبعد أقل من أسبوع على هذا اللقاء، جرت محادثات بين الرئيس محمود عباس والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل عبر الفيديوكونفرس، أكّدت فيه الأخيرة على عزم مجموعة ميونيخ تنظيم لقاء مع كل من فلسطين والكيان الإسرائيلي على مستوى وزراء الخارجية ، الأمر الذي قوبل بترحيب واستعداد من قبل الرئيس عباس بما يتوافق مع الشرعية الدولية[3].
وفي 19 كانون أول/ ديسمبر 2020 عُقد في العاصمة المصرية القاهرة اجتماعاً تشاورياً ثلاثياً بين كل من فلسطين والاردن ومصر على مستوى وزراء الخارجية، تبعه مؤتمر صحفي مشترك عكس توافقاً في الرؤى حول العمل في ضوء قرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية، بما يؤدي إلى إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية على حدود الرابع من حزيران/ يونيو 1967، مؤكدين الاستعداد للتعاون مع الإدارة الأميركية الجديدة، وعلى أهمية إنجاز المصالحة الفلسطينية أيضاً[4].
وفي نفس السياق، دعا وزراء خارجية مجموعة ميونيخ خلال بيان مشترك تم إصداره عقب الاجتماع الذي عقد في العاصمة المصرية القاهرة يوم 11 كانون ثاني/يناير 2021، إلى "الاستئناف الفوري للمفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية، على أساس حل الدولتين القائم على ضمان قيام الدولة الفلسطينية المستقلة القابلة للحياة على أساس حدود 1967، وقرارات مجلس الأمن الدولي" مشددين على "ضرورة وقف الأنشطة الاستيطانية وأهمية التمسك بالوضع التاريخي والقانوني القائم للأماكن المقدسة في القدس". كما تناولوا اتفاقيات التطبيع، من حيث ضرورة أن تسهم في حل الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، على أساس حل الدولتين وبما يُحقق السلام الشامل والدائم، ورحبوا بجهود تحقيق المصالحة الفلسطينية، وإجراء الانتخابات في آنٍ واحد. ويأتي هذا البيان بعد مباحثات هاتفية، أجراها وزير الخارجية المصري سامح شكري، مع نظيريه الفلسطيني رياض المالكي، والإسرائيلي غابي أشكينازي، لاستئناف مباحثات السلام[5]
وفي غضون أقل من أسبوع على اجتماع مجموعة ميونيخ الأخير، أجرى وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي مباحثات مع نظيره السعودي الأمير فيصل بن فرحان في الرياض، أطلعه فيها على نتائج اجتماع مجموعة ميونيخ، وتم التأكيد على وحدة موقف المملكتين فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، واستمرارية عملية التشاور والتنسيق في سبيل تحقيق أهداف المجموعة وبما يتوافق مع الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية[6].
سياقات "النهوض" العربي – الأوروبي !
شُكّلت صيغة مجموعة ميونيخ بعد أقل من شهر على إعلان إدارة الرئيس الاميركي دونالد ترامب عن ما يُسمّى بـ "صفقة القرن"، كونها ضربت عرض الحائط بالمجتمع الدولي بأسره، ولم تعمل فيها إدارة ترامب على إشراك حتى حلفائها بصياغتها أو آليات تنفيذها، ما دقّ ناقوس خطر حقيقي على منظومة العلاقات الدولية بأسرها.
إضافة إلى ذلك، لا يمكن إغفال حقيقة أن مجموعة ميونيخ تشكّلت بالتزامن مع خروج بريطانيا رسمياً من الاتحاد الأوروبي في الأول من شباط/فبراير 2020، حيث أن غياب التيار الحليف للولايات المتحدة، والذي كان يلجم السياسات والمواقف الأوروبية إزاء القضية الفلسطينية،حفّز دول الاتحاد الأوروبي وعلى رأسها المانيا لاتخاذ دور اقليمي ودولي فاعل للحيلولة دون انهيار تدريجي للاتحاد، وضمان مكانة الاتحاد في أي نظام دولي جديد قد يُعاد تشكيله مستقبلاً، لا سيّما في منطقة حوض البحر المتوسط التي تُشكّل أولوية استراتيجية للاتحاد الأوروبي.
و يُلاحظ في أن مجموعة ميونيخ قد كثّفت من جهودها بعد أن بدأت المعطيات الانتخابية تشير إلى فوز جو بايدن بالانتخابات الرئاسية الأميركية في شهر كانون ثاني/ نوفمبر 2020، فيما يبدو أنها تحاول انتهاز فرصة انشغال الإدارة الأميركية الجديدة المتوقّع بشؤونها الداخلية في النصف الأول من العام القادم، للعب دور فاعل في الساحة الدولية.
وفيما يخص الدول العربية في المجموعة، فإن الحراك المصري الفاعل يأتي في سياق إعادة ثقل جمهورية مصر في النظام العربي من جانب، وتوجيه رسالة للتقرب من الإدارة الأميركية الجديدة وإيجاد أرضية تفاهم مشتركة، في ظل توقعات بتوتر العلاقة معها في قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان، بعد أن أشار بايدن إلى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في تغريدة له على توتير في تموز/ يوليو 2020 قال فيها: " لا مزيد من الشيكات على بياض للدكتاتور المفضل لترامب [7]".
وينصبّ الجهد الأردني في نفس السياق، فيما يخص تثبيت دور المملكة المحوري في النظام العربي، وفي القضية الفلسطينية بشكل خاص، لا سيما فيما يتعلق بالوصاية الأردنية على المقدسات في مدينة القدس. حيث أن إحدى المخاطر الجانبية لموجة التطبيع العربي – الإسرائيلي، تتمثّل في الخطة الإسرائيلية التي كشفت عنها وسائل الإعلام الإسرائيلية، والتي تهدف لجلب بعض الدول العربية للإشراف على المسجد الأقصى، حيث تحاول "إسرائيل" عملاً بمبدأ ( فرق تسد) إغراء كلاً من الإمارات والسعودية بالدخول على خط الإشراف على الأماكن المقدسة بمدينة القدس المحتلة والمسجد الأقصى خاصة، في منافسة للدور الأردني المشرف على الوصاية منذ زمن طويل.
تحديات قائمة
كما ذكرنا آنفاً، فإن المجموعة تحاول انتهاز فرصة انشغال الإدارة الأميركية الجديدة بشؤونها الداخلية، ولكن في سياق تثبيث دور عربي وأوروبي فاعل في إطار الرعاية الأميركية لعملية السلام. ويتضّح ذلك من خلال البيانات الصادرة عن المجموعة، أو من تصريحات وزيري الخارجية الألماني والفرنسي. حيث أعرب وزير الخارجية الألماني، عن تخوفه من «ألا تكون عملية السلام في الشرق الأوسط، على رأس أولويات الإدارة المقبلة في واشنطن»، في حين شدّد وزير الخارجية الفرنسي، جان إيف لودريان، على الرغبة «لأن نقيم علاقات وثيقة مع الولايات المتحدة والتنسيق فيما يتعلق بعملية السلام »[8].
وستشهد الفترة المقبلة إجراء الانتخابات الإسرائيلية، وأيضاً إجراء انتخابات فلسطينية، ما يعني وجوباً مزيداً من التغول الاستيطاني والتوحّش الإسرائيلي على كافة الأصعدة، من أجل دعم أهداف الدعاية الانتخابية الإسرائيلية من جانب، وعقاباً للفلسطينيين على جهودهم الرامية إلى التوحّد وإجراء الانتخابات من جانب آخر.
وفي المقابل، وإن كانت الإدارة الأميركية الجديدة ستدعم حل الدولتين نظرياً، وتدعو الكيان الإسرائيلي إلى عدم بناء مستوطنات جديدة، والتوقف عن مخطط الضم أو أية إجراءات أحادية الجانب، فإنها وبحسب حملة جو بايدن الانتخابية ستدعو الفلسطينيين إلى إيقاف أية إجراءات من شأنها نزع الشرعية عن الكيان الإسرائيلي، ووقف دفع رواتب الأسرى والشهداء[9] . بمعنى أنه لا يمكن الاعتماد الكلّي على الإدارة الأميركية الجديدة في إزالة التحديات القائمة، لأنها وإن تسلّم دفتها الحزب الديمقراطي، ستبقى عائقاً كبيراً أمام تقدّم أي مفاوضات مستقبلية حقيقية.
خاتمة
وجد البروفيسور الراحل إدوارد سعيد في كتابه "نهاية عملية السلام: أوسلو وما بعدها" بأن عدم توازن القوى الذي أجبر الفلسطينيين والدول العربية على قبول التنازلات المفروضة عليهم من قبل الولايات المتحدة والكيان الإسرائيلي قد منع قيام مفاوضات حقيقية ودفع إلى معاملة الفلسطينيين كأفراد من الدرجة الثانية.
وفي ضوء الرضوخ الحالي المتجسّد في موجة التطبيع العربي – الإسرائيلي، ومع الأخذ بعين الاعتبار أن الإدارة الأميركية كانت تحت قيادة الديمقراطيين عند توقيع اتفاق أوسلو عام 1993، فإنه سيكون خطأً استراتيجياً العودة إلى مربّع الرعاية الأميركية.حيث لا بد من توفر شرط التوازن في العملية التفاوضية، وإشراك قوى صاعدة كالصين وروسيا بدور موازي للدور الأميركي، لمواجهة أي إخلال قد تُحدثه الإدارة الأميركية لصالح الكيان الإسرائيلي.
من ناحية أخرى، ستفرض الانتخابات الفلسطينية والمصالحة الوطنية تحديات جديدة من جانب، وستُعطي الفلسطينيين نقاط قوة من جانب آخر. وسيبقى ملف الأسرى والابتزاز الاقتصادي أكبر التحديات التي تواجه القيادة الفلسطينية، الأمر الذي تدركه السلطة الفلسطينية وتسعى في الآونة الأخيرة بكل جهدها إلى جذب المستثمرين لتمتين اقتصادها الوطني.
وفي الختام، وإن وصل الفلسطينيون إلى قمة الضعف، في مقابل وصول الكيان الإسرائيلي إلى قمة القوة، فإنهما سيتساوان، لأن القوة يمكن أن تتحول إلى نقاط ضعف في لحظة من اللحظات، على عكس الضعيف الذي ليس لديه ما يخسره، ولا يملك إلا أن يُحوّل نقاط ضعفه إلى نقاط قوّة.
فادي أبوبكر
كاتب وباحث فلسطيني
[1] ماجدة أبوطير، اجتماع عربي اوروبي : حل الدولتين السبيل لتحقيق السلام العادل والشامل، جريدة الدستور، 25/9/2020: https://bit.ly/3sx7woq .
[2] الوزير د. المالكي يلتقي نظيره الالماني، وزارة الخارجية والمغتربين – دولة فلسطين، 17/11/2020: https://bit.ly/38OYATA.
[3] منشور على صفحة الرئيس الفلسطيني محمود عباس على الفيسبوك، 23/11/2020: https://bit.ly/2MZZ5lh .
[4] وزير الخارجية المصري يؤكد أن بلاده تعتزم تنظيم اجتماع لدول "صيغة ميونخ" لدفع جهود عملية السلام، وكالة الأنباء السعودية، 19/12/2020: https://bit.ly/3oWnZk6.
[5] «اجتماع القاهرة» يدعو لاستئناف «فوري» للمحادثات الفلسطينية ـ الإسرائيلية، الشرق الأوسط، 12/1/2021: https://bit.ly/39DJzDl .
[6] وزير الخارجية يجري مباحثات مع نظيره السعودي في الرياض، أخبار الأردن، 16/1/2021: https://bit.ly/38W3xu9.
[7] تغريدة لجو بايدن، الرئيس الأميركي المنتخب عام 2020، على صفحته على التويتر، 12/7/2020: https://bit.ly/2K19zzl.
[8] مرجع سابق، الشرق الأوسط.
[9] Itamar Eichner ,Joe Biden has plans for Israel and the Middle East, Yediot Ahronot, 13/11/2020: https://bit.ly/2ICYLao
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت