- د. سنية الحسيني
يعتبر استهداف السفينة الإسرائيلية في خليج عُمان نهاية الأسبوع الماضي تطور في أساليب الضغط الذي تمارسه إيران لارغام الولايات المتحدة لاعادة احياء الاتفاق النووي بين الطرفين. وتضغط إيران بقوة على الادارة الأمريكية الجديدة لاعادة إحياء ذلك الاتفاق، رغم علمها بالتحديات التي تواجه تلك الادارة في سبيل ذلك، من بينها تحفظات إسرائيل شريك الولايات المتحدة الاستراتيجي في المنطقة. ورغم هشاشة الرد الإسرائيلي على ذلك الهجوم، وذلك باقدام إسرائيل على قصف أهداف إيرانية في سوريا يوم الأحد الماضي، الا أن تزامنه مع الهجوم الأمريكي على أهداف إيرانية أيضاً في سوريا يوم الخميس الماضي، وزيارة مسؤول عسكري أمريكي لإسرائيل في اليوم التالي، يؤكد على استمرار التنسيق عالي المستوى بين البلدينفي سوريا، وفي اطار الملف النووي الايراني والعلاقة مع إيران.
لا تخفي إيران رغبتها الجامحة في استعادة الاتفاق النووي،رغم عدم نيتها التفاوض حوله، كما ترغب إدارة بايدن في اعادة إحيائه من جديد لكن بشروط جديدة، وهو ما تريده إسرائيل، التي لا تخفي قلقها من استمرار تطوير إيران لقدراتها النووية خارج حدود الاتفاق. إن العودة إلى الإتفاق النووي يعد مصلحة لجميع الأطراف، كما أن انفجار الأوضاع في المنطقة ليست من مصلحة أي من الأطراف، فماذا ينتظر المنطقة في الأيام القادمة؟
تعرضت ناقلة إسرائيلية لهجوم صباح يوم الجمعة الماضي في خليج عمان، حيث اتهم بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي إيران بالوقوف وراءه. ورغم نفي طهران ضلوعها في الحادث، وعدم تقديم أدلة تفيد بتورطها فيه، الا أن هذا الحادث يشير إلى تطور نوعي في الأساليب التي تستخدمها إيران للضغط على الولايات المتحدة فيما يتعلق باستعادة الملف النووي. إن اقحام إسرائيل في اطار تلك المواجهة المباشرة تحمل بعدين، الأول يلوح بإمكانية استخدام إيران للمصالح الإستراتيجية والتجارية لإسرائيل، والتي تعد قضية جوهرية لإسرائيل، والبعد الثاني يشير إلى التلويح لإسرائيل بمكانة ونفوذ إيران في تلك المنطقة، وضرورة حدوث توافق لإنجاح أي عمل مستقبلي فيها.
وعلى الرغم من رد إسرائيل الباهت على هذا الهجوم، والذي لم يخرج عن غارة شنتها قوات الاحتلال على أهداف إيرانية في سوريا، مثل عشرات الغارات الأخرى، فيعد ذلك الهجوم العاشر لها خلال الشهرين الأخيرين، الا أنه تزامن هذه المرة مع هجوم جوي نفذته الولايات المتحدة يوم الخميس الماضي على أهداف إيرانية في سوريا، كما جاء في أعقاب زيارة قام بها اجريجوري جيلوت قائد القوات الجوية بالقيادة المركزية الأمريكية إلى إسرائيل يوم الجمعة الماضي. واستهدف الهجوم الأمريكي مواقعاً تستخدمها الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران في منطقة تشكل أهمّ حزام تجمُّع للميليشيات العراقية المدعومة من إيران في سوريا، والتي تعرضت لضربات متكررة من قبل إسرائيل والولايات المتحدة منذ عام ٢٠١٨. ورغم أن الهجوم الأمريكي لا يعد عنيفاً أيضاً، الا أنه الأول في عهد جو بايدن الرئيس الأمريكي الجديد، ويعكس بوضوح استمرار التعاون الإسرائيلي الأمريكي في ظل الإدارة الأمريكية الجديدة في سوريا.
وفي رده على الهجوم، أكد بايدن انه تعلم من اخفاقات الرئيس السابق باراك اوباما في تعامله مع إيران، والذي تغاضى فيها عن خروقات إيران العسكرية لضمان استمرار الجهود الدبلوماسية. إن الضربة المزدوجة التي تلقتها إيران قبل أيام من قبل الولايات المتحدة وإسرائيل لا تعتبر الأولى من نوعها فقد ميزت حقبة الرئيس السابق دونالد ترامب.
وأكد مسؤول استخباراتي أمريكي في كانون الثاني الماضي أنإسرائيل نفذت ضربات جوية في شرق سوريا على أهداف مرتبطة بإيران بمعلومات استخبارية قدمتها الولايات المتحدة. كما أشار جيمس جيفري المبعوث الأمريكي السابق إلى سوريا على تنسيق الضربات بين إسرائيل والولايات المتحدة في سوريا. إن ذلك يؤكد أن سياسة الرئيس بايدن تجاه سوريا والوجود الإيراني فيها والتنسيق مع إسرائيل لن تشبه سياسة أوباما وإنما ستتشابه الى حد كبير مع سياسة الرئيس السابق دونالد ترامب.
تعطي إيران أولوية كبيرة للعودة إلى الملف النووي أو خطة العمل الشاملة المشتركة التي وضعت في عهد الرئيس أوباما عام ٢٠١٥، وتسعى إلى ازاحة جميع العقوبات الجديدة التي فرضتها إدارة الرئيس السابق ترامب بعد انسحابه منها عام ٢٠١٨. وشهد الاقتصاد الإيراني تراجعاً كبيراً منذ تخلي ترامب عن ذلك الاتفاق، حيث أفاد البنك الدولي أن الناتج الإيراني المحلي الإجمالي تقلص بنسبة ٦,٨ في المائة خلال عامي ٢٠١٩ و٢٠٢٠، كما ارتفع معدل البطالة بشكل كبير. كما يواجه النظام الإيراني اضطرابات شعبية بدأت شرارتها مع الاحتجاجات نهاية التي جاءت عام ٢٠١٧، وتصاعدت مع تفاقم الازمة الاقتصادية بعد الغاء الاتفاق النووي ومذلك الازمة الصحية الناتجة عن انتشار فايروس كورونا. ويعكس الانخفاض الكبير في نسبة المشاركة الشعبية في انتخابات البرلمان الأخيرة في شهر شباط من العام الماضي تلك الازمة، والتي بلغت ٥٧ بالمائة فقط في أقل نسبة مشاركة على مدى الأربعين عاماً الماضية.
ووافق بايدن على دعوة من الاتحاد الأوروبي لإجراء محادثات مع إيران، ولم تستبعد إيران إمكانية الانضمام اليها. وتريد واشنطن التأكد منعودة طهران للامتثال لشروط اتفاق ٢٠١٥ التي خرقت عدد منها بعد انسحاب واشنطن منه. وتدعو إسرائيل إدارة بايدن لعدم رفع العقوبات عن إيران الا في ظل صفقة جديدة تضع منظومة الصواريخ الباليستية الإيرانية والدور إيران الإقليمي ضمن بنودها. ولا تخفي تصريحات القيادة الإيرانية رغبتها الجامحة في احياء ذلك الاتفاق، مع تأكيدها على عدم استعدادها لاعادة التفاوض حول معطياته.
ودعا المرشد الأعلىآية الله علي خامنئي إيران والولايات المتحدة للتحرك بشكل متزامن لإحياء الاتفاق، مع عودة طهران إلى الامتثال في نفس الوقت الذي ترفعفيه واشنطن العقوبات. كما أكد الرئيس الإيراني حسن روحاني أن إيران على استعداد لأن تخطو خطوات تتناسب مع خطوات واشنطن.
تستخدم طهران العديد من الأساليب للضغط على الولايات المتحدة لاعادتها الى الاتفاق النووي، ورفع العقوبات التي فرضها إدارة ترامب بعدانسحابه من خطة العمل الشاملة المشتركة عام ٢٠١٨.
أعلنت إيران عن زيادة التخصيب إلى ٢٠ في المائة واتخاذ إجراءات أخرى، مثل إنتاجخام اليورانيوم، كما هددت بالتخلي عن "البروتوكول الإضافي" الذي يسمح بالتفتيش الفوري على منشآتها النووية. كما تلوح إيران بإمكانية الذهاب إلى التشدد في سياستها من خلال انتخاب قيادة متشددة، رغم أن المرشد لا يخفي رغبته بالعودة إلى الاتفاق مع الولايات المتحدة، كما أنه يتحكم بشكل كبير، من خلال أذرع النظام، في تحديد هوية القيادة الإيرانية سواء كان ذلك في المجلس (البرلمان) أو مؤسسة الرئاسة. ويبقي المرشد حاليا طريق الدبلوماسية مفتوحا عبر التصريحات المنفتحة للرئيس الإيراني الإصلاحي روحاني وفريقه.
وفاز المتشددون في انتخابات البرلمانية عام ٢٠٢٠، وأقر المجلس في كانون الأول من العام الماضي قانون "العمل" الذي يفرض على الحكومة منع مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية من دخول المنشآت النووية الإيرانية ما لم توافق الولايات المتحدة على مطالب إيران، وقد دخل القانون حيز التنفيذ في الثالث والعشرين من شهر شباط الماضي. ومن المفترض أن تجري ايران انتخاباتها الرئاسية في شهر حزيران القادم لانتخابات رئيس يخلف حسن روحاني، حيث تشير التكهنات بإمكانية وصول رئيس متشدد، في ظل تراجع مكانة الإصلاحيين. ويشير ذلك إلى إمكانية توجه النظام الإيراني لمزيد من التشدد في ظل اتحاد مؤسسة الرئاسة والبرلمان على رفض استمرار القبول بالطريق الدبلوماسي والانفتاح على الاتفاق مع الولايات المتحدة.
يواجه بايدن تحديًا كبيرًا في ظل معارضة تيار واسع في الولايات المتحدة يتوافق مع موقف إسرائيل. في أوائل شهر شباط الماضي وقع ١٢٠ عضوًا جمهوريًا في الكونجرس خطابًا يؤكدون رفضهم اعادة واشنطن العمل بالاتفاق النووي مع إيران، في حين وقع ١٥٠ عضوا ديمقراطياًعلى خطاب آخر أيدوا من خلاله العودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة. ومن غير المتوقع رضوخ إيران للضغوطات والقبول بالتفاوض مجدداً حول الاتفاق النووي. وجاء توجه إيران لضرب مصالح الولايات المتحدة وإسرائيل في المنطقة واستخدام التوترات الإقليمية للضغط على البلدين لاستعادة ذلك الاتفاق. إن الانهيار التام للاتفاق النووي من شأنه أن يعرّض منطقة الشرق الأوسط لازمة حقيقية قد تصل إلى الحرب التي لا تريدها ولا تستطيع تحملها جميع الأطراف.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت