- بقلم: د. رامي الشرافي
في موكب شعبيٍ مهيب، شيع الألاف جثمان القائد "أشرف صبيح" أبو غسان من منزله الى مسجد النور سيراً على الاقدام باتجاه مقبرة الفالوجا، في جنازة وصفت بأنها واحدة من أكثر الجنازات حشدا في مخيم جباليا منذ سنوات طويلة
موجع كان وداع "أبا غسان" بهذه السرعة، وبدون استئذان.
- مضى في صمت بعيداً عن الأضواء شأنه في ذلك شأن الكثيرين من العظماء.
على الصعيد الاجتماعي والإنساني، لم نره يوما إلا ذاك الإنسان الذي تطيب الجلسات معه، ويتفتح الكلام وإياه، ومع ابتسامته التي ميزت محياه، إنه أشرف صبيح الذي ودعناه، ونحن نتقلب على جمرة الفقد الفادح، والخسارة الجسيمة، وعزاؤنا الوحيد ما ترك لنا من أمثولته الوطنية، وسيرته النضالية والاجتماعية، التي ستظل عصية على النسيان أبدا، وفلسطين لا تنسى، ولن تنسى أحدا من فرسانها الشجعان، وهو الآن فقيدها الذي لم يبحث يوما على امتياز شخصي-وهو المختار ورجل الإصلاح ... سوى عمّا يهندم عمل الخير الاجتماعي والانساني.
ماذا قلت لرفاقك قبل الرحيل؟ أي وصية أودعتها في عهدتهم؟ مذ كنت يافعاً رأيناك ثائرا تعلم الأشبال حب الوطن والفداء للوطن بدون مقابل تحرس المخيم تجند الشباب للفكرة التي امنت بها فكرة غسان كنفاني ووديع حداد وجرج حبش.
عرفناه قائدا بوطنية بالغة، ومناضلا من زمن المناضلين، وأدركناه معلما فلسطينيا حافظ لتاريخ الفلسطيني، تطيب الاستماع لحديث الرجولة والوطنية والانتماء الصادق لفلسطين بدون تعصب يشيد وينتقد.
ما أصعب هذا الرفيق. يريد وطناً والوطن ممنوع. يريد "ثورة"، والثورة تتمنع. يريد دولة، والدولة مستباحة. يريد ديمقراطية في مجتمع ديمقراطي تقدمي يحلم به.
كان أبا غسان مشروعاً متحركاً ونهراً من الاسئلة يسابق الوقت طمعاً في الاجابات. كان يرفض الرد بالكراهية على من تكلست دماء الحقد تحت أظافرهم. منذ صغره، كان يمتلك مواصفات قيادية ووعيا ثوريا، وكان عاشقا للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ومؤسسها جورج حبش وامينها الشهيد أبو على مصطفى وامينها العام الأسير أحمد سعدات.
عرفناه وحدوياً، كان حتى الرمق الاخير. لكنه ما استطاع أن يوحّدنا في حياته، فوحّدنا في جنازة التي كانت الأكبر التي شاهدتها في معسكر جباليا.
أبا غسان لا يعرف الكثير من المعزين أبناءك، ربما أنهكهم تعب الوقوف، وربما هدّهم وجع الفراق، وربما راحوا في اتفاق ليكملوا المشوار والأثر الطيب الذي تركته لهم.
كان لرحيلك المبكر طعم اخر في بلاد أدمنت طعم الخسارات والجنازات ... لم تكن يوماً جنرال جبهتك، ولا سيف منطقتك. كنت صوتاً صادقاً، وابتسامة يحظى بها الجميع، كلما تخيلتها ظننت أني قد أراك غدا
الان أيقنت أني لن أراك ثانية وقد سمعت شخصاً قال عنك ذات بوحٍ: من يجمعنا الان بعدك يا أشرف ويعلمنا الحكمة والصبر؟
نسأل الله العلي القدير ان يتغمد فقيدنا بواسع رحمته، وأن يلهمنا وأهله وذويه وجماهير شعبنا الصبر والسلوان، وانا لله وانا اليه راجعون. وداعا رفيقنا أشرف صبيح.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت