- بقلم: الدكتور حنا عيسى – أستاذ القانون الدولي
بتاريخ 29/11/1947م اتخذت الجمعية العامة لهيئة الأمم المتحدة قرار رقم: 181(2) الذي نص على إنهاء الانتداب البريطاني على فلسطين وتقسيمها إلى دولتين مع الحفاظ على اتحاد اقتصادي بينهما وتحويل القدس بضواحيها إلى وحدة إقليمية مستقلة ذات وضع دولي خاص... من هنا نرى بأن الحل الجذري للمشكلة الفلسطينية لا يكمن تحقيقه إلا على أساس قرار 181 الذي يمنح كلا شعبي فلسطين حق الوجود المستقل المتكافئ. إلا أن إسرائيل منذ قيامها حتى تاريخه تستمر بخرق أصول ميثاق هيئة الأمم المتحدة، الذي يطالب بالاعتراف بحق كل شعب في تقرير المصير والسيادة الوطنية والاستقلال، وعلاوة على ذلك استمرارها غير المبرر في احتلال أراضي الغير المجاورة لحدودها عن طريق شنها للحروب المتعاقبة. ففي عام 1967 اتخذ مجلس الأمن قرار رقم 242، الذي نص على سحب القوات الإسرائيلية من الأراضي التي احتلتها خلال حرب حزيران 1967 وضرورة إحلال سلام وطيد عادل في الشرق الأوسط. وبما أن الاحتلال الإسرائيلي بقي على الأراضي الفلسطينية (الضفة الغربية، قطاع غزة والقدس الشرقية) فإن البت في مستقبلها بعد انسحاب القوات الإسرائيلية ليس مجرد مهمه إنسانية بل هي قضية ذات طابع دولي سياسي صرف ولها علاقة مباشرة بمسألة إحقاق الحقوق الوطنية الثابتة للشعب الفلسطيني. وتبدي الأوساط الحاكمة الإسرائيلية "حرصها" بخاصة على القدس التي أعلنت إسرائيل قسمها الغربي بصورة غير مشروعة عاصمة لها منذ عام 1950. وكانت هذه الخطوة المخالفة للقانون قد رفضت بحزم من جانب المجتمع الدولي... وبعد العدوان الإسرائيلي عام 1967 ضم القسم الشرقي من القدس، وأقرّ الكنيست الإسرائيلي قانوناً أعلن فيه " بأن القدس التي توجد فيها الأماكن المقدسة لثلاثة أديان اليهودية- المسيحية – والإسلام: عاصمة لإسرائيل" لا تتجزأ الى الأبد... وكان هذا القانون خرقاً صارخاً جديداً لقرارات الأمم المتحدة من جانب إسرائيل... علماً بأن الجمعية العامة ومجلس الأمن اتخذ مجموعه من القرارات بشأن القدس، ويرتدي القرار رقم 478 لعام 1980 أهميه قانونيه خاصة، حيث نص على" عدم الاعتراف بالقانون الأساسي بشأن القدس، ودعوة الدول إلى سحب بعثاتها الدبلوماسية منها". من هنا نرى بأن القانون الدولي يمنع المحتلين الإسرائيليين أن يقيموا حكماً شرعياً من الناحية القانونية ويمنع سلطة الاحتلال تغيير حدود الدولة المحتلة.
أما بخصوص المستوطنات غير الشرعية، فقادة إسرائيل منذ نشأتها يعتبرون أن الاستيطان بجميع أشكاله مشروعاً قومياً واجتماعيا، وسيعملون على تحسين قدرة المستوطنات لمواجهة التحديات والصعوبات"... وهنا إشارة واضحة تؤكد بأن جوهر الإستراتيجية الاستيطانية الصهيونية تكمن " ليس الاستيطان هدفاً بحد ذاته فحسب، إنه أيضاً وسيلة الاستيلاء السياسي على البلد فلسطين... حيث قام الاستيطان الصهيوني – الإسرائيلي دائماً بدور أساسي في رسم حدود الكيان الصهيوني، وخصوصاً منذ بداية عرض خطط تقسيم فلسطين في النصف الثاني من الثلاثينات، وصولاً الى صدور قرار تقسيمها سنة 1947 ولا شك في أن الإسرائيليين يطمحون في أن يقوم الاستيطان بدور مماثل في توسيع كيانهم، والذي من وجهة نظرنا يتنافى بشكل صريح مع طابع الاحتلال المؤقت المنصوص عليه في القانون الدولي:
استنادا الى النظام رقم 43 من انظمة لاهاي الصادرة عام 1907، يجب على القوة المحتلة أن تستمر في تطبيق المبادئ القانونية التي كانت مرعية الإجراء قبل بداية الاحتلال.
والمادة 47 من اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1947 ترتدي أهمية خاصة (إذ تعتبر الاحتلال الحربي حالة مؤقته تنتهي مع إيجاد تسوية سلمية بما يترتب على ذلك من التبعات القانونية).
وهناك قرار مجلس الأمن رقم 465 بتاريخ 1/3/1980 الذي يطالب إسرائيل بتفكيك المستوطنات القائمة والتوقف عن التخطيط للمستوطنات وبنائها في الأراضي العربية المحتلة، بما فيها القدس.
وفي الدورة 57 للجنة الدولية لحقوق الإنسان بتاريخ 18/4/2001 اتخذت قراراً، جاء فيه: (إن أنشطة الاستيطان الإسرائيلي، بما في ذلك المستوطنات وتوطين المستوطنين في الأراضي المحتلة، والاستيلاء على الأراضي، وهدم المنازل، وطرد الفلسطينيين، وشق الطرق الالتفافية، التي تغير الطابع المادي والتكوين الجغرافي للإرادي المحتلة، بما فيها القدس الشرقية، هذه الأعمال كلها غير شرعية وتشكل انتهاكاً لاتفاقية جنيف المتعلقة بحماية المدنيين وقت الحرب، وعقبة رئيسية تعترض تحقيق السلام.
وعلى ضوء ما ذكر أعلاه، فإن الوجود الاستيطاني في المناطق المحتلة هو مخالفة واضحة للقانون الدولي الإنساني، خاصة المادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949، ويتوجب إزالته برمته وأن أي تسوية لا تتضمن ذلك لا يمكن أن تكون عادلة ودائمة والسلطات الإسرائيلية تتحمل المسؤولية الكاملة عن كل ما يترتب عن الوجود غير القانوني للمستوطنين.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت