- عمر حلمي الغول
غباء القيادات الصهيونية وقبلها الأميركية يكمن في التعاطي مع الشعوب ورموزها باستخفاف واستعلاء وغرور، ومن موقع الإملاء ووفقا لمصالحهم، مفترضين ان القيادات جميعها من طراز واحد، ويمكن تطويعها بالرشوة او بالتلويح بالعصا الغليظة، ولهذا تفترض ان كل الزعماء من لون واحد، كونها وجدت من الزعماء الوهميين والمفبركين طوع بنانهم، وجيروا مصالح شعوبهم ودولهم في خدمة قوى الشر والإرهاب المنظم في العالم.
ما تقدم من مدخل مرتبط باللقاء الذي جمع الرئيس محمود عباس مع نداف ارغمان، رئيس جهاز الشباك الصهيوني ومع مسؤول ال CIA في اسرائيل في بحر شهر آذار / مارس الماضي، والذي حاول فيه الضابط الإسرائيلي فرض اجندته وخياره الإستعماري على رئيس منظمة التحرير الفلسطينية في أكثر من ملف، اولا ملف الإنتخابات البرلمانية في 22 ايار / مايو القادم، حيث طالب بالإلغائها متذرعا بالخشية على فتح وقيادة السلطة؛ ثانيا فك التعاون بين حركتي فتح وحماس، لإن حركة حماس كما قال، حركة ارهابية؛ ثالثا عدم السماح باجراء الإنتخابات في القدس العاصمة الفلسطينية؛ رابعا مطالبة الرئيس بعدم التوجه لمحكمة الجنايات الدولية، باعتبار ذلك خط احمر صهيوني؛ خامسا التلويح للرئيس عباس بعصا التهديد والوعيد والملاحقة القانونية امام المحكمة ذاتها (الجنائية الدولية).
رد الرئيس عباس، ليس كما أعلن فيما سبق "إشرب قهوتك ومع السلامة"، لا، كان رده مفحما ومسؤولا ومقزما لمكانة ودور ضابط الشاباك الأول، وفي ذات الوقت رسالة موجهة لقيادة جهاز المخابرات المركزية الأميركية CIA، حيث قال ابو مازن، لا تراجع عن إجراء الإنتخابات في ايار / مايو القادم، وبغض النظر عن النتائج ربحت حماس او ربحت فتح. وانت لا تملي علي ولا على القيادة الفلسطينية ما تريد؛ واما عن اتهامك حركة حماس بالإرهاب، فأنتم من صنعها، وانتم من يدعمها ويوصل لها كل شهر 30 مليون دولار، كما انكم خضتم معها ثلاثة حروب بهدف المحافظة عليها، وتلميعها؛ وبالتالي انا ساحافظ على التعاون معها، وهي جزء من شعبي، ولن اسمح باسالة نقطة دماء واحدة، وهذا خياري منذ حصل الإنقلاب في اواسط عام 2007، وقبلنا بكل الإتفاقيات والإعلانات لنتفادى اية حروب بينية، ولحماية شعبنا، وإن نجحت في الإنتخابات كما فعلنا في عام 2006 ساسلمها الحكومة؛ واما موضوع المحكمة الجنائية الدولية، فانتم لم تبقوا على العين قذى، ومارستم ومازالتم تمارسون كل اشكال البلطجة والضم والتهويد والمصادرة وإغتصاب البيوت والأملاك في القدس العاصمة وفي عموم الضفة، فضلا عن الإنتهاكات المتكررة والخطيرة من قبلكم ومن قبل الجيش وقطعان المستعمرين، ولم تذعنوا للارادة الدولية، كما لم تفرض عليكم القوى الدولية اية عقوبات لردع سياستكم التدميرية، ولم يبق لنا سوى محكمة الجنايات الدولية لوقف سياساتكم العنجهية والعدوانية، ونحن لن نتراجع عن هذا الخيار. واما انكم تريدون رفع دعوى علي شخصيا وعلينا، فأنا موافق ولنقف سويا امام المحكمة الجنائية الدولية، ونجلس في زنزانة واحدة وليقرر العالم من الذي يمارس الإرهاب.
بالمحصلة غادر ارغمان الصهيوني والعار يجلل وجوهه، وعاد لقيادته بخفي حنين. ولم يفد تهديده ووعيده في إبتزاز رئيس دولة فلسطين المحتلة عام 1967، لا بل خرج مهزوما وقزما ضعيفا أمام قوة المنطق، والرد العلمي والمسؤول والحكيم، والبعيد عن الديماغوجية والشعاراتية الفارغة، ولكنه المستند إلى الحقائق والوقائع المعطاة على الأرض. كما واكد الرئيس عباس لارغمان، انتم الذين لم تلتزموا بالإتفاقيات المبرمة بيننا، ودعوناكم للمفاوضات، لكنكم رفضتم الإستجابة لدعواتنا المتكررة، وانسقتم مع منطق الرئيس الأيميركي السابق، ترامب، الذي رفضت إملاءاته، وقلت له بالفم الملآن: لا لصفقة القرن، هل تريدني ان اذعن لقراراتكم، كيف ؟ وعلى اي اساس؟ وبالحصلة تهديدك لا يغير من موقفي وموقف اخواني في القيادة الفلسطينية.
مرة اخرى تملي الضرورة تذكير القادة الصهاينة من كل المستويات، ومن خلفهم حلفاءهم الأميركيين ومن لف لفهم، القيادة الفلسطينية، هي قيادة نضال شعب من اجل التحرر الوطني، وليست قيادة عميلة او مأجورة تباع وتشترى بثمن بخس، او بتهديد صفيق وارعن وتافه كمن وجهه للرئيس عباس. وقد تستطيع القيادة الصهيونية إرتكاب جرائم متعددة ومتشعبة ومن مستويات مختلفة، ولكنها لا تستطيع انتزاع ارادة الشعب البطل، ولا فرض الإملاءات على القيادة الوطنية المجربة. نعم القيادة الفلسطينية وعلى رأسها محمود عباس تناور، ومرنة جدا، وتتعاطى بديبلوماسية، وتعمل على تعزيز خيار المفاوضات، ولكنها لا تحيد قيد انملة عن الثوابت والمصالح الوطنية العاليا.
[email protected]
[email protected]
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت