- المحامي علي ابوحبله
في 23 مارس/آذار المنصرم، ظهر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في مقطع دعائي قائلا بابتسامة عريضة: "لديّ بشرى كبيرة لمواطني إسرائيل المسلمين"، وسرعان ما أشار بسبابته إلى خارطة كبيرة، وتحديدا إلى المسافة بين "تل أبيب" ومكة المكرمة، مواصلا حديثه لمَن حمل لهم البشرى: "لديكم حلم بالطيران المباشر من تل أبيب إلى مكة.. دون محطات توقف، دون وسطاء، دون أسعار باهظة.. والحلم سيتحقق".
كانت المفاجأة الأكبر هي أن مَن يقف وراء تعطيل رحلة نتنياهو التاريخية إلى الإمارات هو الأردن، الذي رفض السماح بمرور طائرة رئيس الوزراء الإسرائيلي عبر مجاله الجوي، حيث أرادت عمَّان، التي تدهورت علاقتها بنتنياهو منذ سنوات عدة، تلقين "بيبي" درسا قاسيا، وإرسال رسالة واضحة إلى حليف الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب؛ علَّه يتوقَّف عن سياسته المُفضية إلى تهميش الأردن.
أمّا عن السبب الظاهر لموقف الأردن، فكان على الأغلب تغيير إسرائيل لبرنامج زيارة كان مُقرَّرا أن يقوم بها ولي العهد الأردني الأمير الحسين بن عبد الله إلى الحرم القدسي في القدس قبل ذلك بأيام. ففي اللحظة الأخيرة، وبذريعة حمل الأمير أسلحة أكثر مما هو مُتفَّق عليه، غيَّرت إسرائيل برنامج الزيارة، وهو ما اعتبره الأردن مساسا خطيرا بدوره التاريخي في القدس المهدَّد بسبب استمرار التطبيع العربي الإسرائيلي.
بدا واضحا أن المسألة ليست محض خلاف إسرائيلي أردني حول تفاصيل الزيارة. فالأردن، الأكثر تضرُّرا بسبب التوترات والصراعات الإقليمية أثناء سنوات رئاسة ترامب الأربع، يُصِرُّ الآن على التحرُّك لحماية مصالحه الحيوية، وهو بصدد وضع حدٍّ للتحرُّكات التي شكَّلت تحديا كبيرا لاستقراره الداخلي ولسياسته الخارجية، وحتى لكبريائه الإقليمي. وترتبط هذه السياسة الحاسمة جزئيا فيما يبدو بوصول إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى البيت الأبيض، وإعلانها التمسُّك بحل الدولتين، والتشبُّث بالشراكة التاريخية مع الأردن وفق تصريحات المسؤولين الامريكيين ، وهو توجُّه ترى فيه عمَّان فرصة لوقف عنجهية نتنياهو، والثأر مما لحق بالأردن من تهميش سياسي وتهديدات أمنية وتعطيل مُتعمَّد لمصالحه الحيوية المرتبطة بمسار الحل النهائي للقضية الفلسطينية.
استعادة الأردن لموقعه الإقليمي جعله عرضه للتأمر عليه من قبل نتنياهو وحلفاء إقليميين ، فقد أفادت صحيفة إسرائيلية ، الأحد، بأن رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، كان على علم بالأحداث الجارية من وراء الكواليس في الأردن، في الأيام الماضية، وحملة الاعتقالات في أوسط مقربين من الأمير حمزة، أخ الملك عبد الله الثاني، على خلفية اتهامات بمحاولة انقلاب والإطاحة بالملك، التي تم الكشف عنها أمس.
ووفقا لمحللة الشؤون العربية في صحيفة “يديعوت أحرونوت”، سمدار بيري، فإنه “يتضح الآن بما لا يقبل الشك أن نتنياهو، وليس هو فقط، كان على اطلاع واسع على ما يُشغل الملك عبد الله في الأسابيع الأخيرة. لماذا، على سبيل المثال، كان مهما له (للملك عبد الله) أن يمنع نقل رئيس حكومة إسرائيل جوا إلى الامارات .
وأضافت أن “عَمان، بأوضح الكلمات، تشتبه بنتنياهو، الذي كان سيسعده التخلص من الملك عبد الله ’الملك الأخير’ وأن يرى مكانه حاكم أردني آخر. كما أنه ليس مؤكدا أن نتنياهو يوجّه مخططاته إلى شخص من العائلة المالكة. ومن الجائز جدا أن يكون عسكريا رفيعا أيضا”.
وتابعت أنه “وفق اشتباه آخر في القصر الملكي، نتنياهو لم يكلف نفسه أيضا بالحفاظ على سرية أفضلياته وشارك السر مع أصدقائه الجدد”.وأضافت: “بكلمات بسيطة، حتى لو سارعوا في الموساد وبعثة شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية إلى إبلاغ نتنياهو بما يجري وراء الكواليس في المملكة أثناء حدوثه، فإن عبد الله لم يعد يثق الا بمنظومته الامنيه والالتفاف الشعبي لقيادته وان في جعبة الملك عبد الله وحكومته أوراق عدة لحماية قلعة الاستقرار الأخيرة في المَشرق، وهو يُحبِّذ ألا يستخدمها دون ثمن، ، وفي ظلِّ إدارة بإيدن الذي يُقدِّر الإرث التاريخي لتحالفات واشنطن التقليدية، حيث يقدر أهمية الدور الأردني في استقرار المنطقة وهناك فرصة حقيقية لعودة العلاقات الأردنية الأميركية إلى مسارها الصحيح خلال السنوات الأربع المقبلة، ومعها سيمتلك الأردن مساحة لمواجهة عنجهية نتنياهو وكسر كبريائه -كما فعل بمنع نتنياهو التحليق بالاجواء الاردنيه - بطريقة لم تكن متاحة طوال سنوات رئاسة ترامب وهذا ما جعله عرضه للتامر عليه ومحاولة الانقلاب الفاشله على النظام الاردني
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت